القصة :
القصة ….
بقلم : بكر السباتين ….
عاد الرجل من عمله متعباً وفِي قلبه اشتياق لأبنائه المنزوين في غرفهم الموصدة، فشعر بالكآبة وخاصة أنه جأر بصوته عالياً وهو ينادي عليهم بأسمائهم، ولكن دون جدوى كدأبهم كل يوم.
وكانت زوجته وهي تعدّ السفرة بما لذّ وطاب قد نوهت قائلة:” لا تتعب صوتك المنهك، فهم منشغلون الآن بهواتفهم النقالة”..
فتساءل والحيرة تدور في رأسه كدوامة راحت تقش في طريقها ما خفَّ حمله :”وهل سألتَهِمُ كلَّ هذا الطعام لوحدي!؟”
فردت وجهاز الآيفون في يدها يتلقى إشعارات بالرسائل التي تدفقت على بريد الفيسبوك، وهي تلتهمها بعينين جائعتين:”أتركهم على راحتهم، فهذا زمن ليس لنا فيه ناقة ولا بعير”
فانتابته موجة غضب.. ماذا سيفعل وكل من في البيت صاروا كالغرباء.. هل ينشغل بهاتفه مثلهم! أم…!
فالتجم لسانه.. إثر فكرة خبيثة طرأت له..
نظر إلى جهاز بث النت المركزي المركون أمامه على الطاولة، فأغلقة بشاهد يده.. حتى استيقظت زوجته من غيبوبة النت منبهة:”شغل الجهاز، فقد انقطع الإرسال”. فتجاهل طلبها ضاحكاً بينما اغتاظت متأففة، في الوقت الذي فتحت أبواب وصفعت أخرى ليداهم الأب من قبل جميع أبنائه”النت مفصول”.. فصرخ فيهم معاتباً: ” تباً لكم.. إِذْ لا خير في أبناء استجابوا لنداء شيطان النت بينما ألجموا صراخ أبيهم الذي راح هدرا”..
ثم عقب مازحاً:
” هكذا سأجمعكم حول سفرة الطعام في المرات المقبلة”..
وبدون دعوة منه، وكأنهم اكتشفوا ما كانوا عليه من جوع، هبطوا على مائدة الطعام كالضواري ..
(2)
دولته والرقص على الترمس
خرج رئيس وزراء دولة ما بنفسه ليتأكد من فحوى ما جاء في تقرير سري رفع لدولته حول تهرب الحيتان من دفع مستحقات الدولة الضريبية؛ ليكتشف بالصدفة، بأن بائع الترمس الذي كان يركن عربته أمام المدرسة المخلعة النوافذ في إحدى الأحياء الشعبية، لا يدفع الضرائب، ربما لم ينتبه دولته إلى كبر سن البائع بوجهه المكفهر المليء بالتجاعيد، والمطوق بلحية بيضاء مهملة، لأن جريمة التهرب الضريبي التي توقعها المرافق من البائع طغت على الموقف الجلل؛ وقرر دولته أن يتخذ بحق أمثال هذا اللص المتستر بمظاهر الفقر الإجراءات اللازمة.. لكن دولته الذي انتفخت أوداجه بفعل ربطة العنق الباريسية الأنيقة، أخذ يضحك بتكلف وسائقه يدور بالسيارة الفارهة حتى صارت مقدمتها في مواجهة مشهد ضلفتيْ بوابة المدرسة وهما تتأرجحان بفعل الرياح العاتية، فوجه ملاحظته الساخرة لمرافقه الذي شنّفَ أذنيه كالثعلب المطيع:
“أريد أن أختبر شقاوتك، بماذا تشبه هاتين الظلفتين وهما تتأرجحان مبديتين ما بداخل المدرسة للمارة، .
فعلق المرافق ساخراً:
“إنهما تهتزان كالراقصة هياتم التي ما أعجبت دولتكم في سهرة رجل الأعمال أبو الكيف الذي اتهم بالتهرب الضريبي لكننا تأكدنا حينها من براءته”.، فرد دولته بتذاكي:
“فعلاً أنت حمار هههه لكنها مدرسة بائسة كما يبدو من مبانيها المتهالكة، لذا كان عليك تشبيه الضلفتين المتراقصتين بأرملة وضيعة تتسول وهي تبدي مفاتن صدرها للمارة، يا غبي ألم تلمح معي من خلال البوابة كل تلك الفوضى التي تعم هذه المدرسة وكان أحد المدرسين يركل طالباً بينما ضحيته تتوعده!! كأننا في سوق الخضار”
. فضحكا ملئ الشدقين. ثم أخذ دولة الرئيس يذكر مرافقه بكتابة تقرير حول تهرب بائع الترمس الضريبي لاتخاذ ما يلزم بحقه، كي يعمم الإجراء الحازم كخبر في الصحف المحلية ووكالات الأنباء العالمية.. “عجبي”