اراء حرة (:::)
ناجي شراب – فلسطين المحتلة (:::)
معركة مصر مع الإرهاب لن تكون سهلة ، ولن تكون قصيرة ، بل هى معركة شاملة تطال بقاء ووجود مصر كدولة وهوية ودور. وصعوبة هذه المعركة تأتى من فرضية أساسية وجوهرية أن هذه الجماعات المتشددة والمتطرفة على إختلاف تسمياتها بما فيها ألأخوان المسلمون يتفقون حول هدف رئيس يتمثل فى عودة ألإخوان للحكم بأى وسيلة وباللجوء لكل الخيارات، وتدرك هذه الجماعات أن لا وسيلة للعودة للحكم إلا بإسقاط الدولة ، وإسقاط نظام الحكم وتعريته أمام مواطنية ، وبعد أن فقدوا أى امل فى العودة بطريقة ديموقراطية سلمية هم لا يؤمنون بها أصلا يعتقدون ان الوسيلة ألأقصر هى بالعنف ، وبإجهاض كل مقدرات الدولة ومشاريعها الوطنية التى تعيد لمصر دورها ومكانتها ، والمعادلة بالنسبة لهم واضحة ان نجاح نظام الحكم والرئيس السيسى فى إنجاز وإتمام المشاريع القومية التى بدأ بها حكمه وهى مشاريع تحتاج إلى إستقرار وأمن ،ودعم جماهيرى ، وجذب للإستثمارات الأجنبية ، أن هذا النجاح يعنى الفشل فى أى امل بالعودة للحكم ، ومن هنا لا بد من زعزعة الحكم وتشتيت جهوده فى مناطق متفرقة من أراضى الدولة فى داخلها وعلى أطرافها وخصوصا سيناء التى تمثل فى حد ذاتها هدفا قائما بذاته. والهدف هنا ليس زعزعة امن وإستقرار الدولة ، بل الإدراك التاريخى والسياسى والأمنى ان عمود قوة مصر هو الجيش ولذا العمل على توريطه فى هذه الحرب التى لا حدود لها ، وبإنهاك قوته وإستنفاذها يسهل بعد ذلك التوغل والسيطرة على مفاصل الدولة ، ومن ناحية أخرى تدرك هذه الجماعات حجم الإنتماء والإندماج بين الشعب والجيش وهذه سمة من سمات التاريخ المصرى والعلاقة بين المؤسسة العسكرية والشعب، وهى علاقة تنفرد بها مصر دون غيرها ، يدركون انه إذا تم إحداث شرخ فى هذه العلاقة من خلال تصوير ان الجيش قد فشل فى تحقيق الأمن من ناحية ، ومن ناحية أخرى بتصوير الحالة فى مصر على أنها إنتهاك لحقوق المواطن المصرى ، وإنتهاك لأهداف ثورة يناير وهى الثورة المعترف بها لأنها هى ألتى قد أوصلتهم للحكم , وما دون ذلك هو إنقلاب عسكرى ، ولتحقيق هذا الهدف هدف الحكم تعمل هذه الحركات على تفكيك مفاصل قوة الدولة كما أشرنا الجيش، والمؤسسة ألأمنية ومحاولة إستحضار الصورة السابقة لحكم الرئيس السابق حسنى مبارك، وكيف ان هذه المؤسسة تمثل إعتداءا صارخا ضد إنتهاك حقوق الإنسان المصرى ، والذى تتصيد أى أخطاء تقع فيها من خلال المظاهرات والإحتجاجات والتى من اهدافها أيضا توريط المؤسسة ألأمنية بهذه الإنتهاكات لتصويرها وإستغلالها عالميا, ومن ناحية ثالثة ضرب البنية ألإقتصادية إدراكا منهم انه لا تنمية مع غياب الإستقراروألأمن ، والحيلولة دون عقد المؤتمر ألإقتصادى الدولى فى شرم الشيخ، والذى إنعقاده يمثل نجاحا لنظام الحكم ، وترسيخ شرعيته, والعلاقة طردية بين نجاح شرعية نظام الحكم وبين أى أمل فى العودة للحكم ، وهو ما يعنى ايضا تقويضا لفكرة إنقلاب، لأنه فى النهاية مقياس الشرعية يقاس بالإداء والإنجاز، والهدف هنا تقويض لأى إنجاز أو نجاح للحكم فى مصر. ومما قد أقلق هذه الحركات وخصوصا حركة ألأخوان الزيارات المتعددة التى قام بها الرئيس السيسى وحقق فيها إنجازا واضحا ، وتغييرا لصورة الحكم فى مصر. وتعتمد هذه الجماعات ايضا على الوسيلة ألإعلامية التى تنتشر قنواتها فى عدد من الدول وخصوصا تركيا وهى قنوات مدعومة باموال عربية ، وتوظف عددا من الوجوه ألإعلامية المصرية ، إلى جانب عدد من الصحف التى تصدر فى لندن ، وكلها تشكل آلية هامة فى تشويه صورة الحكم فى مصر.