هل فعلا إيران تشكل خطرا و تهديدا للمصالح الامريكية وحليفها المدلل الكيان الصهيوني؟! …. بقلم : سفيان الجنيدي

دراسات …..
بقلم : سفيان الجنيدي – كاتب فلسطيني يقيم في امريكا ..
قراءة خارج النص لجدلية العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني

بعد سياسة الحصار الإقتصادي الغاشم المفروض على طهران والتي لم تؤتي أكلها والتي لم تصد إيران عن المضي قدما في سعيها الدؤوب أن تغدو قوة نووية، بدأت الإدارة الامريكية والكيان الصهيوني بإنتهاج سياسة التصعيد والابتزاز والشحن العاطفي عبر الإغتيالات المتكررة -للشخصيات الإيرانية المرموقة والمؤثرة في صناعة القرار السياسي – سعيا منهما لإستدراج ايران إلى المواجهة العسكرية المباشرة، إلا أن طهران أظهرت وعيا سياسيا ناضجا واستمرت في سياسة ضبط النفس وتحاشت إلى الآن الوقوع في الفخ، فبعد إغتيال قائد فيلق القدس “الجنرال قاسم سليماني”، قامت الادارتين الامريكية و الصهيونية بتنفيذ عملية الإغتيال النكراء للعالم محسن فخري زادة والذي يعد أهم عقل في الهندسة النووية في إيران.
ومما لا شك فيه أن سياسة التصعيد من قبل الإدارتين الامريكية و الصهيونية أوقعت الرأي العام في حيرة وأضحت الصورة ضبابية عند شريحة عريضة منهم، وأضحى الرأي مشغول بتساؤلات على مستويين متابينين، فشريحة من الرأي العام تطرح اسئلة من قبيل : هل سترد إيران على الإهانات والإغتيالات الامريكية و الصهيونية المتكررة؟! وإذا ردت متى و كيف سيكون الرد؟! هل ستقوم إيران باتباع نفس اسلوب خصومها وتنتهج سياسة الاغتيالات؟ ام سيكون الرد عسكريا بتوجيه ضربات عسكرية مباشرة للاهداف الامريكية و الصهيونية؟ ام ان ردها سيكون من خلال اذرعها العسكرية المتاخمة للكيان الصهيوني؟ ام انها ستستمر في سياسة ضبط النفس وتتحاشى الوقوع في الفخ؟!
ومع هذه التساؤلات، ما زالت شريحة أخرى – لا يستهان برأيها – تطرح تساؤلات من قبيل: هل فعلا إيران في علاقة عداء للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني؟! هل فعلا إيران تشكل تهديدا للمصالح الامريكية وحليفها المدلل الكيان الصهيوني؟
قبل الشروع في الاجابة عن هذه التساؤلات، لا بد من رفع الغطاء عن بعض الحقائق حول ماهية العلاقة بين الفرقاء الثلاثة، إيران من جهة و الطرف الثاني ممثلا بامريكا و دولة الكيان الصهيوني، كذلك يجب أن نفاضل بين المنافع و المضار لكل من الولايات الامريكية المتحدة و الكيان الصهيوني في حالة إستمرار بقاء إيران او في حالة التخلص من النظام الايراني.
