الرامة : مجلس محلي الرامة : عدد السكان: حوالي 8 آلاف نسمة. بقلم : فؤاد عبد النور

فلسطين ….
بقلم : فؤاد عبد النور – المانيا …
يبدو لي أن أغلب ما أكتبه عن الرامة  سيذهب  إلى الدروز، وذلك ليس اختياراً مني، ولكن أخبارهم في الشبكة غالبة في البلدات المختلطة.  ودروز الرامة وغيرها غير معزولين عن العالم، وليسوا محميين كالسابق بطاعة الشيوخ،  ورابطة الدين.  فعدوى تحرر شباب العصر هذا قد لحقت بهم. عائلة فرهود،                                                                                                                             0020 ر
العائلة البارزة في الرامة،  والتي تبرعت ببناء أول خلوةٍ  في الرامة من الحجر،  أو ما يدعى ببيت الشعب،  أنجبت  فرهود  فرهود، المبادر القوي لرفض الخدمة العسكرية، والنشط  في لجنة المبادرة الدرزية، هذه العائلة بدأت تفقد  الضحايا ليس بحروب الجيش،  ولكن بأسلحته.
أولاً جاء  في الأخبار عن مقتل الدكتور مجدي ابو اللطف، واتهم حاتم فرهود بقتله. وجاء على لسان ابيه: ” إبني معروف في الرامة  بصفاته الحسنة،  وهو أنهى قبل زمن الخدمة العسكرية،  وليس له  أية صلة بالأعمال الجنائية… الوضع أصبح لا يطاق، فالجميع يخشون الخروج من منازلهم، والطلاب يخافون من الذهاب إلى المدارس من جراء القتل والعنف! ”
وإليك خبرٌ آخر:  صُرع الشاب  بلال  فرهود  من الرامة في المغار، وهو جالس في السيارة مع خطيبته،  أمام منزل أهلها !
إنها ظاهرةٌ عامةٌ  طامةٌ  في المجتمع العربي في داخل إسرائيل. غريب هذا أن تتطور الأمور بهذه السرعة في السنوات الأخيرة،  في  البلد التي يُدعى أنها  “واحة الشرق الأوسط” !
وتحتل أنجيلا فارس من عائلة  كبيرة ومشهورة  بين دروز الرامة،  تحتل الأنباء لفترة ليست بالقصيرة.  فتاةٌ  جميلة، مثقفة، متمردة،  رشحت نفسها لمسابقة جمال إسرائيل، فقامت الدنيا،  ولا أدري إذا ما قعدت.  ولكن بهروب أنجيلا فارس من البلاد من الممكن لها أن تكون قد  قعدت !
صاحب صحيفة من المغار امتدح جرأة  أنجيلا فحُرقت سيارته.
أخت الفتاة،  مايا فارس،  متزوجة  من شابٍ  من بيت جن،  وُجدت  جثتها  متعفنة بالقرب من دير الأسد ! اعتقل الشاب سعيد  صادق،  زوجها، وسنه 25 سنة.
تهرب  أنجيلا  فارس  إلى حماية  الشرطة،  مصدومةً من مصرع أختها،  وقررت العودة إلى اسمها الأصلي ” دعاء فارس،”  والتعريف عن  نفسها  كفلسطينيةٍ  تنتمي إلى ” عرب 48 ” وتقول:  ” لا بد أن نعترف  بأصلنا  كعرب،  قاطني هذه البلاد قبل احتلالها،  وبالنسبة لهذا القرار،  فأنا شابة  عربية  فلسطينية درزية.  أصلي من سوريا، من جبل الدروز.  وأنا أرى هكذا هويتي،  أنتمي إلى عائلات زعمائنا السابقين من آل الأطرش  وجنبلاط.  فأنا  من الأن  فصاعداً أُعرّف نفسي كفلسطينية،  وقراري هذا قرار هويةٍ،  ليس أكثر “.
( دعاء من مواليد الرامة،  تركت البلاد قبل بضعة اشه، ،اختارت المعيشة  في نيويورك، بعد مقتل شقيقتها مايا فارس.  (من موقع ” مجدنا. كوم 11 \ 3 \ 2012 .
