“القبو”(ذا فولت)(2017): سرقة مسلحة وقوى خارقة ونهاية كابوسية خانقة! بقلم : مهند النابلسي

فن وثقافة …
بقلم : مهند النابلسي – الاردن ….
*هناك شيء يبعث على التشاؤم منذ البداية، وكل المؤشرات منذ البداية تقود لذلك: حيث نشعر بذلك تدريجيا، ثم تتعمق الأشياء والحوادث وتصبح اكثر قتامة باتجاه النهاية الكارثية، انه ليس شيئا محددا بوضوح، ولكنه ينشأ تدريجيا من توتر النظرات والايماءآت في عيون وحركات الشخصيات (باستخدام كاميرا “الكلوس آب”)، وهذا تحديدا ما يجذبك لهذا الشريط حيث “القشعريرة والاثارة”، وقد بدا المخرج “دان بوش” متمكنا من صنعته السينمائية بطريقة صياغته لهذا الفيلم المشوق المرعب.
*بدأت المشاهد الاولى لفيلم “خزنة القبو”(كما افضل ان اسميه)، بالنشاطات اليومية الاعتيادية في أي بنك يستقبل زبائنه وموظفيه، وفجاة تظهر شقيقتان تحاولان بذكاء وتخطيط مسبق سرقة البنك المحلي المتواضع لمصلحة شقيقهما (المتورط بديون مالية كبيرة)، وتتطور الامور فجأة بشكل هجوم عصابة غوغائية مسلحة: بداية تدخل “ليه ديلون”(فرانشيسكا ايستوود ابنة الممثل والمخرج الشهير كلينت ايستوود)، وهي تحمل طلب توظيف لمقابلة مدير البنك المتعاون، فيما تقوم شقيقتها فبي(تارين ماننغ) بتصنع نقاش حاد مع الصرافة “الخمسينية” البائسة، تشكو فيه من كثرة الاقتطاعات في حسابها المصرفي المتواضع. ثم يدخل فجأة الشقيق مايكل (سكوت هينر) مع اثنين من رفاقه بشكل رجال اطفاء تم استدعائهم.
*ثم يظهر ادماس (جيمس فرانكو) فجأة بدور مميز هادىء معبر، بهيئة موظف متعاون (مساعد للمدير)، يسعى جاهدا لضمان المحافظة على الأرواح، حيث يخبرهم متطوعا بوجود كميات كبيرة من النقود المتروكة (الملايين) في قبو عميق في الطابق السفلي للبنك، وانه بامكانهم اخذها بهدؤ شرط ان لا يتضرر أحد من الموظفين، طبعا هو لا يطلعهم على انه توجد “أشياء اخرى مخيفة” داخل ذلك القبو. هذه هي نقطة الانطلاق الجيدة لهذا الفيلم: سرقة مسلحة مع توقعات بوجود قوى خارقة، هكذا يتطور مسار الأحداث ليصبح قاسيا ومريبا بل مخيفا، فيما تستمر عملية السرقة اللاهثة بتفاصيلها المعروفة، وتظهر هنا المفاجآت في طبيعة الشخصيات، حيث يتحول الشرير لانسان طيب متعاون، مما يثير التساؤلات ويستفز الاهتمام.
*تبدو عيون “ليه” الجميلة منذ البداية معبرة وقلقة وعصبية، وكأنها تشي بما سيحدث لاحقا، كما انها اول شخصية في الفيلم تسمع قصة “الجو المسكون” في الطابق السفلي التي يخبرها بها المدير المتحمس مبدئيا لتعيينها، لذا فالممثلة البارعة تتعامل مع كل هذه التفاصيل والاختلافات بحساسية لكونها قائدة فريق السرقة، والتي تعرف كيفية المشي في الخط الدقيق ما بين “الخير والشر”.
*أما الممثل البارع “فرانكو” فقد لعب هنا دورا محوريا هادئا (وكأنه الراوي)، ولكونه مطلع ويملك موهبة قيادة الأحداث نظرا لمعرفته الخفية “الغامضة” للكثير من الأسرار والخفايا المرعبة، وهو يبدو بدوره هنا “لطيفا وهادئا وباردا” ويتصرف أحيانا بملل ولامبالة، عكس منهجية الفيلم العامة التي يسودها الضوضاء والهياج والتوتر والعصبية.
