كلهم متخصصون مثل تخصصي في صناعة القنبلة الذرية – بقلم : وليد رباح

سخرية كالبكاء …
بقلم : وليد رباح – نيوجرسي …
في زمان مضى .. كنا نعتبر الكتاب والادباء انبياء .. وحتى لا يفهمني البعض خطأ ويتهمني بالكفر فان النبىء ليس هو فقط المرسل من عند الله .. وانما الكلمة مأخوذة من التنبؤ .. والكاتب مستشرف لاحداث الزمن اذا كان كاتبا حقا لذا فهو نبي .. لانه يشعر اكثر من غيره بمجريات الاحداث فيقيسها ويفصلها تفصيلا عجيبا لا يستطيعه احد الاه .. فاحيانا يصيب واحيانا يخطىء .. ولكنه مع كل ذلك يظل مستشرفا ليس للغيب فقط .. وانما لحاضرة الذي يعج بالاحداث .. كان ذلك الزمان الذي مضى .. اما اليوم .. فانك ترى كل من يكتب حرفا يسمي نفسه كاتبا .. فهذا كاتب فيلسوف وذاك كاتب متخصص بالطبخ وتلك خبيرة بشئون المجتمع  وآخر خبير عسكري وثان استراتيجي وثالث لا ادري ما اسميه .. ولكنهم مع كثرتهم .. اصبحوا يدشون الكلام على عواهنه فلا هذا كاتب ولا ذاك مستشرف ولا هذه خبيرة طبخ ولا ذاك خبير عسكري .. وانما هي أسماء سموها لانفسهم لاضفاء البهرجة على ما يكتبون ٍ.. ولكن القارىء اللبيب .. هو الذي يحدد ان كان هذا خبيرا او كاتبا او مستشرفا او اديبا او صاحب قلم ..
ففي عصر الانترنت هذا .. اصبح من يرص حرفين كاتبا .. وغدا من يكتب سطرا عالما .. ولا يسميه الاخرون ولكن هو الذي يسمي نفسه .. فترى معظم كتاباته مسروقة عن هذه الافة التي تسمى بالانترنت .. فتقرأه وكأنك تقرأ لعالم شهير ولكنه في النهاية لا يكتفي بتسمية نفسه .. بل يسميه المخدوعون به انه عالم كبير وجهبذ لا يشق له غبار ..
وقد تجد الفرق واضحا وضوح الشمس عندما ترى اللغة وقد تغيرت في فقرة عن فقرة أخرى .. فهذه الفقرة رائعة ليس فيها خطأ واحد .. وتلك التي تليها كأنما داست عليها دجاجة بارجلها فاشبعتها لخبطة فغدت مثل الخرابيش على الطرابيش .. مع الاعتذار لهذه الزاوية .
وفي عصر الانترنت هذا غدا الجاهل عالما والعالم مغبونا .. لص الكلمات اديبا والاديب الحق مطحونا .. المحلل الاستراتيجي الحق جائعا ومن يسرق من الافة معلما وربما يعتبره البعض رسولا .. واجمالا .. فان كل من امسك او نقر على ( الكيبورد ) تحسب له كل نقرة بتفصيل لمسمى ..
كل ذلك ان كنت كاتبا حقا وتستطيع ان تفرز الجيد من الغث .. والسمين من المسلوع .. والمدهن ممن تعتوره الخرافه .. ومن ثم يسألك الناس وتسأل نفسك عن التدني في اللغة والسرد والموضوع الذي تقرأه فلا تجد نفسك الا وانت متخلف عن الركب في كتاباتك .. فتحلف اغلظ الايمان ان تبتعد عن هذه الافة التي يسمونها الادب .. في وقت كنت تقرأ لكبار الكتاب في عصور ماضية كأنما تأكل قطعة من الكنافة هذا ان لم تكن مصابا بالسكر .. فتستعذب المذاق وتطلب المزيد ..
ولا اريد ان اسمي نفسي من العصور الماضية .. ولكن ذلك قد بدأ ليس مع ظهور الانترنت فقط .. ولكنه بدأ عندما الغت العديد من الدول العربية مادة النحو والصرف من برامجها .. على اعتبار ان اللغة العربية معقده .. وانها لا تجاري العصر .. أي عصر يا هذا دون لغة .. ان اللغة هي احدى موجبات تواجد الامة ونموها .. فان بهتت او حللت على غير معناها أصبحت الامة قطعة من الخزف تلقيا من عل فتكسر .. ولو كان ما فعلوه من تغريب للغة صحيحا لما صمد القرآن الكريم كل هذه السنوات الطويلة .. لانه ابلغ الكلام .
ان فهم أولئك الذين لا يتقنون اللغة هو فهم اعرج ان لم يكن كسيح القدمين .. فلا ادب دون لغة .. ولا لغة دون من يتبحر بها .. ولا افق لهذه الامة ان تكون الا بلغتها التي صدرت الينا ملايين من الكتب التي لا نزال ننهل من معينها حتى يومنا هذا .. اما أولئك الذين يظنون انهم نجباء وعلماء ويسمون انفسهم بما يمكن ان يسمي الثور طعامه .. فانهم الى زوال .. فبعد ان يموتوا تموت معهم كلماتهم التي استوردوها من غيرهم .. لانهم ليسوا كتابا للادب .. ولكنهم ادعياء له .. صدقوني.