رمضان شهر التكافل والتراحم – بقلم : السيد محمد المسيري

كتابات ومواد دينية …
بقلم – السيد محمد المسيرى – مصر
نعيش فى هذه الأيام الكريمات روحانيات , ونفحات , وفيوضات , وبركات شهر رمضان الكريم الذى إختصه الحق تبارك وتعالى بخصوصيات مثلى عالية القدر , رفيعة الشأن , سامية المنزلة فى نفوس الصائمين إذ فرضه على المسلمين فى شعبان من السنة الثانية من الهجرة كما كتبه على الأمم السابقة . وأنزل الله عز وجل فى هذا الشهر القرآن على قلب الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه , وجعله ركن من أركان الإسلام . وبخصوص ذلك , يقول الله جل ثناؤه “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” سورة البقرة , آية 183. ويقول الله تعالى أيضاً شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه” سورة البقرة . آية 185.

وعن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله , وإقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وحج البيت” رواه البخارى . لذا , فشهر رمضان هو تدريب فعلى وإجراء عملى فى تدريب الصائمون على كتم الغيظ , وإفشاء السلام , وإطعام الطعام . ولكونه أيضاً منهج تربوى متكامل لتربيتهم , ويدربهم على خصال الخير , والبر , والفضل . كما يوجههم كذلك إلى ما هو أسمى عن كل المجالات الحياتية ليكون اللبنة الأولى الصالحة فى المجتمع البشرى حتى ينجح فى تحقيق الرسالة الإنسانية العظيمة التى من أجلها خلق الله الإنسان على الأرض , وإستخلفه فى عمارتها .

وبالتالى , يعيش الصائمون القادرون فى هذا الشهر المعظم تجربة الجوع والعطش , ويشاركون وجدانياً غيرهم فى هذا الجوع والعطش فيحسون بآلام غيرهم من الفقراء , واليتامى , والمحتاجين فيسارعون إلى البذل والعطاء لهم . ويتصف الصائمون أيضاً بالجود والكرم والسخاء فيشعر الأغنياء بإخوانهم الفقراء , والبؤساء والمحرومين , وذوى الحاجات لعطاء الله تعالى لهم . وهذا هو التكافل الذى دعا إليه الإسلام , وحث عليه رب العزة سبحانه وتعالى فى قوله تعالى “لعلكم تتقون” .

كما أن الله جل ثناؤه شرع هذا الصوم لغاية نبيلة , وهى الرحمة والتراحم بين الناس . فإن وجدان الصائمون فى رمضان هو التيقظ نحو الخير , والعطف والمشاركة للآخرين قيما يشعرون من الآلم , والحس المرهف لهم فى رمضان مما يجعلهم أكثر إستعداداً للخير , وأكثر بعداً عن الشر للمشاركة فى حمل تكاليفه فيرحمون غيرهم تطبيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم “الراحمون يرحمهم الرحمن” . وقوله

صلى الله عليه وسلم “إرحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء” . وقوله صلى الله عليه وسلم “من لا يرحم الناس لا يرحمه الله” رواه البخارى .

أما قساة القلوب , وغلاظ الأكباد فهم أبعد الناس من الله تعالى . ولذلك كان صلى الله عليه وسلم أرحب الناس صدراً وأوسعهم عاطفة , وشفقة , وأكثرهم رفقاً . ولذلك , قال الله تعالى فيه “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك” سورة آل عمران , آية 159 .

ولذلك , فالصوم يربى فى الصائمون ملكة الصبر , والتقوى , ويعودهم على تحمل المصاعب , ومقابلة الشدائد بعزيمة قوية صادقة , وبهذا الخلق يملكون زمام نفوسهم , ويكبحوا جماح شهواتهم , ويستطيعون أن يكتموا غيظهم تنفيذ للأمر الإلهى الذى يكمن فى قوله عز شأنه “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” سورة آل عمران , آية 114 .

ومن ثم , فشهر رمضان هو إذن شهر التكافل , والتراحم , والسمو بالأخلاق الكريمة العالية , والصفات النبيلة , والتربية الفاضلة على التنافس فى فعل الخيرات , وعمل الطاعات لكونه ضياء وبرهان ونور اليقين فى قلوب أصحابه . والله جل علاه يجعل أداء الصدقات والنوافل فى رمضان كأداء الفريضة ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه . ولهذا , ينبغى أن نجعل من شهر رمضان فرصة للتكافل , وللتراحم , وللأخذ بيد الفقراء , والأيتام حتى تستطيع أن نمسح دموع المحتاجين واليتامى , والمحرومين حتى تترسم البسمة على وجوههم , وتغمر الفرحة قلوبهم .