أما محمد سواعد،  مراسل صحيفة ” بانوراما ” من الطيبة،  فقد اتصل بجاك يعقوب، منظم مسابقة ملكة جمال إسرائيل،  ومكتشف ميول دعاء،  وإمكانياتها، والمشجع الرئيس لها،  فقد أقرّ بالضغوطات التي مورست على الفتاة،  ولجوئها إلى حماية الشرطة،  مع رضوخها لقرار الطائفة بعدم الاشتراك  في المسابقة.
——————–
والآن إلى مقال لِ ” فراس غنادري ” نشر في موقع ” عرب  48 ”  بتاريخ12 \ 11 \ 2013 :
شد انتباهي لأول مرة،   وبعدها بعشرات المرات، حديث الأهل وبعض رجال ونساء القرية في  جلسات  شرب القهوة عن مشكلة الزيت التي عاشتها الرامة  في  بداية الخمسينات، عندما  انتفض أهل القرية جميعاً،  ورفضوا قرار الحكم العسكري آنذاك، ببيع منتجات زيت الزيتون للحكومة فقط،  وبالتسعيرة المجحفة التي فرضت عليهم. وواجهت حينها القرية جميعها، بنسائها، ورجالها، وأولادها جنود الحكم العسكري، وانقضوا عليهم بالعصي والحجارة والأحذية،  وسجلوا إحدى اشرف المعارك بتاريخ القرية، فيما عرف لاحقا ” بطوشة الزيت “.
ورغم ارتفاع أسعار الزيت عالميا، وارتفاع الطلب عليه،  إلا أن الحكومة الإسرائيلية استوردت كميات من الزيت، وطرحتها في الأسواق على أنها زيت محلّي، لضرب الإقتصاد المحلي. ”
ويضيف فراس: ” لا جديد تحت الشمس. المؤسسة الإسرائيلية  تتعامل معنا على أننا أعداء،  وفي أحسن الأحوال كعديمي الصلة في أي تخطيط زراعي، أو صناعي، أو اقتصادي.  وفي ظل سياسة التمييز هذه، هل هناك مساحة لأمل  يُرجى في سلوكنا كشعبٍ،  صاحب مؤسسات وتعاونيات، وشركات تصون مصالحه وارتباطه بأرضه
بالنوايا،  بالإرادة الجماعية،  وبالممارسة، والمبادرة،  وليس فقط بالتصريحات والشعارات.  إننا كشعب نتطلع نحو المستقبل،  ونحصِّن ذاتنا، ونُعزّز مناعتنا الاقتصادية والوطنية،  ونُعاصر الحداثة، ونُواكب التطورات، وفرص السوق بالتخطيط والاستراتيجيات وبرامج العمل العلمية والعملية المنهجية”.
ذكر د. عراف أنه كان في الرامة خان اسمه خان ” دار عبود “، وأنه للآن توجد أرض في الرامة يسمونها ارض الخان.
———————
تحدث إلياس قسيس، رئيس مجلس محلي سابق للدكتور عراف  عما عانته الرامة  في وقت احتلال الرامة، ننقله هنا باختصار. وقال إن الرامة كان فيها حمولتان رئيستان متصارعتان:- آل نخلة، وآل حنا، ويتزعم الأخيرة  الخوري يعقوب حنا. وعلى ما يظهر كانت للخوري ميولٌ وطنيةٌ قوية، وكذلك عائلته، فانصبت النقمة عليهم، وتدارك الأمر الخوري بأن قبل دعوة أديب الشيشكلي للسفر معه إلى لبنان مع جميع آل بيته،  قبل السقوط النهائي للجليل.
بعد ثلاثة أيام من احتلال الرامة دار الجيش الإسرائيلي  بمكبرات الصوت، يدعو الناس إلى الاجتماع في ساحة بيت جميل نخلة، حيث أمروا بأخذ ما يريدون من مؤن وثياب، والرحيل إلى لبنان. واختار الجيش 40 شاباً من الجمهور المتجمع، وأعطيت الأوامر لقتلهم، ولكن تصادف أن مرت دورية  من الشرطة العسكرية، فأبطلت الأمر.
