سخرية كالبكاء …
بقلم : د. سمير ايوب – الاردن …
كَدِّيشْ بِتْحِبْني ؟!
بعد أكثر من خمسينَ سنة زواج ، في لحظةِ وَناسةٍ ، والأُحفادُ يتقافزون حولهما ، سألَتْ الحَجَّةُ حَجَّها : بالَكْ يا حَجْ ، بَعْدَكْ بِتْحِبْني زَيْ أوَّلْ ؟
قَهقَه الحجُّ حتى إستلقى على قَفاه . أزال نظارتَه عن عينية . أشعل سيجارة بلدية . مع أول مَجَّةٍّ منها سَعَلْ . ثم تنهد وهو يُبَحْلِقُ في الحجة تارة ، ويتلفت تارة اخرى ، نحو تشكيلات الأحفاد في باحاتِ المزرعة .
قالت الحجة بشئٍ من نفاذِ الصبر : طَيِّبْ خَلَصْ ، إفْهِمِتْ يا حَجْ. بَسْ قُلْ لي ، كَدِّيشْ بَعْدَكْ بِتْحِبْني ؟
أجابَها بتأفًّفٍ حَيِيٍّ : كَدْ المخيم .
صاحت الحجة مُستنكرةً : بَسْ !!!
رد الحجُّ ضاحكا : ما تِزعليش يا ست الكل . بحبك كَدْ كل مُخيمات الوطن العربي . وكَدِّ المنفيين فيها من لاجئين ونازحين ومشردين: فلسطينيين ، عراقيين ، سوريين ويمنيين . وكَدِّ كروت المُؤن والإعاشة والإغاثة . وكَدْ إكياس الطحين وربطات الخبز ، وعلب السردين ، إللي إتوزعت على البائسين .
بَحِبِّكْ كَدِّ المرضى إلْ مِشْ لاقيين علاج . والأطفال إلْ مش لاقيين مدارس . والشباب إلْ مش لاقي شَغلِه أو عَمْلِهْ شريفه ، توفرلهم لقمة عيش كريم وسكن كريم .
بَحِبِّكْ كَدِّ إللي بّلَعْهُم غولِ البحر ، والمخفيين في دهاليز السجون ، وزنازين ما وراء الشمس . وكَدْ دَمِّ الشهداء ونزيف الجرحى ، وأنات الأسرى ووجع أهاليهم .
بَحبِّك كَدِّ المال المنهوب . وَكَدِّ الأحلام المُجْهَضَة ، كَدِّ الأصابع اللي عالزناد ، كَدِّ العيون اللي بترحل لزهرة المدائن كل يوم ، كَدِّ تكبيرات مآذن القدس وقرع نواقيسها .
يا حجه ، بَحِبِّكْ كَدِّ أمل حرائر أمة العرب ، ونشمياتها وماجداتها في معتصمٍ جديد ، و خالدٍ وليد ، و صلاحٍ مُعيد . شايفِه يا حجه كَدِّيشْ بَحِبِّك ؟!
كَدِّ الوَجَعِ العربي كُلُّه .
إوعِكْ يا حجه ، إتْفَكري هالوجع صغير ، أو قليل !!!