آراء حرة ….
بقلم : إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك …
هل من المعقول أن أكتب عن شئ أسمه ” التحرش ” ؟! ولماذا لا ؟! وقد أصبح ظاهرة همجية وقبيحة في المجتمع ، شباب يتعرض للفتيات ، عندما تنظر في عيونهم ، تظن أنك تنظر في عين ثور هائج ورغباته المكبوته في انتظار البقرة التي سيقدمونها إليه ، حقيقي ظاهرة تستحق الدراسة أكثر من العقاب الذي يوقع على فاعلها ، أصبح من الطبيعي والمتوقع أن يستغل بعض أشباه البشر المناسبات الدينية والاجتماعية في استعراض حيوانيتهم . قرأت أخبار التحرش كمانشيت رئيسي في أول أيام عيد الأضحى ، عادة تتكرر منذ عدة سنوات ، خاصة مع تنامي ظاهرة التحرش الجماعي الذي انتشر كالوباء . وهكذا تحول العيد من مناسبة مبهجة إلى فرصة سعيدة لأنصاف البشر ، وآكلي لحوم العفة ليشيعوا الفوضى الأخلاقية في الشوارع والميادين ، مشوهين الأعياد وصورة الوطن بحثاً عن شهوة عارمة للانتهاك لا غير . وفي كل عام تتعالى الأصوات ويصرخ الصارخون : ” أنقذونا من التحرش ” محملين وزارة الداخلية مسؤولية حفظ الأمن . لكنني أجد من الظلم أن تحمل هذه الوزارة وحدها المسؤولية ، لأن القضية من وجهة نظري في الأساس قضية ” ثقافة ” ، لا أقصد بكلمة ” ثقافة ” ثقافة الفرد دنوا أو سموا ، فللأسف تنتشر هذه الظاهرة في قطاعات عريضة ، حتى فيما بين القطاعات الأعلى ثقافة . أقصد هذا المكون الثقافي الوجداني المشترك في الكثير من أفراد الشعب المصري والعربي على حد سواء ، فمشكلة التحرش من وجهة نظري لا تعبر عن سعار جنسي محموم فحسب ، وأنما تعبر أيضاً عن أزمة تربية عميقة ، تشترك في تدعيمها ثقافتنا الشرقية ، وطبيعتنا الاجتماعية ، فما التحرش إلا محاولة اختلاس لذة من كائن ” أضعف ” نسبياً ، كظاهرة استسهال النهب والسرقة على التعب من أجل الامتلاك ، وهذه هي المصيبة الكبرى ، فالمتحرش هو ذلك الشخص الذي يستسهل انتهاب اللذة عن التعب من أجلها ، فهو يرى البنت في الشارع مطمعاً مجانياً يفرغ فيه شهوته دون اعتبار لقيم العدل والحق والحرية ، ناهيك عن أن في هذا السلوك المشين شعورا مضمرا بالازدراء من جانب المتحرش للمتحرش بها ، وإن كان هو أولى بهذا الأزدراء ، فكما ذكرت لو تتبعت خطوات المتحرش ونظراته ستجدها لا تختلف كثيراً عن أي بهيمة تجد أمامها أنثى أي أنثى فتقفز عليها ، فالبهيمة بلا ثقافة ولا فرق بينها وبين المتحرش ، ومن وجهة نظري أن الحل يكمن في محاربة هذا المكون الثقافي القمئ الذي جعل المتحرش يفعل فعلته دون وازع ، فلو ربينا أولادنا على قيم الحق والحرية المضبوطة لما وجدنا أحدا يستسهل انتهاب حقوق أحد ، أو الاعتداء على حرية أحد ، لكننا للأسف نربيهم على ” اللي تغلب به ألعب به ” و ” اللي يجيلك منه أحسن منه ” ، و” شعرة من دقن الخنزير ” و ” إن وقع بيت أبوك خد منه قالب ” و ” المال السايب يعلم السرقة “. مبادئ عظيمة في عالم القباحة ، تأثيرها شامل على كل الموبقات وفي مقدمتها التحرش ، للأسف إذا حاولت أن أُلقي بالتهم على هذا الحال المؤسف الذي وصل إليه الشباب ، أكيد سنحتاج إلى زنزانة ضخمة لتستوعب كل المسئولين .
edwardgirges@yahoo.com