دراسة ٌ لشعر ِ” غاده صدقي إدريس- استعراض وتحليل – بقلم : حاتم جوعيه

دراسات ….
بقلم : حاتم  جوعيه – فلسطين المحتلة ….
مقدِّمة ٌ  : –    الشَّاعرة ُ الشَّابَّة ُ ” غاده صدقي إدريس ”  من سكان مدينة  “الطيبه “،  حاصلة ٌعلى اللقب الأول  في العلوم ِالطبيعيَّة من كليَّة   ”  دارالمعلمين –  بيت بيرل ”   وعلى اللقب الثاني (  m.a -ماجستير ) في الإستشارة التربويَّة  من جامعة ” تل أبيب “.  وعلى الماجستير في الإدارة التربويَّة من المركز الأكاديمي  في أور يهودا   ، وعلى الدكتوراه في الإستشارة التربويَّة  من جامعة  ” قسطنطين” في نيترا في سلوفاكيا …  وتعملُ  الآن في  سلك  التعليم  .     تكتبُ الشعرَ من  نعومةِ أظفارها ونشرتْ الكثيرَ من إنتاجِها  الشِّعري  في معظم ِ الصحف والمجلات  المحليَّة   .   أصدرت  حتى الآن  ثلاث  مجموعات  شعريَّة ، وهي :
1 )  ديوان ”  تباشير  الفجر ” –  طبعة  أولى  سنة  1992 ، وطبعة  ثانية  عام  ( 2000 )  .
2 )  ديوان  ” عيون  الفجر ”  –  طبعة أولى  سنة  1997  ،  وطبعة  ثانية   سنة  (  2000 )  .
3 )  ديوان  ” بزوغ  الفجر ”  –  طبعة  أولى سنة 2000     .
ولها ديوانان جاهزان للطباعة إضافة ً إلى دواوينها  المذكورة  .
إذا  تصفحنا  جميعَ  قصائد  هذه  الدواوين   ، من  الاناحية ِ  الشكليَّة ،   نجدها  على  نمط ِ الشعرِ الحديثِ  الحُرّ   سوى  قصيدة ٍ واحدةٍ  كلاسيكيَّة ((  تقليديَّة ))  .  ومن  هنا  يتضحُ لنا أنَّ الشَّاعرة َ  ” غاده إدريس” لها معرفة ٌودراية ٌبعلم ِالعروض (الأوزان الشعريَّة )   ولكنها  اختارت الشِّعرَ  الحُرَّ  لسهولتِهِ  ولسهولة ِ التعبير من  خلالهِ  عمَّا  يدورُ  في خلدِها  ولتسترسل وتتحدَّث  بحرِّيَّةٍ  وانطلاقة ٍ أوسع  عن  مشاعرها  وأحاسيسِها  الجيَّاشة  ولواعجِها  الذاتيَّة   .
والجديرُ بالذكر أنَّ  الشعرَ الحديثَ الحُرَّ  أو الشعرَ النثري كما   يُسمُّونهُ  لهُ أسُسُهُ  وأصولهُ  وقوانينهُ  ومقوِّماتهُ … وليسَ كلُّ  كلام ٍ منثور ٍ وعاديٍّ  يُسمَّى شعرًا .. أو  بالأحرى  شعرًا حُرًّا  .  ولو كانَ الأمرُ  كذلك  كما  يتوهَّمُ البعضُ  لكانَ جميعُ  البشر ِ شعراءً .   وأحيانا تكونُ كتابة ُالقصيدة ُ النثريَّة ُالحُرَّة ُ الإبداعيَّة ُأصعبَ بكثير ٍ من كتابة ِالقصيدة ِ العموديَّةِ …  (( هذا  طبعًا للإنسان ِ المُتمكَّن ِ من  الأوزان ( العروض )   ومن  قواعد اللغةِ  ويعرفُ  ويُدركُ  ما  هو  الشِّعر الحقيقي))، وذلك إذا خضعت القصيدة ُالحُرَّة ُ لجميع ِالشروط  والأسس ِ الهامَّة من النواحي: الجماليَّة والفنيَّة  والتكثيف في المعاني الجميلةِ والجديدةِ والصور ِوالتعابير البلاغيَّة  المبتكرة وجزالة اللغة  وبالموسيقى  الداخليَّة  الأخَّاذةِ …  ولا تكونُ  القصيدة ُ  فقط  عبارة ً  عن كلام ٍ  عاديٍّ   مألوفٍ  ُمستهلك ٍ   وَصَفِّ  ورصِّ  كلام ٍ  ينتهي  بقافية ٍ واحدة ٍ  مثلَ  قصائد  بعض  الذين  يكتبونَ  الشعرَ  العمودي ، محليًّا ،  ويفتقرونَ للموهبة ِ الشِّعريَّة ِ الحقيقيَّةِ  ويكونُ  همُّهُم  فقط  هو الوزن الخارجي”عروض الخليل بن أحمد الفراهيدي ”  والقافية  لا  أكثر، ولا  يهتمُّونَ  للمعاني  العميقةِ والمُكثَّفة  والصُور الشِّعريَّةِ  والمستوى الفني والجمالي والذوقي وللجوِّ الرومانسي الحالم . فالذي  يأتونهُ  هو نظم  لا  أكثر ولا  يُسَمَّى شعرًا إطلاقا ً ( حسب المقاييس الذوقيَّة والنقديَّة الصحيحة – القديمة والحديثة ) .  وهنالك  قسم ٌ كبيرٌ  من  الشعر النثري أيضًا … وخاصَّة ً المحلِّي لا يُسَمَّى شعرًا إطلاقا ً  لافتقارهِ  للعناصر والأسُس ِ المذكورة  .

