الملك الآدومي العربي الأردني الذي حكم فلسطين – بقلم : مهند ابراهيم ابو لطيفة

دراسات …..
مهند إبراهيم أبو لطيفة …
في المرحلة التي حكمت فيها الإمبراطورية الرومانية بلاد الشام، صعد نجم الملك الآدومي العربي الأردني “هيرود”، والذي يُعرف أيضا بإسم هيرود الأول أو هيرود الكبير (73 أو 74 ق.م- 4 ق.م ). ملك على منطقة وسط فلسطين ، وأسس الأسرة الهيرودية التي دام حكمها لأجزاء من فلسطين التاريخية حتى عام 70 م. وكان من سياسة الرومان في فلسطين السماح بنوع من الحكم الذاتي للسكان.
كان هيرود احد أبناء حاكم آدوم في الجنوب الشرقي من فلسطين أنتيباتروس، وأمه إبنة أحد أمراء الأنباط العرب.إستطاع بفضل حنكته السياسية، أن يحتل مكانة مرموقة في المنطقة، بالرغم من وقوعها تحت حكم الإمبراطورية الرومانية. تحالف مع الرومان في حرب الإسكندرية عام 47 ق.م، وهي الحرب التي وقعت في فترة حكم الملكة كليوباترا السابعة وبطليموس، وتسمى أيضا بالخرب ” السكندرية”.
تمكن هيرود من أن يكسب ثقة يوليوس قيصر، فقام بتعيينه وكيلا على مقاطعة كبيرة في فلسطين، وتم منحه هو وأولاده حقوق المواطنة الرومانية (الجنسية)، ثم تم تعينه قيصرا.
وبدوره قام هيرود بتكليف إبنه فرائبل ، وابنه هيرودس، ليكونوا قادة عسكريين في وسط فلسطين والجليل، لتبدأ السيرة السياسية للابن الثاني هيرودس ، خصوصا بعد وفاة شقيقة( أو إنتحاره).
تلقى هيرودس دعما مباشرا من روما ، عاصمة الأمبراطورية، وأيد مجلس الشيوخ منحه لقب ” ملك وحليف للشعب الروماني” بعد زيارته لروما. حكم هيرودس مملكته لمدة تزيد عن ثلاثين سنة ( 37 ق.م – 4.ق.م) دون منازع.
من أهم ما جاء في كتب التاريخ حول فترة حكم هيرودس، ما سجله المؤرخ اليوناني نيقولاس الدمشقي. والدمشقي ( مواليد دمشق)، كان أديبا موسوعيا ومؤرخا ودبلوماسيا، أمضى سنوات طويلة في البلاط الهيرودسي، وكانت توكل إليه المهام الدبلوماسية الصعبة والدقيقة.
من أهم اعال هديرودس:
– كان علمانيا ، فصل بين السلطة الدينية والسلطة المسياسية، وألغى توريث الكهنوت اليهودي من الأب للإبن، وكان في حالة صراع مع اليهود المتديينين، بالرغم من مناوراته معهم لاخضاعهم له.
– إستعان بمجلس إستشاري للحكم على الطريقة الرومانية، يتشكل من النخبة الأكاديمية (ما نسميه اليوم تكنوقراط).
– استقطب عددا كبيرا من العلماء اليونانيين ، للإشراف على الشؤون الإدارية وتصريف الحكم.
– إهتم بالثقافة والرياضة والفن ، بنى مسرحا ومدرجا ، وميدانا للرياضة وسباق الخيل، وإهتم بتنظيم مهرجانت للألعاب الشعبية.
– تأثربشكل كبير بالثقافة الإغريقية، وحمل إسما يونانيا، وكانت فلسطين في تلك المرحلة قد تأثرت بشكل كبير بروح الحضارة الهيلينستية.
– هو من قام ببناء الهيكل، الذي اشتهر بإسمه في القدس ” هيكل هيرودس” وهو الذي دمره الرومان سنة 70م على يد تيطس. كان يعتبر منطقة السامرة من أفضل الأماكن لديه، زينها بالأبنية وسماها سبسطية، وسبسطية بلدة فلسطينية تقع في محافظة نابلس، على بعد 12 كم شمال غرب نابلس. وتسمية ” سه بسته” تعني “اغسطس” باللاتينية، أي سيد، فتحها العرب المسلمون بقيادة عمرو بن العاص. وذكر اليعقوبي (توفي سنة 897م) أنها كانت آخر مدينة فُتحت في أثناء الفتح العربي.