بداية لا ينكر إلا احمق دور إيران في تسليح ودعم حركات المقاومة في غزة ولبنان لوجستيا و ماليا ودعم حركة الحوثيين، إلا أن إيران تقوم بذلك من منطلق سد الفراغ الناجم عن تقاعس و تخلي الدول العربية السنية في المنطقة عن دورها العروبي والوطني في دعم القضايا العربية و من جهة ثانية لطموح إيران المشروع في أن تعيد امجاد الإمبراطورية الفارسية ولكي تصبح دولة إقليمية مؤثرة في التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، لكن هذا يحاكي جزء من الحقيقة ولا يحاكي الحقيقة كلها، فإيران لا تدعم فقط حركات المقاومة ضد دولة الكيان الصهيوني، وإنما تدعم ايضا حركات وفصائل مسيحية ( ميشيل عون) وكذلك دعمت إرمينيا المسيحية ضد إذربيجان المسلمة ذات الاغلبية الشيعية مع أن الاخيرة أقرب إليها من حيث المعتقد والمذهب ( وهذا يعني أن إيران ليس لها دور ثوري و نضالي – خالص النوايا ونصرة للدين والمذهب والمعتقد – ضد الامبريالية و الصهيونية) وإنما تقوم بذلك من منطلق براغماتي محض. إذا دعم الحركات بشكل عام، الاسلامية وغير الاسلامية لا يتعد كونه تحقيق للمصالح والغايات الايرانية، وفي هذا المضمار التاريخ ملئ بلعبة التناقضات المبنية على البراغماتية فمن باب الذكر لا الحصر كذلك فعل الرئيس صدام حسين حين دعم حليف الكيان الصهيوني في لبنان حزب الكتائب في حربها ضد النظام السوري عدو النظام العراقي السابق وفي نفس الوقت كان الشهيد صدام حسين داعما رئيسيا لحركات المقاومة الاسلامية في غزة).
اما فيما يتعلق بقدرات إيران العسكرية وردها المتوقع (المزلزل ) على الإهانات الامريكية و الصهيونية المتكررة والتي عرت النظام الايراني واظهرت مدى هشاشته ومدى إختراق عملاء الموساد والمخابرات المركزية الامريكية لأراضي الجمهورية الاسلامية، ففي هذا المضمار أفضل ما يميز هرم السياسة الايرانية انهم يعرفون قواعد اللعبة جيدا ويعرفون حجمهم في اللعبة الدولية، وبناء عليه فمن المستبعد أن تلجأ إيران إلى المواجهة العسكرية المباشرة حتى لا تعطي الادارة الامريكية والكيان الصهيوني الذريعة لشن حرب شاملة سيتمخض عنها نتائج كارثية من قبيل تدمير المنشآت الحيوية والبنية التحتية وإزهاق آلاف الارواح مما سيكلف إيران التأجيل او التأخير في إمتلاكها للقنبلة النووية و من جهة أخرى قد تؤدي المواجهة العسكرية لتأليب الرأي العام الإيراني والذي بدوره يعاني منذ سنوات طوال بسبب الظروف الإقتصادية الصعبة والناجمة عن الحصار الامريكي عليها وبالتالي ستجد السلطة السياسية في طهران نفسها بين فكي الكماشة، الاضطرابات والإحتجاجات الداخلية من جهة والقصف الخارجي من جهة أخرى وهذا بدوره قد يؤدي إلى إنهيار نظام الدولة بالكامل، وعليه يبدو أن الخيار العسكري المباشر سيكون من الخيارات المكلفة جدا ولن يتعد كونه إنتحار سياسي، لذا من شبه المؤكد أنه لن يكون ضمن الخيارات الايرانية المثلى.
اما الخيار الثاني الإنتقام من خلال اذرع إيران العسكرية المتاخمة للكيان الصهيوني، فمن المرجح أن تنأى إيران عن القيام بهذا الخيار تلافيا للنتائج الوخيمة الناجمة عنه، حيث انه من المؤكد أن ردة فعل الكيان الصهيوني ستكون شرسة وقد تكون قاصمة لحزب الله ومن المتوقع في هذه الحالة أن تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحرب لإجتثاث شأفة حزب الله، ومن جهة أخرى سيصطدم حزب الله بمناكفة ورفض الشعب اللبناني حيث أن القطاع الاكبر منه يحمل حزب الله المسؤولية عن عدم إستقرار البلاد و كذلك يحمله المسؤولية عن تفجيرات ميناء بيروت الذي اودى بارواح الالاف ناهيك عن تداعياته الاقتصادية الكارثية، وبالتالي من شبه المؤكد أن حزب الله سيجد ممانعة شعبية لأي مغامرة عسكرية يقوم بها ثأرا لكرامة إيران المهدورة.
