سنة المذابح ومثال قرية فراضية! – بقلم : فؤاد عبد النور

دراسات ….
بقلم : فؤاد عبد النور – المانيا ….
” سنة المذابح الإسرائلية لإجلاء أهل الجليل عام 1948، حسبما وردت في تقارير ضباط  الأمم المتحدة ”
بقلم: سلمان أبو ستة. من صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 6 \ 2 \ 2000.

طلعت الصحف في كانون ثاني بنبأ اكتشاف باحثٍ إسرائيلي وقوع  مذبحةٍ في أيار 1948، قتل فيها 200 من أهالي الطنطورة جنوب حيفا. وهذا الاكتشاف الإسرائيلي يعكس أمرين: أولهما شعور إسرائيل بالقوة،  بحيث تسمح بكشف فظائعها، دون خوفٍ من عقاب. وثانيها نفاق الرأي العام الغربي الذي يقدر شجاعة باحثٌ إسرائيلي، بينما يصم أذنيه عن مئات الروايات التي رواها شهود عيان من الناجين من مذابح النكبة خلال الخمسين عاماً التي مضت، ولم يحرك ساكناً لاستنكار هذه الجرائم.
ومصادر البحث في هذا التاريخ الدامي ثلاثة: الأول، روايات آلاف من اللاجئين التي سجلت في أزمانٍ مختلفةٍ بصيغٍ  متباينة  تناسب زمن الفجيعة، أو عصر الثورة، أو موضوعية الباحثين والمؤرخين. ومن الأعمال البارزة لهذه الفئة الأخيرة ما كتبه وليد الخالدي، وإلياس شوفاني، ونافذ نزال، وشريف كناعنة، وصالح عبد الجواد، وروز ماري صايغ، وحليم بركات، وغيرهم.
والمصدر الثاني، أبحاث المؤرخين الإسرائيليين والمؤرخين اليهود الجدد، مثل ” إيلان بابيه، وبيني موريس، وتوم سغيف، وسمحا فلابان، ونورمان فلكشستاين. وباستثناء الأول والأخير، تنطلق معظم كتابات الآخرين من فهم صهيوني للأحداث، وتستحي من إلقاء اللوم على إسرائيل، وتلقيه على أهوال الحرب ومآسيها. وذلك لأن عواقب تحمّـل إسرائيل المسؤولية كبيرة، منها سقوط المبدأ الأخلاقي لقيام إسرائيل، والتزام إسرائيل بالعواقب المادية والمعنوية  لتدمير شعبٍ أمام المجتمع الدولي، وأمام الدول المجاورة التي تحملت عبئ استقبال اللاجئين.
وهنالك مصدرٌ ثالثٌ لتسجيل أحداث النكبة، وذلك هو تقارير مراقبي الهدنة الذين شاهدوا بعض هذه الفظائع، وحققوا فيها، واستدعوا الشهود، وزاروا موقع المذابح، وطالبوا إسرائيل بمعاقبة المسؤولين، ولكنهم لم يظفروا بجواب.
وحسب  علمي لم يأتِ على ذكر تقارير الأمم المتحدة سوى ” ميشيل بالومبو في كتابه ” نكبة فلسطين ”                Catastroph    Michel Palombo; The Palestinian    تتوفر لنا الآن ملف  ” الفظائع ” من أرشيف الأمم المتحدة تحت اسم  13 I 3!   ونعرض هنا بعض فصوله:
”  بعد  سقوط أغلب قرى  الجليل،  وجهت إسرائيل قواتها  نحو الجنوب في 15 \ 10 \ 48، خارقةً  بذلك شروط الهدنة الثانية، ثم  احتشدت تلك القوات مرة ثانية في الشمال الذي لم تكن تحميه إلا قوات متفرقة من جيش القاوقجي، بينما توجد القوات السورية واللبنانية على أطراف فلسطين الشمالية، وحول الحولة وطبرية.
