ابداعات عربية ….
بقلم : د. علا عويضة
الجنس الأدبيّ
لقد توّج الكاتب مؤلَّفه الحنين إلى المستقبل من خلال تحديده للجنس الأدبيّ: رواية. لم يكتف الكاتب بذلك فكتب في عتبته الدّاخليّة، بعد الإهداء مباشرةً وبالخطّ العريض: “هذه رواية”. وأضاف: “تنقلُ واقع بعض المغتربين في الولايات المتّحدة، ليست سيرةً ذاتيّةً لشخصٍ محدّدٍ، والأسماء الواردة فيها، من خيال المؤلِّف، فإن تطابقَت مع أسماء من الواقع مرّوا بالتَّجربة نفسها، فهي مجرَّد صدفةٍ” (ص 7).
أمّا نحن، فنخرج عمّا وضعه الكاتب!! إذ يبدو أنَّ النَّصَّ، في أساسه، يقوم على سيرةٍ ذاتيّةٍ غير أنَّ تقنيات بناء الرّواية التي وظّفها الكاتب في عمله هذا جعل منه جنسًا أدبيًّا آخر، حيث دمج النَّمطين بشكلٍ مُحْكَم، فلا يقف المتلقي بفروقٍ محدّدةٍ بينهما، إلا أنّنا نستطيع التمييز بينهما فنّيًّا.
تجدر الإشارة إلى أنَّ الحدَّ الفاصل بين السّيرة الذّاتيّة المكتوبة بقالبٍ روائيّ (أيّ السيرة الذّاتيّة الروائيّة) والرواية الفنّيّة التي تعتمد على أجزاء من حياة الكاتب الشخصيّة (رواية السّيرة الذّاتيّة) هو التزام الكاتب بالحقيقة، والكشف عن غرضه أي التصريح بأنّه يكتب سيرةً روائيّة في قالبٍ روائيّ، بالإضافة إلى إعلان اسمه الحقيقيّ وأسماء الشّخصيات والأماكن، بغض النّظر عن الجانب المتخيَّل في العمل. أمّا إذا خلع الكاتِب على نفسه اسمًا آخرَ (كما هو الحال في الحنين إلى المستقبل) فيكون بهذا يكتب قصةً أو روايةَ سيرةٍ، وعندها لا يجوز له الإشارة إلى أنّها سيرة. ولعلّ ذلك هو السّبب الذي دفع الكاتبَ إلى تصدير عمله بالتصريح بجنس هذا العمل (رواية)، إلا أنّه نقض هذا الميثاق الذي عقده مع القارىء من خلال العمل نفسه.
هذا العمل، ليس سيرةً ذاتيّةً، ولا روايةً، ولا سيرةً ذاتيّةً روائيّةً، إنّما روايةُ سيرةٍ ذاتيّةٍ، نسمّيها سيراويّة.
أمّا فيما يتعلّق باسم المؤلِّف فلا نجد له ذِكرًا إلا على الغلاف. ويبدو أنّه اكتفى بذلك ليوفِّر للمتلقي إمكانية التّخييل الذي توفّره هذه الثنائية: سيرة- رواية، مكتفيًا بضمير المتكلّم في بعض أجزاء السّيراوية، ليقوم مقام الاسم، على نحو ما جاء في الفصل السّابع؛ الأمر الذي يدلّ على التطابق بين السّارد (الأنا) والشّخصيّة الفاعلة والمؤلِّف. لقد جاء هذا التّستُّر على الاسم لخدمة العمل الفنّيّ الذي يتمثّل في إيصال بعضِ سيرتِه بقالبٍ روائيّ.
حين يكتب الكاتب سيرته الذّاتيّة لا يكون في حالة تصوّرٍ إنّما في حالة تذكّرٍ. وعليه، في كتابةٍ من هذا النّوع، كتابة رواية تعتمد على سيرة الكاتب الذّاتيّة، على الكاتب أن يلتزم الحقيقيةَ التّاريخيّة، من جهةٍ، وأن يكتب بأسلوب فنّيٍّ، من جهةٍ أخرى، مستعينًا بعناصر الفنّ الروائيّ المختلفة، نحو: التصوير، التخيّل، الحوار، مناجاة الذات وغيرها.
إنَّ هذا العمل الأدبيّ نصٌّ استعاديٌّ نثريٌّ، كتب فيه الكاتب عن وجوده الذّاتيّ مركّزًا على حياته الفرديّة وعلى تاريخ شخصيّته. نَقَلَ أحداثا ووقائعَ حقيقيّةً مختلفة، نحو: مكوثه في سجون الاحتلال، السّجن في الخارج بسبب التهرّب من الضريبة، الابتعاد عن الأهل، وذلك من خلال شخصية نعيم قطينة. أراد بذلك الإشارة إلى حياة المغتربين العرب في السّجون الأمريكيّة، والمقارنة بين حال الأسرى في سجون الاحتلال