وعليه بناء على الدهاء السياسي لطهران والبراغماتية الإيرانية فمن المرجح أن تقوم إيران باحد الخيارين التاليين: إتباع نفس اسلوب خصومها من حيث إنتهاج طهران سياسة الاغتيالات عن طريق خلايها النائمة المنتشرة في معظم اصقاع الارض او أن تستمر بإتباع سياسة الصبر الاستراتيجي حتى تنتهي الفترة المتبقية و العصيبة من إدارة ترامب.
اما فيما يتعلق بالدور التاريخي المنوط بإيران والتي تقوم به على أكمل وجه في المنطقة، فدور إيران في الشرق الأوسط لا يعدو عن كونه الفزاعة التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني لاكثر من غاية، فوجود إيران وتركيا و الدولة الكردية والدول التي ستنسلخ مستقبلا عن الدول العربية يعني أن الكيان الصهيوني لم يعد جسما غريبا في منطقة كانت سابقا متجانسة وبذلك يتم شرعنة الكيان الصهيوني جغرافيا، من جهة أخرى وجود إيران هو البوابة السحرية للكيان الصهيوني لبسط سطوته و سيطرته على الدول العربية والخليحية بشكل خاص، فأصبحت الدول العربية تتسابق في التطبيع مع الكيان الصهيوني وكسب وده وصداقته وإقامة تحالفات إستراتيجية معه لدرء خطر إيران الافتراضي، والغاية الثالثة أن الكيان الصهيوني إستطاع أن يوجد عدو وخصم للدول العربية وجعل الدول العربية توجه كل طاقاتها لدحر هذا العدو الافتراضي ولم تعد أي حكومة عربية توجه سهام كنانتها للكيان الصهيوني، اما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي أضحت الدول العربية السوق الاهم لتسويق الاسلحة الامريكية والتي تدر على الخزينة الامريكية مليارات الدولارات سنويا والغاية المكذوبة المختلقة لذلك هي الاسطوانة المشروخة، الاستعداد للخطر الايراني الافتراضي والوهمي .
أما فيما إذا كانت إيران فعلا تشكل تهديدا للمصالح الامريكية و الصهيونية؟! وفيما إذا كانت إيران عدوة لامريكا والكيان الصهيوني! مما لا شك فيه أنه لا يمكن الاجابة بشكل مباشر عن هذه التساؤلات، لكن بناء إلى ما تم سرده وبناء على التوازنات الاستراتيجية في المنطقة ولعبة المصالح والتي تضع قوانينهما وقواعدهما الدول الكبرى وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، فإيران لا يعدو دورها عن كونها لاعب ثانوي واحتياطي في المنظومة الدولية،وكلما حاولت التمرد وعدم الانصياع لاوامر الادارة الامريكية، تقوم الادارة الامريكية والكيان الصهيوني بتقليم مخالبها وإعادتها إلى حجمها الطبيعي، وعليه نخلص بالقول أن سبب التوتر و التأزم في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني مردها إلى بعض النقاط ويأتي في مقدمتها خروج إيران في بعض الاحيان عن الدور المنوط بها، ومن جهة أخرى عدم تمكن الادارات الامريكية إلى الآن من إحداث شرخ في التحالف بين روسيا والصين وإيران وبديهيا إيران الحلقة الأضعف في هذا الحلف وكذلك عدم تمكن الادارات الامريكية المتعاقبة من الاستيلاء على مصادر النفط والطاقة في إيران، وعليه فإن العداء بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية هو عداء براغماتي ولا يمكن حسب المعطيات أن يكون عداء وجودي إستئصالي.
ختاما: الإختلاف سنة الكون، وقد تختلف معنا الاكثرية ويوافقنا في تحليلاتنا النزر القليل، و نتمنى في هذا المقام أن نكون مخطئين في تحليلاتنا وان تقوم إيران برد الصاع صاعين للكيان الصهيوني وللولايات المتحدة الأمريكية وأن تقوى شوكة إيران وتركيا في المنطقة لكي لا يتمكن الكيان الصهيوني من بسط سيطرته على الشرق الاوسط لا سيما أن حالة التخاذل والانبطاح العربي الرسمي المقيت في إزدياد و يبدو أنه لا نهاية لها في الافق القريب.