” كان غرض إسرائيل الواضح احتلال الجليل الأوسط الذي كان مخصصاً للدولة العربية في مشروع تقسيم فلسطين، وكان هو الجزء الباقي عربياً من الشمال بعد احتلال إسرائيل للشريط الساحلي وشريط نهر الأردن، ولكنه كان مكتظاً بالسكان العرب.  كان جلياً  أن تستطيع  قوةً  مدافعةً وذات عزمٍ أن توقف جيشاً جرارا. ولكن هذه القوة لم توجد. إذ سرعان ما انسحبت قوات القاوقجي من دون مقاومةٍ  تذكر من أغلب المواقع أمام الجيش الإسرائيلي  المهاجم تحت اسم عملية ( حيرام )، التي بدأت أواخر أكتوبر 1948، وهدفها التنظيف العرقي للعرب من الجليل الأوسط. لا عجب إذن إن اقترفت إسرائيل في هذه المنطقة، وفي هذه الفترة، 25 مذبحةً  من أصل 35 مذبحةٍ مسجلةٍ  في حرب فلسطين، وعدد لا يحصى من الفظائع الصغيرة والكبيرة.
( الخلاصة ):
” ويختتم تقرير الأمم المتحدة هذا بتقرير من الضابط ” هندرسون “( أمريكي ) إلى رئيس هيئة المراقبين الجنرال رايلي، مؤرخة في 19 \ 11 \ 1948 يقول فيها أنه لا شك لدى المراقبين في اقتراف اليهود المذابح بحق المدنيين، ولكنهم لم يستجوبوا بعد الضباط واليهود المسؤولين لأن ضابط الارتباط اليهودي لا يزال يبحث عنهم. ويقترح ( الضابط اليهودي )  إقفال هذا الملف لأن هذه الأعمال كثيرةٌ، وليس لديهم وقتٌ لذلك! ”
وهذا يترك المؤرخين الإسرائيليين الجدد في موقف محرج،  إذ لا يستقيم اعترافهم  بهذه الوثائق مع الزعم بأنها فردية وطارئة  بسبب  ظروف الحرب، الحق أن الكاتب اليهودي الأمريكي  ” نورمان فالكشتاين ” قد فند بشدّة محاولة أولئك المؤرخين في إزاحة اللوم عن إسرائيل. أما ” إيلان بابيه ”  فكان من البداية من المقتنعين أن مسؤولية إسرائيل في المذابح والطرد ثابتة.
هذا يتركنا مع ”  بني موريس ” الذي أحدثت كتبه ضجةً كبرى في إسرائيل لأنه تجرأ على تسجيل هذه الوقائع، على الرغم أنه لم يلقِ اللوم على إسرائيل، ولكنه عاد لجادة الحق عندما كتب عام 1990 أنه ( أحياناً يجب على المؤرخ أن يُصحح خطأه ) وكيف أنه عثر على وثيقة تشير إلى أن ” كرمل ” قائد القوات التي نفذت عملية ( حيرام ) قد أرسل إشارةً  لاسلكية إلى كل قواته صباح 31 \ 10 \ 48 قائلاً: “اعملوا كل  ما في طاقتكم لتطهير المناطق التي تحتلونها من جميع العناصر المعادية بسرعة، وفوراً، ويجب حث الأهالي على إخلاء هذه المناطق “. ويقول أيضا أن مرتكبي المجازر هم كتائب اللواء غولاني  وكارم،  واللواء السابع،  ومن لحقهم بعد الاحتلال للحراسة،  وأنه لم يعاقب أي جندي أو ضابط على اقتراف هذه الجرائم.
وهنا يأتي دور القانون الدولي، فقد صنف هذه الجرائم إلى ثلاثة:
” 1- جرائم الحرب، ومنها القتل وسوء المعاملة، وإعدام الرهائن، ونهب الملكية العامة، والخاصة، والتدمير غير المبرر عسكرياً  للقرى والمدن.
2-جرائم ضد الإنسانية، ومنها القتل والاحتجاز، وأعمال السخرة، والنفي، والاضطهاد، والتعذيب، على أساس عرقيٍّ، أو دينيٍّ، أو سياسي.