مدخل  : –      في هذه  المجموعاتِ الشعريَّةِ  المذكورةِ  للشَّاعرةِ   ” غاده إدريس ”   فمن  الناحيةِ  الموضوعيَّةِ   نجدُها   تعالجُ  جميعَ  المواضيع والأمورالحياتيَّة الهامَّة ، من : إجتماعيَّة ،إنسانيَّة ، وطنيَّة ، عاطفيَّة ووجدانيَّة … وغرها  .  ويَستشفُّ القارىءُ من خلال ِ هذه  النصوص  رهافة َ حِسِّ  الشَّاعرةِ  ومصداقيَّتها   وحرارة   العاطفة  والدِّقَّة  في التصوير والتعبير البلاغي الشاعري  .   وهذه   القصائد جميعُها  مترعة ٌ  بالموسيقى  الداخليَّةِ  الأخَّاذةِ  وقريبة ٌ نوعًا ما إلى  نمطِ  شعر  التفعيلةِ ،   بَيْدَ  أنها  لا  تتقيَّدُ  بوزن ٍ واحد  أو   بتفعيلة ٍ  مُعيَّنة   .     فالشَّاعرة ُ  “غادة ”  هي  شاعرة ٌ  ُمتميِّزة ٌ  ذات  حسٍّ  وجدانيٍّ  ُمرهَفٍ  وشاعريٍّ  ُمبدِع ٍ  مُتألِّق ٍ …   استطاعت  أن  تنقلَ  لنا بريشتِها  الشِّعريَّةِ أعذبَ وأجملَ  الصور الإيحائيَّة  التعبيريَّة  من  خلال ِ  الأحرف  والكلمات  المقروءة  عبرَ  السطور  فنتحَسَّسُ  من  خلالها عناصرَالجمال والعذوبة والأمل والخيال الرومانسي  المُجَنَّح الحالم   .       وكما  أنَّ  مستوى  ثقافةِ  الشَّاعرةِ  واطلاعها  الواسع  في شتى  المبادين  الفكريَّة والأدبيَّة  لعبت  دورًا  هامًّا  وكبيرًا   في  تطويرِ أدواتِها الشِّعريَّةِ والكتابيَّةِ . وهذا ركنٌ هامٌّ من أسس ِ وركائز  القصيدةِ النثريَّة  الحديثة  الحُرَّة ،  وهو : المستوى الفكري  والثقافي  والمعاني  العميقة  والمُكثَّفة  في  القصيدة …  إضافة   إلى  الموهبةِ الفطريَّة الفذ َّة التي تتحلَّى وتتميَّزُ بها الشَّاعرة ُ .  وفي  كلِّ أشعارها  نجدُ المعاني العميقة الهامَّة َ والهادفة َ والتعابير  والتوظيفات الدلاليَّة  الهادفة  والصورَ  الجميلة َ والعبارات  البلاغيَّة   الشعريَّة  المُبتكرة  المُنبثقة  والمُنطلقة  من  آفاق ِ وخيال ِ الشَّاعرةِ   .
وبالطبع ِ إذا  كانت  بداياتُ شاعرتنا  هكذا في  هذا   المُستوى الرَّاقي والأسلوبِ الجميل  فسيكونُ لها مستقبلٌ كبيرٌ ورائعٌ  ومشرقٌ قريبًا في دنيا الأدب والشِّعر ِ ( محليًّا وعربيًّا ) … هذا  إذا  استمرَّت في  الكتابةِ  دونما  انقطاع   وفي  المُطالعةِ  والدراسةِ  وعملت على  صقل ِ وتطوير  ادواتها   الشِّعريَّة  والكتابيَّةِ  بشكل ٍ  أوسع   وأشمل  وأرقى وإذا  توسَّعتْ  وتبلورَتْ  وتكاملت تجربتها الشعريَّة  والذاتيَّة فنيًّا  وإبداعيًّا .
