وديعة مثالية لدى رئيس راعٍ ومحبّ – ترجمة ب حسيب شحادة

القصة ….
ترجمة ب. حسيب شحادة – جامعة هلسنكي …
في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي نشرتها الدورية السامرية عام 1990
”احترام الذات في أوقات الفقر والعَوَز
عندما كنّا نسكن في حيّ فقير في تل أبيب اختبرنا الجوع والحرمان في كلّ يوم. سنوات ثلاثينات القرن العشرين الأولى كانت عصيبة بنحو خاصّ، وبعد ذلك لم تتحسّن حالتنا كثيرا. والدي جمال بذل كلّ جهده في مزاولة أيّة صنعة أو عمل لتوفير لقمة الطعام لصغاره، أنا البكر وشقيقاي إبراهيم ومبارك (باروخ).
أصبحت الأيّام أكثر فأكثر صعوبة، تفشّت البطالة ولم نجد إمكانية لسدّ رمقنا. استمرّت أُمّي في تحضير شيء ما لنا من لا شيء، ولكن فيآخر المطاف حبكت أصابعها بشدّة ويأس، لأنّه لم يتبقّ في جيب أبي ولا قرش. وديننا للبقالة تفاقم والبقّال رفض أن ييع لنا على الائتمان (الدفتر).
أبي لم ير أي مخرج، كان في حيْصَ بيصَ. سمع ذات يوم بأنّ صديق السامريين العظيم يتسحاك بن تسڤي، رحمه الله، أتى لزيارتهم في يافا. بقلب متحسّر متألّم أخرج والدي كتابي صلوات مخطوطين كانا بحوزته من تركة أبيه، لفّهما بمنديل حريري كبير وسافر لمنزل كائن على الحدّ بين يافا وتل أبيب، حيث حلّ فيه بن تسڤي ضيفًا. أخذ أبي بن تسڤي جانبًا طالبًا إيداع المخطوطين عنده مقابل قِرض. بن تسڤي الذي كان مطّلعًا على الوضع الاقتصادي الذي كان أصدقاؤه الذين اعتنى بهم يعيشون فيه، استجاب حالًا للطلب وأقرض أبي مبلغ الوديعة.

توْق والدي
منذ ذلك اليوم لم ينقطع أبي عن التأمّل بصوت في ذلك اليوم في المستقبل، الذي فيه سيكون بحوزته المبلغ المطلوب فدىً لكتابي الصلاة من يدي بن تسڤي. في بداية أربعينات القرن الماضي تحسّن وضعنا قليلا. أخذ أبي يراكم ليرة تلو ليرة من مبلغ الوديعة، وأودعها لحفظها برعاية أُمّي. أُمّي إستير (جميلة، اسم اختاره، كما يبدو، زوجها. أشكر صديقي الكاهن عزيز يعقوب على هذه المعلومة) أدارت شؤؤن بيتها وحافظت كل المحافظة على شرف العائلة في أعين الناس. إنّها أيقنت مدى أهمية استرجاع المخطوطين بالنسبة لأبي. عندما توفّر مبلغ الوديعة وتكاليف السفر، اصطحبني أبي وسافرنا إلى القدس. آونتها كنت ابن اثني عشر ربيعا. أبي لم يبلّغ بن تسڤي عن نيّته في لقائه. كان معروفًا أنّ بن تسڤي مستعدّ للتفرّغ من أيّ عمل مهما كان مهّمًا من أجل أيّ سامري. عندها كان بن تسڤي في نهاية منصبه رئيس جلسات اللجنة الوطنية وقبل تعيينه رئيسًا لها وذلك المنصب كان من أهمّ المهام قُبيل قيام الدولة. اهتمام أبي بهذه الحقائق، كان أقلَّ من اهتمامه باسترداد المخطوطين.
باب بن تسڤي كان مفتوحًا بوجه السامريين
كما كان متوقّعًا، عندما علِم بن تسڤي بأن أبي يرغب في مقابلته، أسرع وتفرّغ من أشغاله. قابل أبي بالترحاب وببشاسة ولا سيّما لي. انحنى قليلًا وقرص خدّي بخفّة وسألني عن تقدّمي في دراستي، ولا سيما تراث الآباء. أجبته بما أجبت، ولكن أبي قاطعني بنفاذ صبر وقال:
” يا سيّد بن تسڤي لديك وديعة أودعتك إيّاها مقابل قَِرض أقرضتَه لي قبل عقد من الزمان تقريبا“. ”ماذا، ما الأمر؟“ استفسر بن تسڤي مندهشا، مستصعبًا تذكّر القرض الذي أقرضه لوالدي.
”أودعت بين يديك مخطوطين ورثتهما من معلّمك وصديقك الكبير أبي إبراهيم، رحمة الله عليه؛ إنّهما كتابا صلاة أرغب في أن يصلّي أولادي بهما. الآن أنعم الله عليّ واستطعت جمع مبلغ الوديعة، وأبتغي استرجاعهما ودفع قيمة القرض“.
أكّد بن تسڤي بإيماءة رأس أنّه تذكّر تلك الوديعة. شرح لسكريتيرته كيف يُمكن إيجاد المخطوطين في مكتبته الكبيرة. وبعد لحظات، بدت لأبي أنّها أبدية، عادت السكرتيرة وبيديها كتابا الصلوات اللذان حنّ أبي إليهما كثيرا. تناولهما بن تسڤي من يدها وناولهما مباشرة ليدي أبي الممدودتين. ورفض قبول مبلغ الوديعة من أبي بالرغم من إلحاحه الشديد. ”اعتبر هذا المبلغ مشاركة من طرفي في تعليم إسرائيل ابنك البكر“، قال بن تسڤي ورفع يده مشيرًا بوضوح أنه لا يريد سماع أي شيء بخصوص ما يستحقه من المال. شكر أبي بنَ تسڤي بحرارة.
في الباص شعرت بتجاهل وإهمال ما، طَوال الطريق جلس أبي محتضنًا كتابي الصلوات وابتسامة تشعّ من وجهه.