3-جرائم ضد السلام، ومنها التخطيط ضد العدوان، والتآمر لتنفيذه، والبدء به. وهذه الجرائم كلها ارتكبتها إسرائيل، ولا تسقط بالتقادم.  وأنشأت الأمم المتحدة في روما 1988 محكمة الجرائم الدولية المتخصصة بكل هذه الأعمال الوحشية والمستندة إلى رصيدٍ  قانوني كبير منذ الحرب العالمية الثانية حتى كوسوفو، وبقي أن تقدم إسرائيل ومجرموها للمحاكمة. ”
————–
قرية  فراضيّة * 0
تقع فراضية إلى الجنوب الغربي من صفد، وتبعد عنها 10 كلم.، مرتفعةٌ  400 متر عن سطح البحر، على هضبةٍ  مليئةٍ  بالشجر المثمر، وعلى بقايا قلعة ” فارود” الرومانية، وتحيط بها أراضي كفر عنان، السموعي، بيت جن،  ياقوق، الشونة، المنار، والظاهرية التحتا. فيها آثارٌ قديمة، وبقايا طواحين تعمل على ماء نبعها القوي، ومدافن محفورةٌ  في الصخر، ومقامٌ  للشيخ منصور، ووادي الشيخ منصور وطوله ثلاثة كيلومترات،  هو الحد الفاصل بين الجليل الأعلى والأسفل.
عدد السكان كان حوالي 800 نسمة.
يُستخدم موقعها الآن كمتنزهٍ عام، دون رعايةٍ، لسكان المنطقة، الذين يتمتّعون بالشلالات القوية في الشتاء والربيع، ولكن الماء يضعف في الصيف لاستيلاء شركة مقوروت على مياه نبعها.
ذكر د. عراف أن المندوب السامي البريطاني كان له مزرعة في فراضية،  يدل هذا على جمال المنطقة، وصلاحيتها ، بحيث اختارها المندوب السامي البريطاني لتكون مزرعة له.
كتب أحد المهجّرين منها:

نحن من هُجّر في أرضه وصبر
منا من يعيش على مقربة منها
ومنا من أبعدوه لآلاف الأميال جغرافياً عنها
ولكن، جغرافيّة الباطون
والأسلاك الشائكة والمسافات الرهيبة
لن تفلح في  نزعنا واقتلاعنا منها.

أهالي فراضية الذين بقوا في البلاد دائمي الاهتمام بها، يتفقدونها باستمرار. وقد بادروا إلى استدعاء النائب عن الحركة الإسلامية ” مسعود غنايم ” ( القائمة العربية الموحدة للتغيير ) لجولةٍ ميدانيةٍ  في آثار القرية، وللتأكد أن توسيع مستوطنة ”  فرود ” لن يكون على حساب مقبرة القرية (أقل الإيمان !) وقد وافقت سلطة الآثار على بناء سورٍ حول المقبرة.
وصرّح النائب غنايم بعد الجولة:
” إن الأهل المهجّرين من فراضية، والذين يسكنون اليوم في الرامة، لا يجدون قسائم لبناء مستقبلٍ لأولادهم وأحفادهم. بينما الأراضي الخصبة والشاسعة التي كانوا  يمتلكونها سنة 48 صودرت وأخذت بالقوة، وأقيمت عليها الكيبوتسات والمستوطنات. ولكن، وعلى الرغم من ذلك، هم حريصون على الدفاع عن مقبرة القرية، وعلى معالم القرية القديمة. وهذا يدل على مدى تمسكهم ببلدهم، وأرضهم، رغم كل سنين الإبعاد! ”
————-
وجدت مقابلةً أجراها ” رفيق بكري، منشورة بموقع ” مؤسسة فلسطين للثقافة،”  جاء فيها أن رفيق قد اجتمع مع بعض مشايخ فراضية، الساكنين في موقع ” الدبة ” في الرامة، 1800 فردٍ  يحتلون قطعة أرضٍ صغيرة،  بحصة نصف دونمٍ لكل عائلة، يسترون أنفسهم بها،  بدلاً من ” التنّاكيات ” التي كانت منظراً مؤذياً  لكل من يمر في الشارع الرئيس صفد-عكا، وشاهداً حياً على تهجير السكان من قراهم الأصلية، وأحوالهم المزرية.