– قام ببناء مرفأ صناعي جديد على البحر المتوسط ومدينة اسمها (قيصرية)، وتقع قرابة 44 كيلومتر جنوب عكا، وبناها هيرودس في الفترة من 22 ق.م- 10 ق.م، واستغرق بناؤها 12 سنة، وكانت مدينة عظيمة بأبنيتها العامة وقصورها المميزة، وأطلق عليها إسم “قيصر” تكريما لاغسطس قيصر، والتي التي أصبحت عاصمة فلسطين في الحقبة الرومانية.
وهي تختلف عن “قيصرية فيلبس” أو بانياس السورية الحديثة، والتي كان اسمها قديما : “بعل جاد”، أي إله الحظ ، ثم صار عند اليونان “بانيون” نسبة للإله اليوناني “بان” ، سماها لاحقا هيرودس أيضا ب “نيروناس” تكريما للإمبراطور نيرون.
وتجدر الإشارة إلى أن المدينة التي بناها هيرودس والمعروفة أيضا بإسم (قيسارية)، اقيمت على أنقاض مدينة ” برج ستراتون” الكنعانية، قامت العصابات الصهيونية عام 1948 بهدم البلدة وتشريد أهلها، واقام الإحتلال مستعمرة ” أور عكيفا ” عام 1951 مكانها.
– عُرف نظام حكمه بالمركزية الشديدة، والصرامة في حفظ الأمن والنظام، وحماية الحدود، واضطر احيانا لمحاربة الأنباط وبعض القبائل العربية.
– شارك في الحملة الرومانية الفاشلة على اليمن في عام 24 ق.م. وهي الحملة التي قام بها الحاكم الروماني لمصر” أيليوس غايوس” قاصدا المناطق الجنوبية من شبه الجزيرة العربية واليمن، وكان الهدف منها السيطرة على البحر الأحمر، بعد أن سيطر الرومان على البحر المتوسط.
يذكر التاريخ أن من أهم أسباب فشل الحملة ، قيام الوزير النبطي “صالح” بالسير بالحملة في طريق لا ماء فيه ولا زرع لمدة ستة شهور، وتسبب في إنهاك الجيش ولذلك تمت محاكمنته بتهمة الخيانة، وقطع رأسه بإحدى الساحات العامة بروما ، كما ذكر مؤرخ الحملة ” سترابو” ، إضافة للمقاومة والتخصينات العربية اليمنية التي واجهتها الحملة.
– تزوج عشرة نساء وأنجب منهن تسعة أولاد وخمس بنات، ولكنه عانى من الصراعات داخل الأسرة الحاكمة، ويسجل التاريخ تفاصيل مؤلمة عن هذه الصراعات مثل قتله لأحدى زوجاته وبعض أولاده وأقاربه.
– أنشأ في القدس دارا للتمثيل، وتصدى لتمرد المكابيين (طائفة او جماعة أصولية من اليهود)، وطردهم من القدس، وكان شديدا في عقابه لأسرهم. (قارن إنجيل متى 2: 16- 18).
– يذكر المؤرخ الشهير يوسيفوس فلافبيوس، أن هيرودس كان يتخفى بثياب المواطن العادي لمعرفة أحوال وأخبار رعيته، وأنه كان يستورد القمح للشعب وقت القحط من مصر، كان شديدا في عقابه ورحيما وقت الأزمات.
– يُسجل التاريخ أنه أمر بقتل الأطفال حديثي الولادة في مدينة بيت لحم ( وكانت وقتها قرية صغيرة)، خوفا على مُلكه من نبوات تحدثت عن ميلاد السيد المسيح.(ميخا ومتى 2)
– توفي هيرودس عام 4 م. بعد صراع مع المرض، وانقسمت مملكته – لتي كانت تتسع من هضبة الجولان إلى البحر الميت- بعده بين أبناءه الثلاثة حسب وصيته، وبموا فقة الحكم الروماني، على النحو التالي: إبنه أرخلاوس حاكما لوسط فلسطين، فيليب حاكما للمنطقة الشرقية (توفى عام 34 م) ، وهيرودس أنتيباس حاكما على منطقة الجليل وحكمها حتى عام 39 م.