وسأختارُ  لها بعضَ النماذج من شعرها ، من الدواوين المذكورة ِ.
تقولُ  في  قصيدةِ   ” حيُّ الفقراء ”  صفحة ( 15  ) من  ديوان  ” تباشير  الفجر ”   (  القصيدة بنصِّها  للكامل  )   :
( “هَبَّتِ  الريحُ   بحَيِّ   الفقراء       حيثُ   أكواخٌ   توافيها   البلاءْ
زحمة ُالشَّارع ِ أكوامُ  حَصًى       ثمَّ   أجسادُ    العَرَايا    التُّعَسَاءْ
رُبَّ  طفل ٍ جائع ٍ  مُضطربٍ         وشَبابٍ  ضرَّها  طولُ   البقاءْ
رُبَّ   مسكين ٍ   يُنادي   حظَّهُ         َيدُهُ   َممْدُودَة ٌ   يبغي  العَطاءْ
وَهناكَ    امرأة ٌ    مهزولة ٌ       خدُّها المُصفرُّ  عنوانُ  الشَّقاءْ
وأبٌ    قد    هزلتْ    أطفالُهُ          ليسَ  يغنيها  عويلٌ  أو   بكاءْ
وفتى    قد     بليتْ    أسمالهُ          ليسَ   يشفيهِ  عقارٌ  أو   دواءْ
وفتاة ٌ  مثلُ    أزهار ِ  الربى          هدَّها  الجوعُ  وأفناها  العراءْ
ثمَّ  شيخ    مُقعَد   قد  أهملتْ           كلُّ   آمال ٍ  لهُ   رهنُ   الفناءْ
إنَّ   هذا   هوَ    أمرٌ   مُفزعٌ           لا تقلْ  كيفَ الهدَى كيفَ الرَّجاءْ
ربُّ  رحماكَ  ويَسِّرْ   أمرَنا           ننقذ ُ الحيَّ   َوُنعطي  الفقراءْ

والقصيدة ُ  جميلة ٌ ومُعبِّرة ٌ وهي  إنسانيَّة ٌ  ووطنيَّة ٌ  تتحدَّثُ  عن الفقر ِ والمعاناة والألم وتعكسُ وضعَ الأهل  في الضفةِ والقطاع  وما  يعانونهُ  من  فقر ٍ وألم  جرَّاء  الحصار المفروض  عليهم  .     وهي  تنطبق ُ أيضًا على كلِّ شعبٍ وفقير  ومظلوم ٍ ومُحتلٍّ     وكلُّ  إنسان ٍ  مكلوم ٍ ومسحوق ٍ  ويعاني  الأوضاعَ  الإقتصاديَّة  الصعبة َ  والحرمانَ والظلمَ والحصار النفسي والسياسي يجدُ فيها عالمَهُ وجوَّهُ  المؤلم  وتعبِّرُ القصيدة ُ  تعبيرًا  شاملا ً  عن  واقعهِ   .     وفي  هذه   القصيدةِ  القصيرةِ  كلُّ  المقوِّماتِ  الجماليَّة  والفنيَّةِ   وفيها  البراءة ُ  والصدق  والشَّفافيَّة  في التعبير … ونرى المقدرة اللغويَّة  والشِّعريَّة  لدى الشاعرة  ومعرفتها التامَّة  بالأوزان الشعريَّة وبقواعد  وشوارد  اللغةِ ،  والقصيدة ُ على  بحر ِ ” الرمل ”   الغنائي  الجميل   .      وبالرغم ِ  من كون ِ القصيدةِ طابعها  كلاسيكي – تقليدي   فلا  نشعرُ  نحن بالطابع ِ والجوِّ الكلاسيكي القديم ، بل نحنُ  نحسُّ  بها ونتذوَّقها  ونراها  قصيدة ً  حديثة ً  ُمتطوِّرة ً مُعاصرة  لما  يشوبُها  من معاني  وصور وتعابير  وإقاعات  داخليَّة  .  وفقط  الرداء  الخارجي  الذي  أسدلتهُ  وغطَّت  الشَّاعرة ُ  القصيدة َ  بهِ  ( الوزن  التقليدي القديم  )    يعطيها  اسمَ   قصيدة  تقليديَّة  قديمة – على  النمط   القديم  .            والقصيدة ُ بحدِّ  ذاتها هي :  الموضوع  والفكرة  والصور  الشعريَّة  الفنيَّ والمعاني … وفي هذا يتكاملُ  ويتألَّق ويتسامى العملُ الشعري  من : (( وزن خارجي  وأيقاعات  وموسيقى داخليَّة  وفكرة  ومعاني  وصور شعريَّة متطوِّرة  وجميلة ))  تتلاءمُ  مع  روح ِ العصر   .