عندما رأت  السلطة أخيراً أن هذا المنظر سيءٌ للعلاقات العامة لإسرائيل، شجعت البناء، وخصّصت نصف دونمٍ لكل عائلة!
بدأ رفيق مقاله بالحديث عن قاسم مصطفى الخطيب ، إمام القرية، الذي رُحّل إلى لبنان. جاء مع زوجته في زيارةٍ  للبلاد، وكانت الزوجة تُــعبّر باستمرار عن تمنيها أن تدفن في فراضية عندما تموت. فحصل ذلك، ودفنت فعلاً في مقبرة القرية في هذه الزيارة.
تحدث الحاضرون عن الزراعة في فراضية، التي كانت تـُــصدّر الخضروات إلى كل أنحاء البلاد، إلى حيفا وعكا، والقرى المحيطة. وكانت مشهورة بالفجل البلدي، الذي كانت الفجلة منه تطول في الأرض لمسافة نصف متر، فلا يمكن سحبها إلا بشق الأرض وإخراجها.
ثم تطرق الحضور إلى الحارس اليهودي ” سليم “، الذي كان حارساً على أراضي كفر عنان و فراضية المصادرة، ويمنع أحداً من الاقتراب منها. فقال الحاج ممدوح:
” هذا الحارس سليم اليهودي كان أزعر. حياة أبوي كان ملاّك بفراضية. كان عندنا طرش (ماشية) وزيتون، مش أقل من 1200 عِرق. يوم  وإحنا بالرامة، طلب مني أبوي إنه يوكل زيت وزيتون من رزقه، ومن ماله. رحت أنا ورفيق الحسين على أرضنا بفراضية  نسرق من زيتوناتنا. صرنا كل يوم نروح ومعنا كيس أحمر من الخيش، أبو حز أحمر. يوم وإحنا نْـــلقــِّـط زيتون أجا علينا سليم اليهودي من المغار. طلبت منه آخذ الزيتون اللي حوّشناه. ما قبل.  جاب البوليس. حبسونا ثلاث أيام في السجن. بعد ثلاث أشهر، وبعد ما ثبّــتنا إنه الأرض أرضنا، والزيتون زيتونّا، وقفنا قدام الحاكم، وسألني الحاكم: إنت رُحت وسرقت زيتون من فراضية؟  قلت: أنا من فراضية، وهذا الزيتون زيتونّا. أبوي زرعه. . وإذا مش مصدّقني أجيب لك الكوشان التركي. قال : إسمع يا عطّور. تَ  يِصطلح أبوك مع أبوي بصير إلك زيتون بها الأرض. عشان لسه ما اصطلحوا، حكمت كل واحد منكم يدفع 30 ليرة!.”
—————-
ماذا يعني أن تكون عربيا في إسرائيل ؟
(عنوان كتاب د. فوزي الأسمر، ذكر فيه  تجربة حقيقية حصلت معه  من المناسب استرجاعها مع موضوع فراضية. وقد كان نشطا في إسرائيل، وأسس مع آخرين حركة ” الأرض ” السياسية المطالبة بوقف مصادرة الأراضي الفلسطينية العربية، واضطُهد، واضطر إلى الهجرة للولايات المتحدة ).
حملت صباح يومٍ  باكرٍ سلتي الصغيرة لأملأها من حقل التين الذي نملكه في اللد. وكنت معتاداً على جني التين قبل الحرب من هذا الحقل.  ولما انتهت الحرب،  وهدأت الأمور، رأيت من المناسب أن أذهب لقطف تيناتنا. بالإضافة إلى ذلك كنا بحاجةٍ ماسةٍ للتغذية،  بسبب شبه المجاعة التي كنا عائشين فها.
