الشيخ (عكروت) يرتدي سروال أبي – بقلم : وليد رباح – الولايات المتحده الامريكية – هذا ان كانت متحدة ؟؟؟

فن وثقافة … القصة .. آراء حرة …
بقلم : وليد رباح – الولايات المتحده الامريكية .. هذا ان كانت متحدة ..
عندما بلغت من الكبر عتيا .. وخيري قد ذهب الى غيري .. وغدت اصابعي ترتجف خوفا او حزنا أو بردا لا ادري .. تذكرت الشيخ (عكروت) شيخ مخيم بلاطه .. الذي كان عينا لمركز الشرطة في المخيم . ينبؤهم بما يستجد من كلمات او ايماءات ضد الحكومة حتى ولو كانت بغمز او بلمز أو تلمع في حدقة العين فقط …
والشيخ الذي اكتب سيرته ليس شيخا دينيا ولا شيخ عشيرة أو محلفا في محكمة يرقع الايمان جزافا لتبرئة انسان او ادانته عند القضاه .. وانما شيخ ( دون ياء في اللغة) ابتكرناه ونحن صغارا فاصبح كناية يتناقلها اهل المخيم بشىء من الفرح وكثير من الخبث .. فقد كنا ننظر الى وسطه ( التحتاني) لنرى بقعة من الماء تلطخ مقدمة السروال فنعلم ان الشيخ عكروت عملها في سرواله ففاحت رائحته التي كان يتحدث بها كبار السن في مخيمنا بانها ازكى رائحة من عطور (كل الدنيا) .. وكل الدنيا هو اسم زجاجة عطر كانت تستخلص في ذلك الزمان من خلطة الميرمية مع عصير قشر البرتقال بحيث عندما تشمه تبدأ بالعطس والكحة وربما التمرغ على الارض مثل جحش الرجادة ومن ثم تبلل سروالك وتحمٌر عيناك وتدمع مثل شلال لا يتوقف .
وكان الشيخ الذي هو دون الياء بصباصا يصبح عندما يرى حسناء تحمل جرتها الفخارية بالماء كأنما هو عنترة بن شداد .. يؤشر بعصاه يمينا وشمالا كأنها بندقية يحارب بها العدو .. وكان العدو في نظره من ابناء المخيم الذين اذا ما تأخذروا في الوصول الى خيامهم بعد عملهم في المساء يقفون امام (الشيخ) مثل الالف في اللغة العربية يرجونه ان لا يأخذهم الى مخفر الشرطة للتحقيق .. وكان التحقيق في مجملة : لماذا تأخرت ..اين تعمل .. هل كنت في اجتماع سياسي .. هل لديك سلاح حتى ولو كان سكينا .. هل كنت مسلحا وتعرف استعمال السلاح قبل ان تأتي الى المخيم .. وأمثال تلك الاسئلة التي تشي بانك متهم حتى تثبت براءتك ..وكم من مرة احتجز مخفر الشرطة اناسا كانوا في اعمالهم وتأخروا حتى المساء .. بعضهم خرج بعد ايام بعد ان دفع الاتاوة التي تريدها الشرطة فيتقاسمها ( الشيخ ) مع رجال الشرطة .. اما من لا يمتلك المال فانه يقضي في الحجز مد ة يعلمها الله حتى يستطيع ان يدفع .. فان دفع كان به .. والا فسوف يمضي شهرا او اكثر حتى يدبر اموره ويرشي من يرتشي ..
وليس كل ما اكتبه بيت القصيد .. ولكن البيت الذي اعنيه ان الامر حدث مع ابي مرة .. اذ كان يعمل سائقا لحافلة تذهب يوميا من مدينة نابلس الى مدينة القدس ثم يعود في المساء .. وفي ذلك الزمان .. كان الفلاحون يحملون بعض بضاعتهم مما تنتجه الارض لبيعها في القرى والمدن القريبة من اراضيهم .. ويضطرون لركوب الحافلة احيانا للوصول الى مآربهم .. وفي كثير من الحالات كانوا لا يملكون النقود فيدفعون ثمن ركوبهم الحافلة بعض ما تنتجه الارض من الخيرات .. لذا كان ابي يتحفنا ببعض من تلك الخيرات ولا ادري ان كان ذلك بمعرفة ممن يمتلك الحافلة ام في غفلة عنه .. ما كان يهمنا نحن صغاره ان نملآ بطوننا بالفواكه والخضار التي يأتي بها يوميا ..
وفي مرة كان الشيخ الذي نعنيه يقف في طرف المخيم فشاهد ابي يحمل بعض اكياس ورقية فسأله عما تحويه فقال له ابي انه فواكه للصغار .. قال الشيخ الذي نسقط الياء من كنيته .. ومن اين تلك الفواكه .. قال ابي انه من الفلاحين الذين لا يمتلكون المال .. ويعطوننا بعض تلك الفواكه كأجرة لنا .. برقت عينا الشيخ وقال : وهل تأتي بها الى بيتك فلا تعطيها لصاحب الحافلة .. قال ابي .. انه يعطنيها .. قال الشيخ .. اذن دلني على صاحب الحافلة لكي استفسر منه عن الموضوع .. ارتجف ابي وقال : ما رأيك ان نتقاسم ( الغنيمة) فآتيك ببعضها في كل يوم .. برقت عينا الشيخ وقال : اذن .. سأقول لابنة (الحلال) أننا سنفرح الاولاد في كل يوم .. وهكذا كان
… دارت بنا الايام وكبرنا حتى وصلنا الى ما كان والدي رحمه الله يعطينا بعضا من ( مغامراته ) لكي نعيش
ولا انسى يوما ان ابي طلب من امي ان تنظف له السروال الذي اشتراه من القدس ولبسه مرة واحدة لكي يعطيه للشيخ عكروت هدية كي يترك له بعضا من الفواكه التي يحملها لنا.. انها الهجرة التي شربناها سما زعافا حتى نعيش .. وهكذا عشنا .. ولا نعرف متى نموت .