ولننتقل إلى نماذج  أخرى من شعرها  –  فتقولُ   مثلا ً من قصيدة بعنوان : ” يا صاحبَ الرِّسالة ”  وقد  كتبتها وألقتها  بمناسبةِ حفل ِ تكريم  الأستاذ  ” عبد  الكريم  ظاهر ”  مدير  المعهد  العربي  لإعداد ِ  المُعلمين   في  كليَّة  ”  بيت بيرل ”   –  والقصيدة  صفحة  ( 85 ) من  ديوان   ” بزوغ  الفجر”   تقول  :
( ”  يا  صاحبَ الرِّسالة //  ما  الحياة  //  إلا َّ حديقة  وملعب //
تتنامَى الأشجارُ  في حديقة ِ الحياة ْ             //
وتتوزَّعُ  الخطواتُ في  ملاعب  الحياة //
جالتْ  بكَ  الدنيا  //  في ربوع ِ موسوعاتِ الكلمات  //
وجُلتَ   فيها  وركضت  //   دونَ  تعبٍ  أو كلل   //
دونَ أن  تهجرَ  الميدان    //
وهبتنا عصارة  َالفكر ِ والتجربةِ //
ونفختَ  فينا  إرادة َ  الشُّجعانْ    //  “))   .

وتقولُ في قصيدة ٍ أخرى  بعنوان : ”  هجرة البشر إلى القمر ” –  صفحة ( 80 ) –  من  ديوان  ” بزوغ  الفجر ”   :
( ”  ما عدتُ أحنُّ  إليكِ  //  ولا  أشتاقُ لرائحةِ  إغفائِك ِ العميقْ  //
وعزفِ  مَوَّالِك ِ المُلوَّن  //  وعقلكِ  المعصور المُدَوَّنْ  //
//  على صفيح ٍ أبيض ٍ قد تلوَّث  //
كرة ٌ  أرضيَّة ٌ”  أنت …// أم  ماذا !؟   //
حلمٌ  أنتِ  أم  وداع  //  لأنفس ٍ  بشريَّةٍ  خافيَهْ  //
من قلوبٍ ترفضُ أن تزرع //  في أبدان تبغي الشُّذوذ راعيها //
والغدر  المشؤوم  حاميها   //
وتقولُ : ( ”  صفحة ٌ  بيضاءُ  أنا  //   في  هذه  الأرض  //
أرض القحط ِ  والعارْ  … //
التي   هجرتها  // عناوينُ  الحبِّ  والضياءْ //
أرضُ السَّرابِ  والعذابْ //  أرض  النار والدَّمَارْ  //
صفحة ٌ بيضاء أنا  //   والنارُ السوداءُ  من  حولي  //
تمدُّ  ألسنتها  كلما  // التفتتْ  عينايَ  التفاتة َ  نقاءْ  //
أو  حملت  يدايَ  رشفة َ  عسل  //
وتقولُ في قصيدة  “رسالة من  الحياة ” – صفحة (61)  من ديوانها  ” بزوغ  الفجر”  :
( ”  قالت  الحياة ُ لي : //   تفاءلي … وابتسمي … //
وتذوَّقي  طعمَ  السُّكَّر  //   حتى  في  القهوة  المُرَّة … //
قالتِ  الحياة ُ لي :  //   دمُوعُك ِالحَيْرَى //
مدينة ٌ مُغلقة ُ الأبوابْ  //   لا  يدخلها  أحد   //
فلا  تنتظري كفًّا  تمسحها //  ولا ترقبي المواعيدَ  الكاذبة //
قالت الحياة ُ لي : //  إنهضي … وافرشي  العزيمة َ //
على  طريق ِ الكفاح ِ والأمل  //
واطلقي سراحَ طيور ِالصباح ْ// في شمس ِالربيع ِالمُتيقِّضَه //
واخلعي  ذاكرة َ  الحزن  //    وافتحي  بوَّاباتِ   القلب    //
وتقولُ أيضًا : ” قالت الحياة ُ لي // كم قالت ْ..// وظلت تقول :…//
//  فمَنْ  يهدم  أسوارَ  الأذى //   ويُطلقُ طيورَ الحرِّيَّة َ //
في  عتمة ِ سجنِها  العتيق  //  ” )
\
وسأكتفي   بهذا  القدر  من   استعراض  القصائد  .
– وأخيرًا : نتمنَّى للشَّاعرةِ الشَّابَّةِ  ” غاده إدريس ” التقدمَ  والنجاح َ في مجال ِالشعر والأدب والمزيدَ من العطاءِ المتواصل ِ والإصداراتِ الشِّعريَّةِ  الجديدة  .

 بقلم  :  حاتم  جوعيه –  المغار –  الجليل