وبقي الغضب مسلطاً على آل حنا، إذ جُمعوا بعد أربعة أشهر من احتلال الرامة، مع بعض اللاجئين من إقرت، وحملوا بسيارات كبـّتـهم عند حدود الضفة الغربية، وأمروهم بالتوجه إليها، مع إطلاق الرصاص فوق الرؤوس، تحت المطر، وبين أوحال مرج ابن عامر.
ألقى  رجل من أل البهو ( غير مذكور اسمه ) ضوءاً آخر على ما حصل لأهل الرامة:
” في ساحة بيت جميل نخلة أنذروا مسيحيي الرامة أن  يتركوها خلال ساعتين، وأن يتجهوا شمالاً إلى لبنان، وفتحوا اتجاهاُ واحداً إلى لبنان، وهو الصعود على طريق بيت جن والبقيعة. خرج السكان المسيحيون، ومعهم الزعيم جميل نخلة يحمل عباءته على كتفيه، ووصلوا ” السهلة ” وهناك قرر، وقرر الكل أن يمضوا ليلتهم في هذا الموقع. إلا أن البعض استمر بالسير إلى البقيعة…
” علم أهل بيت جن بوجود الراميين في السهلة، فجاؤوا ودعوا الناس إلى بيوتهم، فذهبت مجموعة إلى آل الأسعد، ومجموعة أخرى إلى آل قبلان. مكثنا في بيت جن خمسة أيام، وجاء خبرٌ بالسماح برجوع أهالي الرامة. كان بيتنا بعيداً عن مركز الرامة، وكان لجدي دكانٌ، فوجدنا الدكان فارغة. وما أن علم الشيخ يوسف التوبة وإخوته برجوعنا حتى جاءنا وأخبرنا أنهم قد نقلوا البضاعة من الدكان إلى بيوتهم خوفاً عليها من السرقة.”
وذكر المتحدث حادثة حصلت لزعيم سخنين إبراهيم عبد الله خلايلة، حين أتى به جيش الإنقاذ مكبلاً، ومعه الضابط محمد صفا، الذي كان نائباً لأديب الشيشكلي، والذي قرر أن  تكون الرامة مركزاً لقيادته. أدخلوا الرجل المقيد إلى دكان يوسف عوض، وتصادف أن يمر الخوري يعقوب حنا ( وطني الاتجاه. مني الشرح ) ورأى الرجل مكبلاً، فثارت ثائرته، وأنقذ هذا الرجل من الهوان، بعد أن ” رفش” الجندي الذي كان يحرسه، وذهب إلى القيادة، وطلب منهم أن يفكوا إسار الرجل، فعاد الشيخ إبراهيم إلى سخنين معززاً مكرماً. في اليوم التالي كان على مائدته كل من شكيب وهاب ( راجع موضوع هوشه )، وخليل كلاس، وفايز القدسي، وأديب الشيشكلي.
ونقل عن سميح القاسم أن أحد عمومته قعد ليتناول طعام الغذاء الذي أعدته زوجته، وكانت قد طبخت مجدرة، وما أن جلس ليتناول أول لقمة حتى سأل زوجته: من أين لك بالعدس، ونحن لا عدس عندنا، على علمي ؟ ولما علم أن العدس جلب من بيت أحد الجيران المسيحيين التي طرد أصحابها من قبل الجيش، أمرها أن تكب الطبخة، وتعيد العدس إلى بيت الجيران.
أما ناصر غندور من الرامة، فقال للدكتور عرا ف أنه عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية الرامة، لجأ المسيحيون إلى حقول زيتونهم، وقضوا في العراء أسبوعاً. وعندما دخلت القوات الإسرائيلية في نهاية تشرين الأول الرامة، جمعوا السكان في ساحة بيت جميل نخلة، وأمروا المسيحيين والمسلمين بتحضير أنفسهم للرحيل. واختاروا 40 مسيحياً و4 من المسلمين، وكانوا على وشك إطلاق النار عليهم لولا تدخل خوري  اللاتين، ويوسف الحنا، فساقوهم إلى الشارع الرئيس، بحراسة  سيلرت ” جيب “، واحدة أمام القافلة، والأخرى خلفها،  وعندما ابتعدوا  قليلا عن الأهالي،  في أطراف القرية، وجهوا أسلحتهم الرشاشة للقتل، لولا أن وصلت في تلك اللحظة دوريةٌ من الشرطة العسكرية، فأوقفتهم. فسيقوا سيراً على الأقدام إلى المغار، ونقلوا في اليوم التالي إلى معتقل نهلال. حُـــقق معهم، واختاروا أربعين شخصاً وكبّوهم في اتجاه اللجون، والضفة. واختاروا 49 شخصاً آخر، المتحدث منهم،  ونقلوهم إلى معتقل عتليت.
