تهب الرياح من كل اتجاه : هكذا افكر انا – بقلم : ادوارد جرجس

آراء حرة ….
إدوارد فيلبس جرجس – نيويورك ….
أجمل التهاني بعيد الأضحى المبارك أعاده الله على الجميع بالخير والبركات ، دعونا نتأمل قليلا في معنى ” الأضحى ، كثيرون يختزلون هذه المناسبة في مأمأة الخروف ، ولا يتقدم فكرهم نحو المعنى من تقديم هذه الأضحية ، قليلون هم من يقفون أمام اللوحة أو المشهد الذي تقشعر له الأبدان ، الأب يسحب ابنه خلفه كأضحية يقدمها لله ، دون أعتراض ، آلة الذبح وهي السكين في يده وهو يعلم جيدا أنها ستسير على عنق ابنه بعد لحظات ، يتوه الفكر في هذا المشهد ومشاعره وأحاسيسه وخوفه وخيال الأب الذي يعلم جيدا بأنه سيعود إلى داره وحيدا ، الذهاب يده في يد ابنه ، العودة يده في يد الحزن عليه ، وأي حزن ، حقيقي كثيرا ما توقفت أمام السؤال الدموي ، هل بالفعل يمكن للأب أن يذبح ابنه أو يضحي به حتى لو كان من أجل الله ؟!! ، ليس معصية ، لكن استهول الفكرة بالنسبة للأب كتنفيذ وبالنسبة لي كاقتناع ، وربما القدر أراد أن يسوق أمامي قصة مشابهة وإن كانت تختلف في الأبعاد ، وأكثر قسوة ، الأب قدم ابنه ضحية من أجل إنقاذ بعض البشر . القصة تقول بأن النهر كان يخترق بلدة ما ، وفوق النهر كوبري يظل مفتوحا معظم الوقت ليمكن السفن من العبور ، لكنه يُغلق في أوقات أخرى لتمر عليه القطارات في أوقاتها المحددة ، وكان العامل المسئول عن مواعيد فتح وغلق الكوبري معتادا أن يصطحب ابنه في بعض الأحيان ليلعب وسط الطبيعة ، بينما يجلس هو في كشك مرتفع ليغلق الكوبري في المواعيد المحددة لتتمكن القطارات من المرور ، وذات يوم وهو جالس جائته الإشارة باقتراب القطار فقام بالضغط على المفتاح الذي يحرك الرافعة التي تعمل باكهرباء ، لكن الصدمة كادت أن تصيبه بالشلل عندما اكتشف أنه معطل ، لم يكن أمامه سوى أن ينزل بسرعة ويحرك الرافعة يدويا بكل قوته ليتمكن القطار من العبور بسلام ، كانت سلامة الركاب بين يديه وتعتمد على قوته في إبقاء الذراع طوال وقت عبور القطار .. رأى القطار قادما نحوه مسرعا ، لكنه سمع في تلك اللحظة نداء جمد الدم في عروقه ، إذ رأى ابنه صاحب الاربعة أعوام قادما نحوه فوق قضبان القطار وهو يصيح ” ابي .. أبي .. أين أنت ؟ ، خياران أمام الرجل .. إما أن يضحي بالقطار كله وينتشل ابنه من على شريط القطار ، أو يضحي بابنه ، اختار الأب الحل الثاني ومر القطار بسلام دون أن يشعر أحد من ركابه ، أن هناك جسد ممزق لطفل مطروح في النهر ، ولم يدر احد بالأب الذي أصيب بصدمة وهو يبكي ابنه بأسى وقلبه يكاد يتفجر من المرارة وهو ما زال ممسكا بالرافعة . قصة واقعية ، ضحى فيها الأب بابنه من أجل أن ينقذ القطار وركابه ، وقفت أمامها كثيرا ، وتعلمت منها أنه في وقت من الأوقات يمكن أن يضحي الإنسان بأغلى الأشياء من أجل إنقاذ الآخرين ، فما بالك بنداء من الله للأب ابراهيم : قدم ابنك ، لكن الله برحمته العظيمة افتداه بالكبش ، وابن الرجل المسكين لم يفتديه أحد ، وضاع الأب في حزنه . وكل عام وأنتم بخير .
edwardgirges@yahoo.com