القافزون – بقلم : خليل ناصيف

القصة ….
قصة : خليل ناصيف – فلسطين المحتلة ….
” تسير الحياة ببطء في قريتنا وأيامها متشابهة تنقضي  في رتابة شديدة حيث لاشيء يتغير سوى الوان اوراق الاشجار وملامح الناس  بفعل تعاقب فصول السنة والشهور والسنين وحتى هذا التغير في ملامح الناس قد لا تتم ملاحظته أحيانا لأن هناك أشخاص تبدو عليهم ملامح الشيخوخة في شبابهم المبكر فلا تتغير ملامحهم حتى يموتون بفعل  التقدم في السن ” .
لكن ذات يوم جاء عمدة غريب الى البلدة المحشورة بين الجبال والقى صخرة كبيرة في برميل الماء الراكد وفجر كل شيء .جاء ذلك الرجل الأنيق من العاصمة في قافلة طويلة من سيارات المرسيدس السوداء واستقر في دار مهجورة كانت مقراً لأحد البشوات ايام الحكم العثماني للبلاد بعد ان اجرى عليها عمليات ترميم واسعة وأضاف سورا حولها تتوسطه بوابة معدنية يحرسها رجل أسود ضئيل الجسم وكلب أبيض ضخم كثيف الشعر أحمر العينين ولا داعي للقول بان الكلب كان مخيفا أكثر من الرجل الصغير الماكر .
كان الساكن الجديد يخرج للتنزه في شوارع البلدة برفقة الحارس والكلب مرتديا بدلة رسمية سوداء وقبعة بيضاء وذات يوم تعثر بحفرة صغيرة في طريق السوق ووجد نفسه على الفور يسبح في بركة ماء وهو ملطخ بالطين
خلال ايام بدأت عملية محمومة لرصف الطريق الوحيد الذي يخترق قريتنا وبما انها قرية جبلية نائية فقد تقرر تبليط الشارع بالحجارة بدلا من رصفه بالاسفلت . لقد جاؤوا بالحجارة من سفح الجبل بعد ان اقتلعوا غابة صنوبر صغيرة ودمروا حياة امرأة عجوز كانت تسكن كوخا هناك ولم يهتم أحد لامرها من السكان الاتقياء .
جيد جيد تستحق اللعنة تلك الساحرة الشريرة ”
” تبا لها لقد قتلت حصاني بلدغة ثعبان أحمر ”
” الى جهنم فقد كنت اجد الرمل في خزان البنزين”
يمكنني القول الان ان اولئك الناس كانوا يزورونها بانتظام ويطلبون منها ارسال بركاتها الملعونة الى خصومهم بينما كانوا يشتمونها علنا .
استقرت البلاطات الرخامية فوق ما كان في الماضي طريقا ترابيا موحلا ولم يكن الامر يحتاج الى دقة ملاحظة لاستنتاج ان المسؤول عن رصف الطريق ليس سوى منحرف مهووس بالتناقضات فقد كانت البلاطات ملونه بالاسود والابيض بحيث ظهر الشارع كلوحة شطرنج عملاقة واصدر العمدة تعليمات للمواطنين بالسير على البلاطات السوداء فقط بينما احتفظ لنفسه بحق المشي على جميع الالوان .
كان الناس يتجنبون البلاطات البيضاء بالقفز من بلاطة سوداء الى التي تليها أو بالالتفاف حولها واستمر هذا الامر سنوات طويلة ونسيت الاجيال المتعاقبة المشي باستقامة وحتى عندما مات العمدة ومات خليفته استمروا بالقفز حتى عندما مات الحارس الماكر والكلب الضخم استمروا بالقفز .
يقفزون بخوف وسرعة وترقب كأن كل كلاب الصيد تطاردهم ولاحقا انجبت هذه القرية للعالم راقصات غجريات رائعات .
نورا شيلي روت لنا القصة بينما كان الباص يعبر القرية المهجورة على شاطيء البحر الاسود , في المقعد المجاور كان يجلس كهل عربي بجانب زوجته الشابة ويقول : ” لابد ان سكان القرية اصابتهم عين الساحرة بالحسد فهجروها أخيرا بعدما تعبوا من القفز” .
نظرتُ الى نورا الحلوة التي كانت تغازل سائق الباص بنظرات ساحرة خشيت ان تقوده للتحليق  في عوالم اخرى فيقتلنا جميعا .
نظرتُ الى الركاب المنهمكين بتصوير البيوت الخشبية المتداعية التي نبتت على نوافذها شجيرات العليق كانوا يلتقطون الصور ويضحكون لكن كاميراتهم مزيفة ورخيصة فقد التقطت صورا لشوارع خالية تماما وهذا غير حقيقي فهذه البلدة المنسية ليست مهجورة بل أنها تعج بالارانب .
لا ادري فهذا العالم يشبه كرة هائلة من الجيلي وربما لايوجد عيب في الكاميرات ولكنهم لم يصنعوا حتى الان كاميرا يمكنها تصوير الخوف .
خليل ناصيف
nasif.khalil@gmail.com