في المعتقل رسموا خطاً أبيض يفصل بين المجموعات، ولما تعدى الخط أحد سكان كفر عنان، أطلق الجندي عليه النار من برج الحراسة وقتله.
أُخذ في استخدام الأسرى، الذين بلغ عددهم في عتليت الخمس مئة  بأعمال السخرة. فكــّوا معسكر الجيش البريطاني في اللد، وبنوا براكسات قرب مخيم عتليت، للمزيد من الأسرى. ثم نُـقلوا إلى معسكر صرفند للعمل، ووجدوا الكثيرين من جيرانهم من دير الأسد والبعنة. وأثناء رجوع الطابور من العمل آخر النهار كان يُسمح لهم بالتقاط الثمار الناضجة من الحقول، فيتغذوا عليها.
بعد ذلك أخذوا يدفعون لهم أجرة العمل ” بالمياومة “، ويسمحوا لهم بالشراء من دكان المعتقل. وأُعطوا إعاشة ملعقةً كبيرةً من السكر لكل أسير، وأخذوا يتجمعون مجموعات لتحسين الأكل والشرب.
كل بضعة أيام يستجوبون الأسرى، لعل  أحدهم يوافق على الرحيل إلى إحدى الدول العربية، فيرفضون. وقال أنهم قد استشيروا عشرين مرة.
في 18 تشرين أول 1949 أُطلق سراحهم، ووصلوا الرامة في ساعات  المساء، واحتفل بهم عدة ليالي بالسهرات، والأغاني، والدبكات.
وقد أيد ما جاء في مقال فراس غنادري عن طوشة الزيت في الحارة الشرقية، وأضاف أن الجيش ساق 44  معتقلاً إلى مجد الكروم، إثر الطوشة، وحوكموا أمام محاكم عسكرية، وصدرت ضدهم أحكام مختلفة، أقصاها ستة أشهر.
ونختتم  موضوع الرامة  بخبرٍ لطيف:  ميرا عوض،  مغنية،  وممثلة، ومؤلفة أغانٍ،  مثلت إسرائيل  في مسابقة  ( يورو فيجن 2009  )  والدها طبيب مسيحي من الرامة، وأمها بلغارية.
———–
الشاعر سميح القاسم

جاءَ في بعضِ المواقعِ الإلكترونيَّةِ، أنَّه في غمرةِ الحربِ العالميَّةِ الثّانيةِ، كانَ ثمَّةَ عائلةٌ فلسطينيَّةٌ مقيمةٌ في الأردن تعودُ إلى فلسطينَ بالقطار. وكانَ لديها طفلٌ راحَ يبكي، فخشيَ الرُّكّابُ أن تهتديَ إليهم الطّائراتُ الألمانيَّةُ، وهدّدَ بعضُهُم بقتلِهِ، ما اضطُرّ الوالدَ الضّابطَ إلى شهرِ سلاحِهِ في وجوهِهِمْ وإيقافِهِمْ عندَ حدّهِمْ. وحينَ علمَ الطّفلُ، في ما بعد، بهذِهِ الواقعةِ، علّقَ قائلاً: «حسنًا لقد حاولوا إخراسي منذُ الطّفولةِ. سأريهم. سأتكلّمُ متى أشاءُ، وفي أيِّ وقتٍ، وبأعلى صوتٍ. لن يقوى أحدٌ على إسكاتي!». وبالفعلِ، راحَ يتكلّمُ، ويتكلّمُ، ولم يقوَ أحدٌ على إسكاتِهِ، حتّى فعلَها الموتُ، في التّاسعَ عشَرَ من آب 2014، فرحلَ عن خمسةٍ وسبعينَ عامًا. سكتَ هوَ، وتركَ شعرَهُ يتكلّمُ. هذا الطّفلُ هوَ سميحُ القاسم.
