القصة ….
بقلم : سفيان توفيق ..
(1)
ليلة السابع والعشرين من رمضان ، من عام 869 م ، تجمعت الأعين الحاضرة حول حدث واحد في المساء ، كان ذلك شهابا طويلا مرّ ببطء على غير العادة ، نهض بعدها زعيم ثورة الزنوج فيما بعد(علي بن محمد) ليصيح : الله ، الله . ثم تظاهر بسقوطه في سرداب خفيف من غيبوبة وعي لعين وهو يهذي بصوت ينوي أن يخترق الآذان كلّها. متحدثا وكأنه في حوار مع الله : نعم نعم ، انا يا الله ، انا هو ، نعم انا علي بن محمد ، صاحب النسب الكريم … وغيرها مما تمتم به ليعلن من كان حوله ان عليا هذا هو المخلص ، واخرون نادوا به بعد ذلك ليكون الرسول، وفي النهاية شاء هذا وشاء اتباعه ان يكون هو الرب .
من سامراء ، الى البحرين و البصرة ، وبعدها مما يزيغ البصر عن اللحاق به، كان يلتف هذا الثائر الغريب محاولا ان يتزعم ويتسلط ويقود ويثور ، بزجاجات عقنة مفتوحة مزكمة، في انتقال سريع في نسبه بما يتناسب مع من هو بينهم الان ، فتارة يعود بنسبه الى الامام علي بن ابي طالب ، وبعدها يعود الى عمر ومن ورائه عثمان او ابا بكر، وغيرهم طبعا . لكن و بعد ذلك، وبعد اليقظة اللازمة انذاك، قرر ان يكون الاله هو ، وما علي وعمر وعثمان، وغيرهم طبعا إلاّ من خلقه، وفي أولاده الرسالة، هم رسل له ، ومن بعده سيكون أبنائه هم الالهة، وسيغدو أولادهم رسلا لهم ، وهكذا قس.
وقف صاحب الزنج ذات مرة على شرفة قصره، واتباعه واقفون الى اسفله في الساحة الأمامية لقصره، قرأ من القرآن وبكى، ثم مسح دموعه صديقه “ريحان” الزنجي، لكن ريحان كان قد أخطأ وأعطى الزعيم منديلا كان يستخدمه هو في مسح مخاطه، وزعيمه يعلم بذلك، فما ان كان من زعيمه الذي لم ينظر الى منديله قبل أن يمسح به دموعه من عينيه، ويمرره بعد ذلك على وجهه، إلا ان سمع قهقهات من الجمع الواقف أمامه، ليفطن بعد ذلك الى ما قد حدث، لكنه وبصوت عال صاح : أيها الجنود، اغلقوا بوابات القصر. وإلى الآن لم يخرج أحد من هناك.
باختصار ، هذه هي ثورة الزنوج.
(2)
لا أعلم لماذا استفتحت آلامي –مذكراتي- بالقصة السابقة عن صاحب الزنج ، لكنني كتبتها، ولا أعلم متى كتبتها، لكن وبالتأكيد أنني كتبتها في زمان معين وفي مكان معين، من الماضي أو الحاضر، أو حتى من المستقبل. لا أعلم بالتحديد متى ذلك، وأيضا لا أعلم كم الوقت الآن، كم الساعة الآن. أهي الواحدة صباحا أم الثانية أم الثالثة أو حتى الرابعة، صباحا حتى أم مساء، صراحة أني لا أعلم . فمنذ زمن وأنا أسير في هذا الغيهب الطويل بين غيهبين يحويهما. يمشي الأول من شروق الشمس، والثاني من غروبها . ولا تبشرني أو تعطيني علامات أو دلائل عليها سوى ما يصدقني من الأسهم الضوئية التي ترتمي في غرفتي قبل استيقاظي من الغيهب الثالث.
غيهب و غيهب وغيهب. غياهب ارتمت ونهشتني بأنيابها، واجتمعت لتشكل الأيام والشهور والسنين التي لا أعلم أين أقطن الآن أنا منها. أنحن في القرن الخامس عشر أو السادس عشر او السابع منه أو الثامن . لا أعلم ..لكني أدركت من خلال جريدة وقعت في يدي، رماها أحدهم على باب المكتبة التي اقطن فيها منذ زمن، وبصراحة أخرى أيضا أني لا اعلم منذ كم من الغياهب الطويلة وأنا هنا، لكني منذ زمن طويل ، طويل طويل.
المهم ، أمسكت بالجريدة وقلبتها أربع مرات وأخرى خامسة وأنا أتفحص كل حرف فيها مرة تلو الأخرى . متنقلا بين أخبار الرياضة والنجوم والفلك والكلمات المتقاطعة والشعر ، لكن أخبار السياسة هي ما أثارتني ، فقد قرأت فيها وعلمت منها أن العالم العربي الآن يشهد حالة اضطراب وتزعزع طالبين ما يسمى ب “الحرية ” و”الديمقراطية” “والعدالة”.
لكني بعد ذلك لم أملك من أمري شيئا، لم أبدي أيما ردة فعل تذكر سوى في بضع كلمات كتبتها بعد أن مسحت يدي بالجريدة بعد تناولي لغدائي في الساعة التاسعة مساء.
كانت تلك الكلمات تقول: بينما العالم كله الآن يشهد طفرات في مسيرة التاريخ البشري فإن الحظ الأكبر منها هو للعالم العربي الذي سينتقل الآن من مرحلة الشباب المبكر إلى مرحلة التشوه الطفولي، في ظل هذه البادرة-كنت أقصد فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية- التي لن تعدو أن تكون سوى حمل وهمي كاذب لن يخرج على العالم سوى بالروائح الكريهة. ثم وضعت يدي على قلمي محاولا كتابة عبارات شعرية حضرت في ذهني فجأة كان منها:
عراق تعرّق
شقاق ونفاق يبصق
وفي القلب صدع يندب
الحزن من نفسه تمزق
آن للحزن أن لا يحزن
تمهل صديقي تمهل …
*********
Sofianbaniamer56@gmail.com