عندما وصلت للحقل،  وجدت شجرة عليها التين ناضجٌ،  فتسلقتها، وأخذت أجمع التين، وإذا بصراخٍ  ورائي، فتلفت، ورأيت حارساً يهرول نحوي راكباَ حصاناً، ويرتدي قبعةً عريضة. وصرخ علي بعربيةٍ  ركيكة:  ماذا تفعل هنا؟ قلت إني أقطف تيناً. فاستشاط الحارس غضباً، وصرخ ثانيةً: إني أعرف أنك تقطف التين. هل تظنني أهبل؟ لقد رأيتك  تقطف التين. من أعطاك إذنًا للقطف؟
فأجبت: ولماذا الإذن؟  هذه أرضنا.. وهذا شجرنا! فازداد غضبه. أمرني بالنزول من على الشجرة، وأصر أن ألحق به ومعي السلة.  امتلأت من الخوف. ظهرت أماهم عيناي رؤى ما عانيناه في الأشهر السابقة. سرت خلفه. ووصلت سيارة نقلتني إلى مركز الشرطة، وكان في السيارة عدة أولاد آخرين أُمسك  بهم كذلك وهم يلتقطون الثمر من أماكن أخرى. ولما اكتـُـشف أنهم يهود، أُطلق سراحهم بسرعة. أما أنا فتعرضت الآن لغضب الشرطي المناوب عندما أدرك أني عربي. وهتف بي: ألست خجلاً من نفسك أيها اللص الصغير  من السرقة ؟ فحنقت،  وأجبته: أنا لست لصاً. الحقل حقلنا. حقل والدي. وذهبت لألتقط التين الذي هو لنا!
فزاد غضب الشرطي: لا تقول حقلنا.. أو أرضنا! لا تقول لنا! الأرض ملك لليهود.. هل تفهم؟ ارتبكت. خفت من الشرطي ومن ثورته، وفي نفس الوقت من والدي الذي لم يخبرني أنه قد باع الحقل لليهود. ولما لم يسمع الشرطي كلمةً من الطفل الخائف والمحتار أمامه، عاد ليسألني: هكذا إذن ..  لمن هذه الأرض؟
فكرت طويلاً قبل الإجابة. رأيت أن أُوافقه حفظاً لسلامتي، على أن استفهم من والدي بعد ذلك. فأجبت: الحقل لنا.. لم أكن أعلم أن أبي  قد باعه لليهود!
لا أستطيع أن أنسى أبداً سخرية الشرطي مني، وهو يردد: قلت لك إن الحقل ليس لكم. لم يبعه والدك لليهود. إنه ملك اليهود بالأساس!
في تلك اللحظة أدركت  ما حدث لعائلتي.. ولشعبي.. ولبلادي.
———————————————
نرجع إلى لاجئي فراضية في الرامة، وإلى أبو رايق:
” أملي بالله كبير. فراضية مش بعيدة عني. عندي أربعتا عشر ولد قاعدين في الرامة، بنص دونم أرض. وعندي ثلاثميت دونم في فراضية!  مر علينا أشياء لا تُنسى. أذكر إنه لما فاتوا اليهود على القرية، طخوا عمي محمود عطور قدامنا، وصار يِـتْـفَعفل على الأرض. شردنا وانهزمنا.”
فقاطعه أبو مفلح، وهو على ما يظهر نفس الشخص الذي قابلته  قبل ربع قرن، وتحدث لي عن مجزرة فراضية، ( التفاصيل في الطبعة الثانية ) عاد وذكر قتل السبعة رجال، وأمر عمه بدفنهم، ولما أتم العم الدفن، قتل فوقهم، وتركت جثته لوحوش البر!
هذا وقد وجدت مقابلة مع مراسلتين للمؤسسة الفلسطينية في بيروت وعمان، في ربيع 1988، وقد أضعت اسم المراسلتين:
” نبع فراضية الأساسي قوي، ولكنه ينقطع في الصيف، وهو شرق بلدنا، قرب قرية الظاهرية في وادي الليمون. وكان عندنا نبع آخر يصب في الحولة.