كنت قد قابلت سميح القاسم مرة واحدة في مكتبه في حيفا من ضمن مسعاي للتعرف على رواد الفكر في حيفا،  تمهيداً لما كنت معتزما القيام به من الكتابة عن حيفا،  أنطلق منها إلى الساحل،  وإن أمكن حتى النقب.  كان آنذاك لا يزال متململاً في أحضان الحزب الشيوعي،  ولا بد أنها قد أصبحت أحضاناً باردة،  فنزع نفسه،  وانطلق حراً كشاعرٍ يزداد تألقاً  كلما نضج واشتد عوده،  دون قيودٍ  حزبية أو سلوكية،  وأصبح شاعر المقاومة دون منازع  بين فلسطينيي الداخل.
لو سنحت لي الفرصة لأُقابله ثانية،  وآخذ منه حديثاً،  فإن أسئلتي  لن تكون أكثر ذكاءً من أسئلة  “علاء حليحل “، ابن قديتا المهدمة،  ولا كنت سأستخرج من سميح  أجوبةً صريحةً  مثل أجوبته  لعلاء.  إني سأختار بعض الفقرات من هذه المقابلة المطوّلة،  وأنصح  كل قارئٍ  مهتمٍ بقراءتها كاملةً  أن ينقر على موقع ” قديتا. نت ” ،  فيقدمها له الشيخ  غوغل  بكل  يسر.
أول ما تستعذبه منه هو تصريحه بكل بساطة أنه يتوقع الموت بسبب مرضه،  ولا يطلب من الموت سوى التأخر بعض الوقت لحاجته لإنجاز بعض الأمور:
” لا أطلب سوى أن يمهلني أنهي بعض الأمور العالقة.  أريد أن أزوج  ياسر ( ابنه الأصغر)،  وأن أُصدر  بعض  الكتب الأخرى التي أعمل عليها.  من الممكن أن أكتب شغلة أخرى،  من الممكن.  ولكن إن جاء الموت –طُز عليه ! آمل أن يأتي الموت مرئياً.  فليأت  وأنا مستحمٌ،  مرتدٍ ملابس جميلةٍ  ومرتبة.  أنا أحب الأناقة  حتى في الموت.  أحبه أن يكون أنيقا،  ونظيفاً،  وجميلاً،  ومرتبا”.
وعن تمويل مجلة ” الكرمل “، ربيبة محمود درويش، فيقول:
”  لا يجوز أن تُنشر المجلة مجاناً على الويب. غلط.  نحن في عالمٍ رأسمالي،  وحتى العمل الثقافي يجب أن يأخذ ذلك بالحسبان،  التمويل الأجنبي ليس دائماً، لا يمكنك أن تضمنه. . ممنوع ٌ أن تعتمد على التمويل.  يجب على المجلة الثقافية أن تموّل نفسها بنفسها.  وأن تصدر العدد على نفقتها بحدها الأدنى.  إذا كانت مجلة ما تحكي على فرنسا،  فلا يمكنك أن تهاجم  فرنسا.  في الثقافة يجب أن تكون واضحاً ، وجريئاً، وصريحاً،  وبكل معنى الكلمة.”
