دراسات ….
بقلم : سفيان الجنيدي – كاتب فلسطيني ….
تساؤلات عدة، تشغل بال أحرار الامة تؤرقهم و تقض مضاجعهم، حول اسباب امتناع دول محور المقاومة الرد على إستمرارية إنتهاكات و اعتداءات و استفزازات و مؤامرات الكيان الصهيوني على جميع الأصعدة والمستويات لمحور المقاومة و الدول المتضامنة و الداعمة لقضية الامة المركزية.
تساؤلات مشروعة بغض النظر عن هوية و التوجه و التخندق السياسي لمن يتطرق إليها و يخوض فيها، فالصورة ضبابية، اذ ان سيل عرمرم و أمواج متلاطمة متضادة من التحليلات السياسية تجعل المشهد السياسي عصيّ على الادراك وتفضي إلى تشاؤل و فتور همة و عزم بعض من احرار الامة.
في خضم ضراوة و بربرية و استمرارية الاستفزازت التصعيدية من قبل الكيان الصهيوني لدول محور المقاومة، جملة من التساؤلات تقفز الى الواجهة ، و في مقدمتها : ألم يحن الوقت لكف يد الكيان الصهيوني و ردعه ؟! هل ان عدم رد المقاومة الفلسطينية على التصعيد الصهيوني المتواصل و عدم استئنافها الحرب يدعم الرواية الصهيونية و التي تزعم بأنها اجهزت في معركة سيف القدس على قدرات المقاومة العسكرية حتى اردتها لا حول لها و لا قوة؟ او أن المقاومة تؤجل قرار الحرب لاعتبارات تكتكية و إيماناً منها ان موسم حصاد الصبر الاستراتيجي لم يحن آوانه بعد، واذا كان الواقع كذلك ،فما هي الخيارات المتاحة في جعبة المقاومة، بمعزل عن المواجهة العسكرية ، في تكبيد الكيان الصهيوني الخسائر حتى تفوت عليه فرصة تسفير قلاقله و اضطراباته و مآسيه الداخلية إلى دول محور المقاومة ؟!
منذ أن رضخت المقاومة الفلسطينية الباسلة لحلفاء الكيان الصهيوني و فلول الدول التي تدور في فلكه في قبول الهدنة ، و الكيان الصهيوني ما أنفك يستعرض عضلاته و يشن الهجمات الواحدة تلو الأخرى بشراسته و دمويته المعهودة على جميع الأصعدة و في جميع الاتجاهات، فتارة يعطي الضوء الأخضر لقطعان حاخاماته و مستوطنيه في الإقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى و باحاته، و تارةً أخرى تقضي محاكمه الفاشية في السماح لأوباش كيانه و صعاليكه الصلاة في المسجد الأقصى تمهيداً للنيل من صموده و شموخه وصولاً إلى هدمه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا، و اطوراً أخرى تبطش ارتال جيشه و مرتزقته بابناء شعبنا في جميع مدن و قرى الضفة الغربية المحتلة، و تتسع دائرة ممارساته الوحشية السادية لتشمل جميع دول محور المقاومة و إن كانت بدرجات و كيفيات متباينه، فيشن طيرانه عشرات الهجمات على المواقع الاستراتيجية و المنشآت الحيوية في سوريا، و يفتعل بطريقة مباشرة او عن طريق اذنابه القلاقل في لبنان في محاولاته و سعيه الدؤوب في إشعال فتيل حرب أهلية لا تبقِ و لا تذر، فإنفجار ميناء بيروت العام المنصرم، و ما شهدته الساحة اللبنانية مؤخراً من احداث ملتهبة دامية، كاد أن يغيب فيها صوت العقل و الحكمة، يؤكد أن إثارة الشغب و الصخب و إفتعال مسببات حرب اهليه في لبنان كانت و ما فتئت و ستبقى ضمن أولويات الكيان الصهيوني الاستراتيجية القصوى.
و في جمود الإرادة و غياب الرد الرادع، يستمرئ الكيان الصهيوني سياسات الهدم و التقويض لكل دولة عربية ما زالت مناصرة و داعمة لثورة الحق و العدل الفلسطيني، فينشر خلاياه السرطانية و يحاول، بائسًا، أن ينشر و يدب الفوضى في جزائر الاحرار عن طريق التآمر على مؤسسات الجزائر الشرعية المُنتخبة. و في ميدان آخر يجد موطئ قدم في أذربيجان، ليتخذها منصة لاعماله الإستخباراتية ضد الجمهورية الإسلامية، و من جهة أخرى لاستخدام قواعدها العسكرية في أي حربٍ قادمة ضد الجمهورية الإسلامية.
