طيور السنونو – قصة : جميل حلاوة

 

القصة ….
قصة بقلم : جميل حلاوة – كاتب من سوريا ….
كسنديانة قديمة يستند على باب صيدليته المطلة على ساحة مركز المدينة المزدحمة . تتحرك عيناه بملل تراقبان حركة الناس. طويل القامة، وعيون جاحظة تخفي قليلاً من الحزن ويحزم بنطاله فوق البطن. لا يتكلم كثيراً ويتعامل مع زبائن الصيدلية بجدية مفرطة وكأنه أستاذهم في المدرسة ويمكن نسي كيف الابتسامة منذ زمن. يقال بأنه من أقدم الشخصيات العلمية و شغل منصب نقيب الصيادلة لسنوات عديدة.
حاولت صبية رقيقة متحمسة وتعمل مندوبة مبيعات مرارا” أن تقنعه بعرض بعض الأدوية لسمعة الصيدلية و لأهمية موقعها في ساحة مركز المدينة، ولكن لم تستطع إقناعه بأي شكل وإنما إصطدمت بجموده ونظراته الباردة. خرجت من الصيدلية كئيبة الملامح ولم تتجرأ بالعودة إليها أبداً وطلبت من زميلها أن يتولى أمر هذا الصيدلاني: حاول زميلها أيضا الاقتراب من الرجل الواقف كالعادة يسند باب الصيدلية ، وقال مقتحماً صمته: “طيور السنونو الموجودة بكثافة على أسلاك الكهرباء هذه جميلة جداً. أنا شخصياً أحبّ هذا الطير كثيراً. عصفور صغير وله أجنحة أكبر بأضعاف جسمه ولايستطيع الوقوف على الأرض بسبب قصر رجليه يهوى اللعب بمجموعات،ويشرب الماء دول التوقف عن الطيران.” تحركت عينا الرجل ببطء باتجاه أسراب السنونو لكن بلا مبالاة. دخلت سيدة أنيقة وكبيرة بالعمر إلى الصيدلية”، ودخل خلفها الصيدلاني وتبين فيما بعد أنها زوجته٠ أسرع الشاب مندوب المبيعات مقتفيا أثر عطرها و مستغلاً وجودها و راح يخاطبها باحترام مقدماً لها زجاجة عطر.
“سيدتي الجميلة.. أتمنى ان تعطي رأيك بهذا العطر الجديد” وكان العطر لطيفا حقيقةً وشعرت بالسعادة والقبول فألحقها المندوب بهدية ثانية ( كريم للوجه) مع رشة من الكلمات اللطيفة.
ظهر الاعجاب واحمرت خدودها كصبية في العشرين وابتسمت وهي توجه بنعومة بالغة سؤالها إلى زوجها الواقف كالتمثال: ” هل ستتأخر على العشاء؟”
توسعت عينا الصيدلاني مندهشاً من طريقة الكلام زوجته و خرج الشاب سريعاً ليتابع أعماله.
رن تلفونه بعد عشر دقائق وقبل ان يرد بمقدمة المجاملات كمندوب ، سمع صوت الصيدلاني الخشن والآمر: ” رجاع عالصيدلية ناطرك”.
عاد المندوب مسرعاً إليه فبادره الصيدلاني بالقول وهو يشخبط بالقلم على الورقة دون ان ينظر اليه:
” إذا بدك تحط هون بعض الادوية تحضيراً للإعلان عنها تفضل”. شكره الشاب ووضع كافة أنواع الأدوية والكريمات والمنشطات أمامه على الطاولة قائلاً: ” الرجاء أن تبدي رأيك لأن ثقتك مهمة جدا بالنسبة لنا”.
في اليوم التالي بدأ مندوبنا جولته الصباحية من أمام الصيدلية التاريخية و كان الصيدلاني كالعادة بوقفته التاريخية المعروفة لزبائن الصيدلية والمارة والمندوبين. تحرك الصيدلاني التمثال ونزل درجة مقتربا من المندوب وطوقه بيده اليسرى بينما اشار باليمنى إلى طيور السنونو .
” بتعرف لأول مرة من تلاتين عاماً أنتبه لهذه الطيور اللطيفة والرائعة تقف على أسلاك الكهرباء متراصة متحابة وكأنها تتحاور ، إنها لا تطير فقط بل تسبح في الفضاء سباحة وبحركات بهلوانية جماعية منسّقة إنها ترقص بفرح وشقاوة ياااااااه.. ماأجملها ”