وعن وجود نوع من العذر لابتعاد الطائفة الدرزية عن العروبة في إسرائيل،  يقول:
” الطائفة العربية الدرزية ليس فيها أي تناقض، عندما تجلس مع المسنين والختيارية والمشايخ، يقولون لك إننا عربٌ ومسلمون  وروحنا فلسطينية، ولكن يا عمي عندما جاء أهل هذه البلدة  أو تلك،  وفعلوا بنا كذا،  وسرقوا الأرض،  وسبـّوا ديننا،  والنبي شعيب،  وعندما جاءوا إلى الدالية،  وأخذوا زوجة المختار،  وأرجعوها بعد شهر. توجد قصصٌ قديمة تراكمت.  ثم جاء اليهود الأوروبيون وقالوا:  لن يقترب أحدٌ من دينكم وعرضكم،  وما شابه من هذا الكلام،  سنحميكم،  عندها أحسوا بالفرق في المعاملة. توجد رواسب قديمةً نعم. السؤال هو:  هل على جيلكم  وجيلنا أن يستسلم لهذه الرواسب.  خذ ساجور مثلاً،  هنا في فترة من الفترات تحولت ساجور إلى معسكر للجيش،  ذهبوا للجيش جميعهم.  تسألهم  لماذا؟  بماذا نفعكم الجيش؟  يقولون لك، جيراننا بسبونا،  بسرقونا،  وببهدلونا.  جاء اليهود وشغّـلونا.  صرنا نمتلك نقود، ونشتري سيارات،  وهذا طبيعي في مجتمع  مثل المجتمع العربي بشكل عام”.
هذا شاعرٌ درزيٌّ  مثقف.  أشعاره يرددها الكبير قبل الصغير. هو من أنشد:
تقدموا.. تقدموا ! / كل سماء فوقكم جهنم /كل أرض تحتكم جهنم / تقدموا! / يموت منا الشيخ والطفل / ولا نستسلم / وتسقط الأم على أبنائها القتلى / ولا تستسلم / تقدموا  بناقلات جندكم / وراجمات حقدكم / وهددوا / وشرّدوا / ويتّموا / واهدموا / لن تكسروا أعماقنا / لن تهزموا أشواقنا / نحن قضاءٌ مبرم.
يُـلمّح  سميح  القاسم  بكلمات بسيطة،  ولكن عميقة عن آلام متوارثة عند  الدروز.  إننا عندما نلوم  الدروز لأن  بعض مشايخهم اختاروا أن يصطفّوا مع الدولة الصهيونية لاعتبارات كثيرةٍ  منها  الرغبة في حماية أنفسهم، أو لمصالح أنانيةٍ  ذاتيةٍ،  نلومهم، وننسى أن الدروز قد تعرضوا باستمرار خلال تاريخهم الطويل إلى اضطهاد السنة  لهم بشكل عام،  ولولا المعاصي الجبلية  التي التجأوا إليها  في فلسطين وسورية ولبنان،  لما بقي أحد منهم  يتحدث مع أحدٍ  إلى هذا العصر.
„ ولكن أظن أنها فرصتنا الآن، كما لمّح علاء،  لقد هجرنا الطائفة الدرزية،  وكان هناك تجنيدٌ  إجباريٌ وملزم.  كان علينا رغم ذلك أن نحتضن العرب الدروز، ونقول لهم أن لديهم حضنٌ  دافئٌ،  وانتماءٌ،  ولكننا قمنا برد فعلٍ عكسيّ  كبيرٍ،  وهجمةٍ عاتية،  مما زاد في عملية الإبعاد،  والابتعاد.”
من الممكن أن أضيف لكلمات علاء،  أن الدروز يكتشفون الآن أن الصهيونية قد أخلفت في وعودها لهم. بعد أن ظنت أنها قد نجحت في فصلهم عن الأمة العربية، يتعرضون الآن  مثلهم مثل جيرانهم  إلى مصادرات للأرض  بالقوانين العديدة، والمتعددة،  ويُخنقون بالمستوطنات،   ولا يستطيع  شبابهم  بناء  بيوتٍ  يتزوجون فيها، ولا تستطيع أجهزة الدولة إخفاء أنهم لا يزالون مصدر تشككٍ،   كما حصل مؤخراً  من  منع  مجندين دروز من دخول معسكر ديمونا،  رغم أنهم كانوا في مهمةٍ رسمية.