*يبدو الفيلم محافظا على اسراره “مختومة” حتى يحين الوقت المناسب للكشف عنها فبعضها يمكن التنبؤ به في حين يبدو الآخر صعب التخمين، ما يسيطر على التشويق في هذا الشريط عناصر “التمثيل الجيد والتوجيه الجيد وتوزيع الأدوار والموسيقى التصويرية” القلقة التي ما انفكت تعبث باعصابنا وتضعنا داخل الأجواء المتصاعدة والمرعبة وكأنها تصاحبنا كجزء عضوي من الأحداث. يتوه المخرج في قبو بنك “سينتوريون” المتواضع، ويغرف من جعبة مواضيع الرعب المستهلكة والمكررة: فنرى ونسمع صوت نحيب فتاة”شبحية” اسمها “سامنثا كامبل” وهي ملقاة على الأرض وتتوسل “لا تؤذني أرجوك فانا رهينة مثلك”، ثم يتكرر صوت تلفون ارضي غامض، يطلب النجدة ويتحدث عن تفاصيل عملية السطو، ويظهر نفس المعتوه الذي اختفى فجاة في العام (1982)، فيعود هنا بمظهر شبحي بارد وبوجه ابيض ونظرات جامدة مرعبة وهو يعاود القتل بلا تردد، ويبدأ باغتيال فرانكو غدرا من الخلف، ثم يتبع الفتاتين الهاربتين بالنقود القديمة، ونراه في المشهد الأخير يوجه مسدسه في وجه “ليه”، وحتى شخصية فرانكو الغامضة فنحن نعرف متأخرا انها كانت رهينة في العام 1982، فكيف ظهرت فجأة وقادت اللصوص وأرشدتهم للخزنة في الطابق السفلي ولم يتعرف عليها احد من الرهائن الموظفين، فهل هي شخصية حقيقية ولماذا بقي محتفظا بشبابه ومظهره؟ ثم لماذا لم يتعرف عليه الموظفون الآخرون؟ والسؤال الذي لا اجد اجابة واضحة له هو “لماذا يلجأ مخرجو هذه الأفلام لحرق موقع الأحداث في النهاية وقتل جميع الرهائن والخاطفين على حد سواء”؟ وهل يبدو ذلك نوعا من التكفير الجمعي عن الخطايا والحل الكابوسي النهائي لمثل هذه المتاهة “الجحيمية”، أم ان المخرج يشعر أنه تورط كثيرا بالغموض والضوضاء والضجيج واللامعقول فيفضل ان ينهي الموضوع عملا بالمثل الشعبي المعبر “ويا دار ما دخلك شر”، والمهم “أنكم تسليتم ودفعتوا ثمن تذاكر الدخول والكل هيك ربحان”، وربما تنطبق هذه الوصفة “التجارية-الاستهلاكية” على الكثير من الأفلام الترفيهية الدارجة والرائجة في دور السينما!
*قد لا يكون هذا الفيلم تحفة تشويق مرعبة وفريدة من نوعها، ولكنه يستحق المشاهدة لحمولته المتنوعة من “التسلية والفضول والضوضاء والرعب” والمرح، أجل المرح لأنك في النهاية تخرج مرتاحا وقد افرغت شحنة التوتر والخوف بداخلك وأنت تكاد لا تصدق شيئا مما حدث وخاصة في الجزء الأخير من الفيلم… ونحن نسمع الحان اغنية قديمة جميلة، كما ان الفيلم الغريب يقدم طرحين “جديدين” نوعا ما، الأول يتعلق بطيبة بعض الجناة ورغبتهم بالمساعدة لأنهم تورطوا اضطرارا في عملية السطو، والثاني يتعلق بربط عملية السطو مع احداث “ماورائية” شريرة تجعل الجميع يرغب بالهرب والنجاة، وتخيف المرشحين المحتملين لمثل أعمال “السطو والسرقة” وتنفرهم منها ومن تداعياتها المخيفة (هذه ليعرفوا “أن دخول الحمام ليس مثل خروجه وأن الأمر ليس بهذه البساطة)، وهذه نقطة ايجابية “توجيهية” تستحق التنويه، لكن بالحق فلا كاتب السيناريو ولا المخرج البارع حاولا بجد أن يتعمقا بحالة الشخصيات ودوافعها السيكولوجية ولا بالعلاقة والبعد المكاني “الماورائي” للأحداث الغريبة, وفضلا الطرح السطحي الشيق والمسلي “والتجاري”!
مهند النابلسي/ناقد سينمائي/ mmman98@hotmail.com