وتنطلق هذه الرؤية من فرضية أ ساسية وهى ان نجاح مصر فى الحفاظ على هويتها الوطنية والقومية ، ونجاح نظام الحكم فيه فشل للمشروع الذى تمثله هذه الحركات ، ومن هنا المعركة صعبة وقاسية فى كثير من ألأحيان ، فالأخوان وغيرهم يدركون أن فشلهم فى مصر فشل لهم فى كل المنطقة العربية ، وهذا قد يفسر لنا التلاحم والتكامل بين كل هذه الحركات بفروعها مدعومة بمال خارجى فى هذه المرحلة ، فالهدف فى هذه المرحلة هو إسقاط الدولة والحكم فى مصر ، وبعدها تأتى مرحلة التمكين السياسى لما تمثله من مشروع له إمتدادات خارجية لكن قلبه مصر. وفى هذا السياق يأتى دور شبة جزيرة سيناء التى تمثل لهذه الحركات نقطة الإنطلاق التى يمكن ان تعلن منها الدولة الإسلامية المستقلة ، مستغلين حالة الفراغ السائدة ، والحالة القبلية ، والتغلغل الإسرائيلى ، والبعد الجغرافى عن السلطة المركزية فى القاهرة ، ولذا تشكل سيناء المعركة الحقيقية التى تحدد مصيرها، وهذا ما يفسر لنا ايضا الضربات المباشرة للوجود العسكرى ، والعلميات المتوحشة لبث الرعب والخوف فى قلوب سكان المنطقة .إذن هذه الحركات تعرف ما تريد، وأهدافها واضحة . وهو ما يستلزم على جانب الدولة والحكم ان تكون الرؤية واضحة وألأهداف محددة ، ودون الدخول فى تفاصيل أقرب الطرق لإفشال هذه الأهداف بامرين ألإنجاز المادى وتلبية حاجات المواطنيين، وحماية حقوقهم المدنية وعدم المساس بها ،والأداء الحكومى والبعد عن كل شبهة للفساد وبمحاربة وإقتلاع كل العشوائيات الفقيرة ، بالتدرج فى تطبيق مبدأ العدالة والتكافؤ فى تحقيق الفرص وتوزيع الثروة ، وبالعمل على تحقيق أهداف ثورة يناير، وهنا اذكر بشكل سريع بالحالة الفرنسية ، فرغم دخول فرنسا مرحلة طويلة من العنف وعدم الإستقرار، واكثر من ثورة ، لكن ديجول نجح بعد حوالى مائة عام بتأسيس الجمهورية الخامسة على أهداف الثورة الفرنسية ألأم. وهذا المطلوب على مستوى مصر التاسيس للجمهورية الثالثة على أساس أهداف ثورة يناير.والركيز ألأخرى التى يتوقف عليها نجاح اى حكم وهى أساس نجاح الحكم الديموقراطى التلاحم بين الشعب والحكم ، والذى يعبر عنه بالشرعية السياسة او الرضا ، والرضا لا يتحقق إلا من خلال صيغة العقد الإجتماعى الجديد الذى أفرزته ثورة يناير. وهذا النجاح يحتاج إلى رؤية وخطاب إعلامى وسياسى هادئ ومتزن وموضوعى بعيدا عن الإنفعال ، والتهويل والمبالغة ، مناطحة الحجة بحجة ومضمون أقوى ، وسياسيا يحتاج ممارسة سياسة متوازنة مستقلة قوية فى ثوابتها وأهدافها ، وبعيدة عن الدخول فى أفخاخ العداء التي قد تنصب لها، وبالتاكيد على الهوية الحضارية للشخصية المصرية فى إطارها العروبى والإسلامى المعتدل وفى إطار هويتها المكانية والجغرافية والتى أنبتت شخصية وهوية حضارية شامله. هذه بعض الرؤى لمواجهة موجة ألإرهاب ومعركة البقاء التى الهدف منها النيل من مصر. والموضوع يحتاج لمزيد من التحليل والنقاش.
دكتور ناجى صادق شراب
drnagish@gmail.com