التصنيف : آراء حرة (:::)
د. ناجي شراب – فلسطين المحتلة (:::)
تتجذر قوة مصر كدولة وأمة وشعب فى قدرتها على إستيعاب أكثر من هوية فى هوية واحدة تتلخص فى عبقرية مصر. هذه العبقرية تذهب جذورها فى تاريخ حضارى يمتد لأكثر من خمسة آلاف سنة أنتج حضارة ما زالت إنجازاتها قائمة عكس الحضارات الأخرى ، وهو ما يقوى ويدعم من هذه العبقرية والشخصية . فلا يكفى القول أن لنا حضارة ، بقدرما هذه الحضارة مجسدة فى الواقع الحاضر. والحضارة تعنى الدور والمكانة التى لعبتها مصر على مدار هذا التاريخ الطويل. ولذلك الحديث عن هذه الحضارة وإستدعائها يعنى إستدعاء هذا الدور وهذه المكانة. وأولى الخطوات هو بناء عناصر القوة الداخلية وهى فى الحالة المصرية كثيرة ومتعددة من قوة بشرية ، وقوة عسكرية ، وقوة إستراتيجية ، وقوة تكنولوجية وعلمية ، ولعلى أذكر هنا فقط ان اليابان كانت ترسل بعثاتها إلى مصر عام 1908، اى بدايات القرن الماضى دلالة على تقدم مصر. ومن عناصر القوة قوة الهوية ذاتها وهى من الهويات المستوعبة والمنفتحة على غيرها ، فهى نموذج للهوية الحاضنة وليست الطاردة ، وهذا سر قوة هذه الهوية وإستمرارها ، وفشل كل المحاولات التى تحاول طمس أو القفز عليها كما فى تجربة ألأخوان القصيرة ،او فى بعض التيارات الفكرية التى دعت وتدور على بعد واحد من هذه الهوية ، كأن نقول فقط الهوية الفرعونية ، ومصر وهذا ما قد يفسر لنا لماذا مستهدفة فى دورها ومكانتها انها تملك كل عناصر القوة الصلبة ، والقوة الناعمة ، اما أنها لم تمارس هذا الدور فى مراحل تاريخية معينه فهذا له أسبابا كثيرة قد يتعلق بعضها بنظام الحكم ، وغياب التوازن السياسى الديموقراطى ، وباسباب تتعلق بإدارة هذه العناصر، وهو ما يحتم اليوم على النظام الجديد، وعلى الرئيس السيسى أن تكون أولى مهامه إستعادة عناصر القوة هذه، هذا هو التحدى ألأكبر الذى يواجه عبقرية مصرية. وقد اقف قليلا عند كلمة عبقرية ،وماذا تعنى ؟ عندما نقول هذا الرجل عبقرى يعنى القدرة على الإبداع ، والعمل ، والإنتاج، والقدرة على التغلب على التحديات والمشاكل التى تعترض الحياة البشرية ، وهذا المعنى ذاته ينطبق على العبقرية المصرية ، بمعنى القدرة الإبداعية الكلية لأبنائها ، وهو ما تمثل تاريخيا فى قدرة مصر على التغلب على كل المحاولات الخارجية التى حاولت النيل من هذه العبقرية وهذا الدور، وقدرتها على التصدى لكل الغزوات الخارجية ، وألأهم قدرتها على مواصلة دورها ومكانتها حتى لو لحق بها إنتكاسات بفعل قوى خارجية طامحة للنيل من هذه العبقرية ، ولعل أفضل مثال على ذلك التجربة المصرية ، وعبقرية مصر فى عهد عبد الناصر،وعبقرية القائد أو الرجل العظيم يحددها قدرته على تفهم عبقرية الدولة والشعب الذى يحكمه، وعندما تلتقى عبقرية مصر مع عبقرية الحاكم هنا يبرز الدور والمكانة الكبيرة التى تقوم بها الدولة ، وهذا ما حدث مع ثورة 23 يوليو ، والمشروع القومى الذى تبناه عبد الناصر فى التحرر من التبعية والإستعمار وتحقيق العدالة الإجتماعية ، ولهذا السبب تكالبت عليه القوى الرافضة لهذا الدور فكانت حرب 56، وحرب 67، ولكن عبقرية الدولة وعبقرية القائد تمكنت من تجاوز هذه المحاولات ، نفس الصورة تتكرر اليوم مع ثورتى يناير ، وثورة يونية التى احد أهم أهدافها إستعادة هذا الدور وهذه المكانة ، بإستعادة عبقرية مصر، وإستعادة عناصر القوة لها ، والتخوف يتكرر من تواجد قيادة ونموذجا لها يجسده طموح الرئيس السيسى ، فقامت نفس الدول والجماععات الرافضة للعبقرية المصرية بإستهداف هذا الدور، وهو ما يفسرلنا محاولة إستهداف الجيش المصرى وإغراقه فى حرب العنف والإرهاب ، والهدف منها إستنفاذ أهم عناصر القوة الصلبة ، والإستهداف الثانى هو لقوة مصر الإقتصادية وغرقها فى مشاكل الفقر والبطالة ، ومحاربة أى مشروع قومى تقوم به ألآن, والسؤال ماذا يعنى إستعادة عبقرية مصر ، ودورها ومكانتها؟ مصر بهويتها العربية والإسلامية والحضارية الوطنية ، قادرة على الوقوف فى كل المشاريع الخارجية التى هدفها ليس النيل من عبقرية مصر ، بل من الهوية العربية كلها ، وإستبدالها بهويات إثنية وطائفية وعرقية ، تقوم على تفكيك الأمة العربية إلى دويلات صغيرة ضعيفة تسمح للدول الإقليمية مثل إيران وتركيا وإسرائيل ، إلى جانب القوى الدولية الكبرى وعلى راسها الولايات المتحدة إعادة تقسيم المنطقة سياسيا إلى مناطق نفود، والمفتاح لذلك هو مصر بان تبقى ضعيفة متناحرة داخليا ، ومستهدفة خارجية .وفى هذا السياق فالدور الذى تقوم به ينطلق من المصلحة العربية ، والحفاظ على هويتها ، ولذلك الوقوف إلى جانب مصر هو دفاع عن الهوية العربية لكل دول المنطقة ، والوقوف امام أخطر مشروع خارجى تلاقت فيه مصالح الدول الإقليمية بالدول الكبرى لتفتيت المنطقة.هذا أحد أهم جوانب هذه العبقرية وهى التى يطلق عليها عبقرية المكان والجغرافيا، وتمثلة هوية حاضنة لمكونها ألإفريقى ، والآسيوى فى قلب المكون العربى الأساس, وعبقرية الزمان والتى يمثلها الإمتداد والإستمرارية التاريخية والحضارية ، ، عبقرية مصر أفرزت العديد من العبقريات ، ولكن كل هذا فى إطار العبقرية ألأم. هذه العبقرية هى المرشد والملهم لأى قائد وأى حاكم حكم مصر، وقوة أى حاكم وعبقريته ووطنيته تقاس بالقرب من مكونات هذه العبقرية ، وهذا قد ينطبق على كل نماذج الحكم ألسابقة . هذا هو معيار النجاح/، وهذا هو المعيار الذى يحكم حكم الرئيس السيسى وقدرته على إستلهام هذه العبقرية وترجمتها فى إستعادة عناصر قوتها الداخلية والخارجية ، وفى إستعادة دور مصر ومكانتها فى عالم تحكمه القوة أكثر مما تحكمه الأخلاق.
دكتور ناجى صاددق شراب
drnagish@gmail.com