“جاستا”.. قانون يفتقر للمسؤولية بقلم : جيمس زغبي

اراء حرة ….
بقلم : جيمس زغبي – واشنطن ….
انطوى تصويت الكونجرس ضد «فيتو» الرئيس أوباما حول «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» المعروف اختصاراً بـ«جاستا» على قدر كبير من التشوّش وانعدام الشعور بالمسؤولية. وهو يأتي كبديل لما يعرف بـ«قانون الحصانة السيادية الأجنبية» ويسمح للمواطنين الأميركيين بمقاضاة الحكومات الأجنبية والكيانات التابعة لها عن الأضرار التي تنتج عن الأفعال الإرهابية المرتكبة على أرض الولايات المتحدة أثناء أو بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
وكان من الواضح أنه موجّه مباشرة ضد حكومة المملكة العربية السعودية، وقد أثار قلقاً كبيراً تجاوز المملكة ذاتها. وفي نص «الفيتو» الذي وجهه الرئيس إلى الكونجرس، استشهد أوباما بثلاثة أسباب لتبرير معارضته القوية للقانون.
ويتعلق السبب الأول بأن «جاستا» ينقل سلطة تحديد ما إذا كانت الدولة المعنية قد أصبحت راعية للإرهاب أم لا، من الحكومة الفيدرالية ليضعها في عهدة المحاكم المحلية التي يرى الرئيس أنها معرضة لاتخاذ «قرارات قد تبدو منطقية ولكنها مبنية على معلومات غير مكتملة الجوانب حول توجيه اللوم للحكومات الأجنبية بشكل فردي عن دورها في تنفيذ النشاطات الإرهابية ضد الولايات المتحدة». وقال، إن هذا السلوك «ليس فعالاً ولا يمثل طريقة منسقة بالنسبة لنا للتعامل مع المؤشرات التي تدل على أن الدولة الأجنبية يمكن أن تقف وراء هجوم إرهابي».
وتابع الرئيس شرحه للأمر فأشار إلى أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولياتها بشكل جاد ولا تحكم على حكومة أجنبية بأنها دولة راعية للإرهاب إلا بعد أن تتكفل «وكالات الأمن الوطني وخبراء السياسة الخارجية والتحقيقات الاستخباراتية، بإجراء المراجعة الدقيقة للمعلومات المتوفرة». والمعنى الذي أراد الرئيس التعبير عنه هنا هو أن من الخطورة بمكان أن ننقل هذه العملية الحساسة من أيدي الخبراء المختصين لنرهق بها كاهل المحامين والمحاكم والمجالس القضائية المحلية.
ويتعلق السبب الثاني بأن الكونجرس، بتمريره لهذا القانون، يضع حداً لمبدأ الحصانة السيادية الأجنبية المعمول به منذ وقت طويل. وحذّر الرئيس من أن ذلك يمكن أن يفتح الباب أمام دول أخرى لتشريع قانون مماثل يسمح لمحاكمها الوطنية بالنظر في مسؤولية الولايات المتحدة عن الأفعال التي يرتكبها المواطنون الأميركيون أو أعضاء الفرق المسلحة التي تتلقى المساعدة من الولايات المتحدة، أو الانتهاكات التي ترتكبها وحدات الشرطة والأمن التي تلقت تدريباً أميركياً. وسيعرّض كل ذلك الأصول والشركات الأميركية القابضة العاملة في الدول الأجنبية للخطر.
وأخيراً، أشار الرئيس إلى أن «جاستا» قد يخلق تعقيدات في علاقاتنا مع أقرب شركائنا، ويهدد بتقويض قدرة دولتنا على إقامة علاقات تعاون معهم في القضايا الحساسة المتعلقة بالأمن الوطني.
ومع تجاوز هذا العرض القوي للرئيس الذي رافق قرار «الفيتو»، يكون الكونجرس قد سلك سلوكاً ينمّ عن غياب المسؤولية، ويتصف بالخطورة، وينطوي على تهديد المصالح الوطنية للولايات المتحدة. ولعل الشيء الأكثر إثارة للانزعاج هو ذلك المتعلق بحقيقة أن 28 سيناتوراً نشروا، ويوم التصويت، رسالة اعترفوا من خلالها بأن القانون يتضمن عيوباً، وبأنهم «سيرفضونه» في الدورة التالية. ولكنهم فهموا أنهم كانوا على خطأ وصوتوا لصالح تجاوز «فيتو الرئيس».
وتكمن المشكلة الآن في أن الضرر قد حدث بالفعل ولم يعد بالإمكان علاجه. وخلافاً للجدل الذي أثير قبل عقد من الزمن حول استثمارات عربية في الولايات المتحدة، فإن «جاستا» أحدث هزّة حقيقية في ثقة العرب بالولايات المتحدة، وهدد الأسس التي تقوم عليها الشراكة التجارية وعلاقات التعاون في مجال الأمن الوطني. وقد سمعت بالفعل بعض رجال الأعمال العرب وهم يقولون إنهم بصدد إعادة النظر في استثماراتهم وشراكاتهم مع الشركات الأميركية. وقد حدث ذلك منذ عقد أيضاً مع الجدل حول بعض الاستثمارات العربية، وسيتكرر حدوثه الآن مرة أخرى بعد قضية «جاستا».
وربما يزعم أعضاء الكونجرس أنهم شرّعوا قانون «جاستا» انطلاقاً من مصالح عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، إلا أن دوافعهم الحقيقية من وراء تشريعه لم تكن «شريفة» إلى هذا الحد. وأنا أشك في أنهم مدفوعون بنوع من الانتهازية الفجّة، وبمحاولة الاستمرار في استثمار آلام عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر، وبانتشار المشاعر المناوئة للعرب، فضلاً عن الاعتبارات الانتخابية.
وبالتصويت لصالح تجاوز «الفيتو» الرئاسي، يكون الكونجرس قد تجاهل الحقيقة التي تفيد بعدم توفّر الدليل الذي يؤكد أن حكومة المملكة العربية السعودية كانت مسؤولة عن هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. وكما أوضح الناطق باسم البيت الأبيض بعد التصويت، بأن تقرير لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة أشار إلى أن اللجنة لم تتمكن من اكتشاف أي دليل مادي يشير إلى أن الحكومة السعودية أو أي مؤسسة تابعة لها أو أي مسؤول كبير فيها قد تورط في مساعدة منفذي هجمات 11 سبتمبر.