منوعات ….
شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة ….
لسنا جراثيم تحت المجهر ، لكن في نظرهم مخلوقات بحاجة الى ترويض وتحذير ، نبكي ونتوسل ونجتاز البحار و الحدود ، نعيش بين نبرات الطرد والغضب ، وما أن يهبط القادة والرؤساء والمسؤولين من أبراجهم العاجية ، ويبسطوا يد الرضى والعطف ، حتى يكون التدفق الى كل مكان ، بحثاً عن الأمن والأمان .
هذه الصورة المصغرة جداً لحالة المواطن العربي اللاجىء الى الدول الأوروبية ، حين يقتحم حدود الدولة الأوروبية ، نازلاً على سهولها وجبالها وبحارها وشواطئها ، متكلماً بلغة الركض والتوسل والبكاء والصراخ ، قائلاً بلغته الصاعدة من خوفه وهروبه ( أنا طنيب عليكو ) .
أصبحت اللقطات الموجعة التي تصدرها الفضائيات العربية والغربية بشماتة ورهان على الاوطان العربية الهرمة ، الفاشلة ، العاجزة ، لقطات تفسر كوابيس الواقع العربي ، وكأن الأحلام العربية تحولت الى رماد يذر الآن في عيون الذين كانوا يرسمون مستقبلاً أفضل عند تحرير بلادهم من وحشية الاستعمار والاحتلال الأجنبي .
ويصل الاستهزاء بالمستشارة الالمانية ” ميركل ” التي تقول متفاخرة ، لماذا لا يذهب اللاجئون العرب الى مكة ؟ اليست هي أقرب لهم من دولنا ؟
ويصمت المواطن العربي ويغرق في تساؤلات لا تصل اليها الاجابات ، لكن يجد نفسه ليس ذلك السائح العابر ، بل الواقف على ابواب اللئام ينتظر الطعام والكساء وشفقة الغرب.
تثيرني اللقطات التي تظهر حالة المواطن العربي الهارب الى الدول الاوروبية ، ولكن المؤلم أكثر محاولة اقناع ذلك الاوروبي أن الانسان العربي هو الهادىء ، المطيع ، المسكين ، الفقير ، وأن القدر ظلمه وجعله عربياً ، وأخوته الذئاب يأكلونه ، حتى عظامه يهشمونها بأنيابهم الدموية .
من صور الاقناع العربي ، الوقوف في منتصف الطريق أو الميدان وحمل شعارات وعبارات تستدر العطف ، وآخر تسول الاقناع كان الشاب السوري ” فراس الشاطر ” ومبادرة التقبيل التي حصدت ملايين المشاهدين على شبكات التواصل الاجتماعي .
وقف السوري فراس شاطر معصوب العينين في ميدان الكساندرا بلاتز وسط برلين حاملاً لافتة كُتب عليها ( أنا لاجىء سوري ، أنا أثق بكم ..هل تثقون بي ) في البداية كان التردد ثم بدأ بعض المارة الالمان يحضنونه ويقبلونه ، وحصد الشريط المصور على ملايين الاعجاب من الشعب الالماني .
قد تكون هذه الوقفة من السوري فراس الشاطر ذكية تدل على نباهة وفطنة وشطارة واستدراجاً ، لكن اذا تعمقنا في الصورة المذكورة ، نجد كلمة الثقة قد زرعت في مكان يعج بالمتفجرات التاريخية ! هل السوري يناشد الألمان أن يثقوا به ؟؟ اليس من المنطق المواطن العربي لا يثق بالأنظمة الغربية التي بسبب مصالحها وأطماعها واستخفافها هي السبب في لجوئهم وهروبهم من بلدانهم ؟ اليس هم من قسموا الدول العربية بفضل مقصات سايكس بيكو وباقي رؤساء وزعماء الدول الأوروبية ، الذين هم أشبه برؤساء العصابات قد ساهموا بالعبث والتدمير ونسف الاستقرار تحت مسببات وحجج عديدة .
الشاب السوري ” فراس الشاطر ” يحاول استعطاف الالمان والتأكيد على وضع ثقتهم به ، أي سيأكل ويشرب ويكون مخلصاً ككلابهم التي تحرسهم ، لن يقوم بعمل يغضبهم ، فقط عليهم قبوله بينهم ، هارباً ، لاجئاً .
وهناك صور أخرى غير – فراس الشاطر – لشباب عرب في العواصم الاوروبية في عدة لقطات تصور تسول الثقة الاوروبية ، أما في ميدان أو في طريق أو في مدخل حديقة ، جميعهم يطالبون الأوروبي بالثقة .
مع أن الشعوب الاوروبية تعرف أن وصول اللاجئين العرب والأفارقة الى بلادهم سببه هم الذين امتصوا وسرقوا ثرواتهم وخيراتهم ، سرقوا ماضيهم وحاضرهم عبر تفتيت وتفسيخ الشعوب ، خرجوا من أوطانهم بعد أن قاموا بخرابها ، ثم عادوا وتدخلوا في شؤونها وقراراتها ، كانوا في الفضاء كالحمامات البيضاء ، وفي القاعات كالأفاعي تنتظر فرص اللدغ والانقضاض ، ثم يأتي الوقت والزمان ليقف السوري باكياُ يطالب الالماني بأن يمنحه الثقة .
الشعب الفرنسي يعيش احتفالات العودة ، فقد أعادوا الخاتم الذي كانت ترتديه جان دارك ، بطلتهم التي اعدمت قبل 600 عاماً ، بعد أن حلمت بالملائكة الذين دعوها لمحاربة وطرد الانكليز من اورليانز ، لكن أمسكوا بها واتهموها بالشعوذة والسحر واعدمت عام 1431 .
احتفالات الفرنسيين بعودة خاتم جان دارك ، لا يغطي صورة عالم الآثار العراقي الذي وقف أمام أحد واجهة أحد المتاحف في لندن وأخذ يبكي بأعلى صوته لأنه وجد الآثار العراقية المسروقة معروضة بلندن دون حسيب أو رقيب ، وصرخ بألم : اذا الانسان ليس له قيمة فكيف بالآثار، ومن يحاسب اللصوص ؟ .
بكاء عالم الآثار العراقي يخفي بكاء العالم السوري والمصري والليبي وباقي الدول العربية التي لا تباع فقط في أسواق السياسة ، بل تباع وتسرق آثارها علناً والمصيبة أن الذين يبيعون و يشترون هم الذين نبكي أمامهم نستعطف الثقة .