————–
أكرمني السيد بشير شلش، الناشر، وصاحب ” دار راية للنشر”  بإهدائي  كتاب سيرة حياة سميح القاسم ” إنها مجرد منفضة “.  الحقيقة أني  أتمتع عندما أقرأ  نثراً  لشاعرٍ مبدعٍ ، رغم  وجود بعض النرجسية في سرد سميح،إلا أن  فيه الكثير من القفشات، والكثير من استقلال سميح الفكري. من إحدى تلك الدلائل معارضته  لِ ” اتفاق أوسلو” ، ونشر تلك المعارضة في مجلة  ” المصور” المصرية، مما أثار عرفات، وبرّر الأخير  ذلك الاتفاق لسميح  بالظروف الدولية والعربية.
ولكن ما لفت نظري جداً، حادثة أخرى، عن لقاءٍ آخر بعرفات، حين كان الالتقاء به محظوراً.  كان برفقة النائب الشيوعي توفيق طوبي. فلنقرأ كلماته هو في الصفحة 323:
”  المكان التشيك، وكان برفقة أبو عمار القادة الأشقاء  أبو جهاد  وأبو إياد. وبعد وجبة لائقة،  قال أبو عمار: ” هات يا أبو جهاد الهديتين “.
أحضر أبو جهاد الهديتين المخصصتين لزوجة توفيق  طوبي ولزوجتك.  وكانت الهدية سنسالاً من الذهب، معلقةٌ به خريطة فلسطين، ومن الذهب أيضاً.
تقبلتما الهديتين الجميلتين، ولكنك كنت مصراً على المشاكسة، فقلت:
” سبحان مغيّر الأحوال.. في ثورة ال 36  كتب أحد المجاهدين الأسرى على جدار سجنه بقطعة فحمٍ ، قصيدةً شعريةً  عاميةً  من أجمل الشعر في العالم كله. وفي القصيدة مقطعٌ يقول:
وبكره المَرَه كيف راح تقضي نهارها     ويلها علي،  وويلــــها عَ صغــــــارهـــــــا
ياريـتــني خـلّيــت بإيــدهـــا  ســوارهــــــا      يوم دعاــني الحرب تاشتري سلاحو!”
” سبحان الله. سبحان مغيّر الأحوال يا إخوان. كانت جداتنا وأمهاتنا تبيع مصاغها الذهبي ليشتري  الأجداد والآباء سلاح الثورة. . إما الآن فأرى أن الثورة هي التي توزّع الذهب على نساء الشعب!
قهقه أبو إياد شامتاً : قلت لكم.. ألم أقل لكم!
—————-
أمضيت عدة ليالٍ في  البحث عمن نظم هذه القصيدة. لا أُخفي ضيقي من سميح القاسم  لأنه ذكر البيتين منها دون اسم الشاعر، ومن أين استشهد بها. إلى أن وجدتها، بعد جهدٍ جهيد فعلا. ووجدت بعض العذر لسميح، لأنها وجدت مكتوبةً على جدار سجن عكا، واالتوقيع  تحتها ” عوض “. غريب أن لا يعرف القائل، رغم أن الحادث لا بد أن يكون مسجلاً، خاصة وأنه يُفهم من أبيات القصيدة أن  أخّين للشاعر قد أُعدما قبله. القصيدة  كاملة:
فى ليلة الإعدام
ياليل خلّي الأسير تَ يِكمل نواحه
رايح  يفيق الفجر وِيْرفرف جناحه
تَ يْمرجح المشنوق في هبّـة رياحه
ياليل وقّـف .. تَ  قاضى كل حسراتي
يمكن نسيت مين أنا ونسيت آهاتي
يا حيف كيف انقضت بيديك ساعاتي
شمل الحبابيب ضاع وتكسرت اقداحه
لا تظن دمعى خوف .. دمعى على اوطاني
و عَ  كمشة زغاليل فى البيت جوعاني
مين راح  يطعمها بعدي  و اخواني
شباب اثنين قبلـي عَ  المشنقة راحوا
وبكرة  مراتي  كيف راح تقضي نهارها
ويلها علي  وويلها عَ  صْغارها
يا ريتنى خليت فى إيدها سوارها
يومِ  ان دعتنى الحرب تَ  شْترى سلاحه
ظنيتِ  لْنا ملوك تمشي  وراها رجال
تخسا الملوك إن كانوا هيك أنذال
والله تيجانهم ما يصلحوا لنا نْعال
إحنا اللي نحمى الوطن ونضمّد جراحه