فلسطين ….
شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة ….
قفزت صورة عادل امام وهو يقول بنبرته الساخرة في مسرحية شاهد ما شفش حاجة – متعودة دايماً – حين رأيت المصافحة التاريخية بين وزير الأمن الاسرائيلي موشه يعلون والامير السعودي تركي الفيصل الذي كان سابقاً قائداً للمخابرات السعودية ، عدا عن شخصيته التي تنتمي الى العائلة المالكة في السعودية ، العائلة التي تلف نفسها في بساط الوطنية والمصلحة السنية وترسم لنفسها الدور الرئيسي في علم الانظمة الحاكمة ، بعد ان وضعت تحت البساط خزائن أموالها وسلاحها وبترولها وزحفها على اربع اتجاه العلم الامريكي .
الابتسامة المفروشة على وجه يعلون وهو يصافح الامير تركي ، تُظهر مدى العلاقة الحميمة بين جدران الغرف المغلقة التي تكلم عنها ” يعلون ” ، حيث أكد أن اللقاءات مع المسؤولين العرب تتم في الغرف المغلقة ، ومع ثقافتنا المترسخة في اللاوعي نتيجة تربيتنا ، نعرف أن الغرف المغلقة تحمل الاسرار والممنوعات ، تحمل الخطيئة والرذيلة والفساد ، فكيف اذا اجتمع المسؤولين الاسرائيليين مع مسؤولين عرب ، بالطبع ستكون شياطين التنازل والتآمر بينهما تشرب الكؤوس انتصاراً ، ومن المضحك أن الاعلام الاسرائيلي يتمتع وهو يهدم الغرف المغلقة ويحولها الى ساحات تُسلط عليها الأضواء ، ليبرهن للعالم أنه الصديق الدائم للأنظمة العربية ، حيث يقوم الاعلام الاسرائيلي بالكشف عن اللقاءات الغرامية مع هذه الانظمة ويكشف بالغمز واللمز عن وكذبها وخداع شعوبها ، بينما اعلام الانظمة العربية يتجاهل ولا يهتم بالتوضيح والكشف عن الاحاديث التي دارت في الغرف السرية . فالشعب مثل الزوج المخدوع آخر من يعلم ، وينتظر صفحات التاريخ ، التي غالباً ما يكتبه الذين حول السلطان والملك والرئيس .
قبل فترة التقطت ملكة جمال اسرائيل صورة مع ملكة جمال لبنان ، وعلى ذمة ملكة جمال لبنان أنها فوجئت بالاسرائيلية تلتقط الصورة معها ، وقامت قيامة الاعلام اللبناني والعربي ، وشتموا ولعنوا الملكة اللبنانية ، عدا عن الفنانين والفنانات الذي يسقطون بين أنياب وسائل الاعلام اذا التقطت لهم صورة مع اسرائيلي معجباً أو عابراً في احدى الأماكن ، وتأخذ وسائل الاعلام تردح وتشتم ذلك الفنان أو الفنانة ، بينما تمر صورة الأمير تركي وغيره من القادة والمسؤولين مر الكرام .
السلام المرفرف على الجسور الواصلة بين اسرائيل والسعودية لا ينقصه الا ” يعلون” و” تركي” ،حتى تفتح الغرف المغلقة. الصورة كما رأيناها وحدقنا بها وفسرنا الملامح جميعها تشير الى عمق العلاقة ، فإذا قالوا قطرة الماء تلخص البحر ، فابتسامة الامير تركي مع يعلون تلخص المحيط الذي تسبح به السعودية ، تلخص غرفاً وطاولات وبيع وشراء ، الحزن على الشهداء وعلى الدم المراق ، وعلى الدموع والاحلام .
شجاعة رولا وحلم الحاجة فاطمة
لم يعد المجتمع الاسرائيلي يكتب بالحبر الاحمر فقط ، منذراً بأن هناك مرحلة ضبابية قادمة اتجاه العرب ، بل اعلنوها صراحة أن العربي في نظرهم مثل سيخ شاورما وعليهم أن يسلخوا يومياً قطعاً من لحم وجوده حتى يبقى مصلوباً على سيخ الفراغ .
