حكاية المصالحة وحكاية إبريق الزيت – بقلم : د. ناجي صادق شراب

آراء حرة …..
بقلم : ناجي شراب – فلسطين المحتلة ..
لقد تحولت المصالحة الفلسطينية إلى حكاية تذكرنا بحكاية إبريق الزيت، والتي أصبحت مثلا شعبيا يطبق على تكرار الكلام ،وهى طرفة أو أحجية تقوم على مناكفة الأطفال الذين يستعصى عليهم النوم لحملهم على النوم والإستسلام.وتحدث مثلا على التململ وإستهلاك الوقت لتعجيز شخص ما ، فنقول إذا ما أستطال الحدث وصار مرهقا ومزعجا صار حكاية إبريق الزيت.وأساس الحكاية أن الجدات والأمهات كن يروين الحكايات للأطفال قبل النوم إلا إن بعض الأطفال لا ينامون مع إنتهاء الحكاية ، فتضطر الأم والجدة محاولة لإضجار الأطفال الذين لا يغفلون بسرعة لإنهاك طاقاتهم فيستسلموا ويناموا.فتقول الجدة والأم ما بدكم أحكيلكم حكاية إبريق الزيت، ويظل التكرار في القول حتى يمل الأطفال ويخلدون للنوم. هذه الحكاية تروى لنا حالة المصالحة والإنقسام التي تحولت لحكاية أشبه لحكاية إبريق الزيت.فلا غرابة لإستعصاء التفاهم والمصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس ، فالأمر يتعلق بغياب ثقافة الشراكة والتمسك بالحكم الأحادى . وتأكيدا لهذه الفرضية إمكانية تحقيق المصالحة في شهرها الأول بعد الإنقسام، ولكن ظلت حالة المراوحة والإلتفاف حول االمصالحة برواية حكاية إبريق الزيت ، والتكرار والتمسك بنفس القول المصالحة غدا، والتمسك بالوحدة الوطنية والشعارات والخطب والتصريحات المملة والمكررة ، وأنه لا بديل للوحدة الوطنية ، والدخول في حوارات ولقاءات وتوقيع إتفاقات مصالحة برعاية عربية وغير عربية وما ان تصل الأمور للتنفيذ حتى تعود الأمو رإلى نقطة البداية وكأن شيئا لم يحدث ، والبحث عن أسباب الرفض وعدم التنفيذ تحت حجج واهية ، وإلقاء اللوم كل على غيره. وتارة الفشل سببه إتفاقات أوسلو والتي ورغم إنتقاد الرئيس عرفات لها لكنها جاءت بالكل إلى فلسطين ، وهى مرجعية كل الانتخابات الفلسطينية ، وتارة أخرى بوقف التنسيق الأمنى متناسين ومتجاهلين أن هناك إتفاقات موقعه الكل يعمل في سياقها وإطارها وهناك سلطة والبديل لها الآن حالة من الفوضى الكاملة بل والصراع والحرب الأهلية..وتارة ثالثه التذرع بالإنتخابات وشعار لا انتخابات بدون القدس والتي وجد الكل ضالته فيها علما أنه يمكن إيجاد حلول وبدائل لمشاركة القدس في الإنتخابات، فاصل الحكاية لا نريد مصالحة . وكل يوم تخرج علينا مبررات جديده أولها وآخرها إتهام السلطة بالفساد ورفضها للمقاومة والحل بتشكيل سلطة للمقاومة ، وماذا عن غزه؟هذا الحديث الممل والمكرر ونفس العبارات يسمعها المواطن الطفل الفلسطيني على مدار أكثر من خمسة عشر عاما أصابته بحالة من الضجر واليأس وعدم ألأمل في حكاية جديدة حقيقية ، فالبديل أمامه أن يغلق أذنيه ولا يستمع لما يتم ترديده حتى لا يشعر بالتقيؤ من كل من حوله. أو أن يذهب ويغمض عينيه مدعيا النوم حتى يسكت الأخرين عن النباح والكلام المباح ، وتتكرر الحكاية مع صباح كل يوم بالتمسك بالوحدة الوطنية والمصالحة لنعود لنفس الحكاية والشعور بحالة من الدوران تفقد الجميع الوعى والقدرة على التفكير. ولإبعاد الحديث عن المصالحة العمل على تفعيل المقاومة المسلحة أيا كانت في الضفة الغربية وتفعيل القدس ولا خلاف على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة لإنهاء الاحتلال وقيام دولته، ولكن ألإشكالية المقاومة والمواجهة مع السلطة في ظل الإنقسام وغياب المصالحة والرؤية الوطنية الواحده والتوافق على مقاربات إنهاء الاحتلال, فيحدث ما لا يحمد عقباه وهو التصادم مع السلطة وقد يكون أحد ألأهداف.والسؤال هلى نجحت الجدة الفلسطينية في حكاية إبريق الزيت ؟ والإجابة بنعم. فبعد هذه السنيين الطويلة من التكرار الممل وفى غياب الجميع نجح الطرفان في بناء بنيتهما الأمنية والإقتصادية والتعليمية والفنية والإعلامية وحتى الدينية ، وصار لدينا فعلا بناءان حكوميان متصارعان غير متقابلان ينتظران ماذا يمكن أن ياتى بالغيب. ونجح في أن يجعلا الجميع يسلم بأن حكاية إبريق الزيت باتت حقيقيه وان الذهاب للنوم والإستسلام أفضل من الإستماع للرواية وبقيت محطة واحده للحكاية بالذهاب للجزائر والمضى بنفس الطريق حتى تكتمل النهاية ، والكل رحب وسارع ونفس الشعارات والخطاب تسبق كل الوفود الذاهبة ، لا بديل للمصالحة والوحدة الوطنية . ولا أحد يمكنه ان يروى الحكاية غير الجده والأم الفلسطينية , فالجزائر لن تكون أفضل من مكة ولا القاهرة ولا أسطنبول ولا موسكو ولا قطر، فالحكاية واحده والراوى واحد, ولا بديل للإنقسام ،ولا حكاية إلا حكاية إبريق الزيت، فلنهدأ وننام أمنين بدون حراك وصراخ وعويل ورفض وإلا العقاب حكاية إبريق الزيت.
———————-
دكتور ناجى صادق شراب
drnagishurrab@gmail.com