” كان عدد جيش الإنقاذ المخيم  في القرية  120 فرد. ولاحظت القرية إنهم بِحضروا أنفسهم للانسحاب. فاتصل بهم المختار ووجهاء القرية.  قالوا لهم إنه الجيش النظامي اللبناني رايح  يوخد مكانهم. طيب إيش نعمل، إنهيّء أنفسنا للدفاع بشبابنا. قالوا لا ضرورة.  في نفس الليلة احتلنا الجيش الإسرائيلي!!
” اتصل قائد القوة اليهودية بالمختار، وقال له إنه الجليل كله سقط، وإنهم بإمكانهم يعيشوا معهم بسلام. في اليوم التالي أعطوا المختار قائمة بالأسلحة المطلوبة، وأعطوه 24 ساعة لتسليمها.
” في اليوم الثالث استلموا سبع أو ثماني بنادق ألمانية وإنكليزية، . وجمعوا سكان القرية في الساحة. وما كان في حديث عن التعايش. حرقوا ودمروا أربع بيوت، بينهم بيت المختار. ثم اختاروا 15 شاب، أنا منهم، ونصبوهم على الحيط، وأوهموا الكل إنهم بدهم يطخوهم. ثم حمّلوا 50 رجل، وأنا منهم، إلى الرامة. البقية أمروهم بالتوجه إلى لبنان. تابعوهم حوالي 3 كلم. وهم يطخوا في الهوا، ويهددوا اللي برجع بالقتل.
” 47 من الرجال نقلوهم لمعسكر عتليت. نفذت من المعتقل، أنا واثنين صغار بالسن، من المعتقل، وبقينا في الرامة.
” اللي راحوا للبنان لقوا استغلال بالأسعار، قنينة الماي بخمسة قروش. ”
————————–
رأيت أن أُضيف هنا بعضاً من المحادثة مع كبار في السن من فراضية، وجدتهم يستعدون لزفاف شاب من ابن صالح عطّور، صاحب البيت. وجدت عنده في البيت ثلاثة من إخوته، وهم وأولاد عمهم الوحيدون الذين بقوا من فراضية في البلاد. وقد ذكر لي القوم أن القرية قررت الاستسلام للجيش الغازي، وعملوا له وليمة لاستحياء النفوس. فلم يقبل الجيش الاكرام، واعتبره واجباً، وتفاصيل تصرفه مذكور في بقية الموضوع.
وتحدث الأخ الأكبر، صاحب البيت، بعد ذكر تفاصيل قتل السكان:
” بنحكي، ليش ما بنحكي. بنحكي اللي صار ولو بعد 100 سنة. هو اللي صار بِقدر الواحد ينساه. ابوي اشترى بارودة من واحد عراقي  في جيش الإنقاذ، حبسوه في لبنان. منين جبت البندقية. أعطاهم شهادة الشرا، بصعوبة  فلّتوه. كان كثير من جيش الإنقاذ يسبوا على قيادتهم، ويقولوا : شو إحنا جينا نوكل رز ولحم ؟ كل يوم نبعث لهم حطب، ونعمل اللي يطلبوه. يسطوا على الغنم، ويذبحوا، وما نحكي معهم. لو طلبوا ما كنا نمنع عنهم.
” وقت الحكم العسكري تغلبنا كثير. كان الحاكم ببجي لابوي ويقوله: ساعدني يا بو صالح ! يسأله ابوي كيف أساعدك؟  يقول له ساعدني نخلّص أراضي فراضية .. نشتريها . كان إلنا 1200 دونم. قال له ابوي  كيف ابيعك مية  فراضية وتصير أجيال وأجيال تسب علي؟! كان يساعدنا ويعطينا تصاريح لرعي غنمنا. بطّل. كنا أولاد قرود. نِرعى بالسر.   “