يومياً هناك الصراع بيننا وبين من يتجاهلون وجودنا ، يريدون سرقة كل شيء من التاريخ الى اللباس الى الطعام الى الاراضي الى الميزانيات الى الوظائف .. الخ ، يراهنون على بقاء العربي عارياً ، لا يملك شيئاً ، فهو المولود البندوق الذي ليس لك اهل وتاريخ وقيمة وأهمية ، والدولة قد تفضلت عليه حين تسمح له بالعمل والتنقل ، وكلما ” دق الكوز بالجرة ” نجد الحملات العنيفة ضد العربي الذي يعض اليد التي تمتد له ، ولا يستحق شيئاً ، كأن هذه السياسة قد تحولت الى عامود الخيمة التي تظلل الشعب الاسرائيلي ، الذي اصيب بمرض اللامبالاة والتجاهل اتجاه المواطنين العرب لدرجة المطاردة والملاحقة على أدق التفاصيل .
لقد اختفت تلك الشريحة التي تعرف أن هناك اختراقاً فاضحاً للديمقراطية المزيفة ، وأن هناك من يقوم بدور المقص الذي يقص الاصابع ، وان صوراً عديدة مورست ضدهم ايام النازية تخرج من البومات التاريخ لتلقي بظلالها علينا .
لا يكون الحديث عن الاحتلال واقامة المستوطنات والقتل اليومي ، بل هنا ، حين تقف كمواطن داخل مؤسسة اكاديمية ، عليها أن ترتقي بالفكر والنهج التعليمي ، نجدها تريد حرمان الطالب من لغته ، محاصرته بالكلمات ، واللغة ليست وسيلة كلام بل هي وسيلة وجود ، والحصار يريد القول أنك ريشة في الهواء ، ليس لك أي قيمة ، ونحن نحرك الريشة .
في جامعة تل ابيب التي تعتبر من افضل الجامعات في العالم حسب السلالم العلمية العالمية التي تخرج كل فترة وفترة ، تدرج أسماء الجامعات التي لها القيمة العلمية في العالم .
في جامعة تل أبيب تقف الموظفة العربية الوحيدة في مركز الاستعلامات الهاتفية ” الاء حاج يحيى ” امام امتحان صعب ، فقد سمعوها تتكلم اللغة العربية مع الطلاب العرب ، لذلك كان الرفض والشجب عليها أن لا تتكلم اللغة العربية مع الطلاب العرب ، عليها أن تتكلم اللغة العبرية .
امام صلف المسؤولين في الجامعة الذين اصروا على التكلم باللغة العبرية مع الطلاب العرب قدمت استقالتها، نعرف أن اللغة العبرية هي السائدة في الجامعات وان تعليم اللغة العربية يكون في اللغة العبرية ، ونعرف أن مئات الاماكن التي يعمل فيها عرب يمنعون التكلم باللغة العربية ، لكن حين ندق أبواب الجامعات ، ويتحول السلك الاكاديمي الى سلك مكهرب يلفونه حول العربي لكي يضيء متى يريدون ، حتى يبقى اسير التجاهل والشعور انه في رتبة أدنى وأقل ، وان لغته لغة ملعونة أمام هيمنة اللغة العبرية .
وما دامت الموظفة العربية ” رولا حاج يحيى ” كشفت عن صورة المرأة الشجاعة التي رفضت الخضوع لمنطق التجاهل في جامعة تل ابيب وكشفت عن صورة موجودة في اروقة الجامعة ، التي توقعنا أن ينتفض المسؤولين فيها على هذا التصرف اللاأخلاقي واللا علمي، يندى له جبين العلم والشهادات التي تمنحها الجامعة لطلابها ، لأن اللغة العربية لغة معترف بها في الدولة ، ولغة لها تاريخها وعمقها وجذورها .
ومن باب الفخر بمواقف المرأة الفلسطينية ليس سياسياً واجتماعياً فقط ، في غزة تخرجت الحاجة فاطمة من جامعة ” الأقصى ” حديثاً ، فقد درست علوم الحديث وتخرجت بدرجة بكالوريس . الحاجة فاطمة تبلغ من العمر 82 عاماً ، تحدت الصعاب والعمر واكملت تعليمها ، صورها وهي تستلم الشهادة وترتدي لباس التخرج الجامعي ، وثيقة ترفع من قيمة الاصرار الفلسطيني .