و عوداً على بدء، و نظراً لاستراتيجية الكيان الصهيوني التصعيدية في الأراضي المحتلة و في دول المقاومة، نعود الى الخوض في مسألة عدم رد المقاومة على التصعيد الصهيوني المستمر و عدم استئنافها الحرب ضده.
بدايةً، لا يفتي قاعد لمجاهد، و كلنا ايمان و ثقة بالمقاومة الباسلة، و لا يحق لنا ان نجرّمها او أن نحاسبها، و لا نسمح بالمزايدة عليها، و لكن و حيث أننا جميعاً في نفس مركب النضال و التحرير، نتطرق و نخوض في المسألة الأهم في ماضينا و حاضرنا و مستقبلنا، مسألة إجتثاث الكيان الصهيوني و تطهير أراضينا من رجسه و دنسه.
ندرك يقيناً كذب و تدليس الرواية الصهيونية والتي تزعم بأن الكيان الصهيوني في معركة سيف القدس استطاع تدمير و الاجهاز على قوة المقاومة العسكرية، اذ ان الرواية تكذب نفسها بنفسها، فلو اقررنا بصدق هذه الفرية فما الذي يمنع الكيان الصهيوني من احتلال غزة و ملاحقة و إغتيال عناصر المقاومة الفلسطينية الباسلة و إجتثاثها و الاجهاز عليها ؟!
حربنا مع الكيان الصهيوني مستمرة، و التحرير قادم لا محالة، و كلنا يقين أن المقاومة تؤجل و لا تُسقط من حساباتها قرار استئناف الحرب و المواجهات العسكرية المباشرة، و نحن على يقين تام ان موسم حصاد صبر المقاومة الاستراتيجي لم يحن اوانه بعد، ولكن حتى ذلك الموعد، نؤمن أيضا ان محور المقاومة يستطيع تكبيد العدو الصهيوني الويلات و الهزائم بدون الدخول في مواجهات عسكرية معه، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تستطيع جبهة الممانعة و المقاومة استهداف الأهداف الصهيوني في جميع اصقاع الأرض، بدءً من عمليات اختطاف رجالات الاعمال و العلماء و الشخصيات الاعتبارية الصهيونية، و من جهةٍ أخرى، تستطيع المقاومة ضرب و استهداف المنشآت الصهيونية اسوة بما قامت فيه من تفجيرات في المدينة الصناعية في مدينة اسدود ، و تسطيع ايضاً المضي قُدماً في استهداف البواخر و السفن الصهيونية ، و كذلك تستطيع تكثيف الهجمات السيبرانية على مواقع و مؤسسات العدو الحساسة، و يمكنها ان تحذو حذو الدول العظمى بتهديد أمن العدو و الحاق الضرر باقتصاده و اثارة الرعب و الهلع في صفوف سكانه من خلال استخدام الاسلحة البيولوجية.
و حيث أننا في حرب مفتوحة و طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني، نهيب، الى ان يحين الوقت الملائم للمواجهات العسكرية المباشرة ضد الكيان الصهيوني، بمحور المقاومة و الممانعة، البدء في حرب استنزاف طويلة الأمد تفضي إلى تأجيج و زلزلزلة الكيان الصهيوني بالوسائل و الطرائق المختلفة التي تقض مضجعه و تجعله يعود القهقرى و يستكين و ينشغل بمآسيه و اضطراباته و عوامل انهياره الداخلية.
ختاماً: إفتقارنا الى ادق التفاصيل و المعلومات و عدم إطلاعنا على خفايا الأمور و ما يدور في الغرف المغلقة يجعلنا نرجح ان موسم حصاد صبر المقاومة الاستراتيجي ما زال غضاً و لم يحن موعده، لكن حتى يحين ذلك الموعد، تستطيع المقاومة ارهاق العدو في جميع الاتجاهات و الأصعدة، اذ ان الحرب ضد الكيان الصهيوني يُفترض الا تقتصر فقط على المواجهات العسكرية، بل يجب التنويع في الوسائل و الاشكال و الاساليب و السبل في استهداف العدو الصهيوني، اذ أن محور المقاومة لديه القدرة على تنويع الأساليب التي تكبد العدو الويلات و الخسائر و تجعله غير قادر على التقاط أنفاسه و تفقده توازنه و تجعله غير آمن في سربه.