فلسطين ….
قلم : عدنان الروسان – الاردن ….
من الواضح تماما أن المشهد السياسي الدولي يتغير كل يوم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي ماتزال مستمرة منذ أكثر من شهرين ، فالغرب ، أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية صدمتهم المفاجأة ليس بدخول روسيا الى أوكرانيا و تهشيم الدولة الأوكرانية التي كانت تمثل حصان طروادة للغرب لتدمير كل امكانية لعودة روسيا الى المشهد العالمي كقوة عظمى و ربما لمهاجمتها بصورة مباشرة او غير مباشرة و استنزافها و تحجيمها تماما بل لأن اصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مواقفه و عدم تراجعه رغم العقوبات و التي تنهال عليه من كل دول القارة الأوروبية و من أمريكا و رغم التهديدات و الوعيد بل إن كل ذلك لم ينتج عنه الا تهديدا واضحا و مباشرا من بوتين على أنه مستعد لمواجهة نووية اذا اقتضى الأمر و أن بامكانه تدمير كل دول حلف الناتو خلال ثلاثين دقيقة فقط مع اقراره بأن ذلك سيكلف روسيا ثمنا باهظا لكنه مستعد لدفعه إذا كان الأمر يتطلب ذلك.
وحتى لا نغوص في تحليل المشهد الدولي كثيرا و حتى نتحدث عما هو أهم بالنسبة لنا كعرب فإننا نلاحظ أن النظام الرسمي العربي و كعادته يراقب المشهد و كأنه يراقب مباراة لكرة القدم بين فريقين و لا يشعر القادة و الزعماء العرب بفداحة و خطورة ما قد يترتب على نتائج الحرب الأوكرانية من استحقاقات على الدول العربية و الأنظمة السياسية العربية ، لقد تمكنت حركة حماس و هي حركة مقاومة فلسطينية صغيرة الحجم و القوة اذا ما قيست باسرائيل و الدول المحيطة بها و اذا ماقيست بالدول النفطية و اقتصادياتها العظيمة ، تمكنت حركة حماس من استغلال الحرب الأوكرانية و انشغال أمريكا بتلك الحرب و انشغال الحكومة الإسرائيلية بنفسها و مشاكلها الداخلية و تمكنت من رفع صوتها عاليا في دعم فلسطينيي الضفة الغربية و الخط الأخضر و تحريضهم على الجهاد ضد اسرائيل و تمكنت من فتح جبهة ضد اسرائيل في الداخل الإسرائيلي الذي كانت اسرائيل تباهي بناعته و استقراره ، و في الوقت الذي قام فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بادانة العمليات الفلسطينية ضد المستوطنين الإسرائيليين في فلسطين قام السنوار و هو رئيس حركة حماس بمباركة تلك العمليات بل و بتبني بعضها و بينما لم تقم الحكومة الأردنية باتخاذ اي موقف ضد تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي نقض اعتراف اسرائيل بالوصاية الهاشمية على المقدسات بالقدس المحتلة قامت حماس التي لايكن لها النظام السياسي الأردني أي مودة بالدفاع عن تلك الوصاية و التأكيد على عدم المساس بها.
المهم …
المتغيرات كثيرة و متسارعة و مجلس الأمن القومي الأمريكي بات يدرك أن شكل العالم سيتغير تماما بعد انتهاء الحرب الأوكرانية بغض النظر عن كيفية انتهائها و أن من بين المتغيرات منطقة الشرق الأوسط و القضية الفلسطينية و باتت أمريكا مقتنعة أن تجاهل قوة الحركات الإسلامية المسلحة مثل حماس و الجهاد و حزب الله و غيرها من التنظيمات لم يعد ممكنا و لا مفيدا ، و تقول تسريبات استخبارية و اعلامية على خجل أن البعض اقترح على الرئيس الأمريكي الإلتقاء بقادة حماس في فلسطين خلال زيارته لإسرائيل الشهر المقبل أو تفويض الإستخبارات الأمريكية بترتيب لقاء بين مسؤولين كبارا في الإدارة الأمريكية و قادة حماس في اي مكان أخر لبحث امكانية ايجاد حلول وسط تقود الى استقرار في فلسطين و المنطقة و لو لسنوات قادمة فقط لأن الخوف من اندلاع حرب و توسعها بات هاجسا لدى الأمريكيين و ما يمكن أن ينتج عن تلك الحرب من تفاعلات شعبية قد تؤدي الى سقوط انظمة عربية سياسية موالية للولايات المتحدة الأمريكية.
اسرائيل تستشعر الخطر الذي سيغير كل المعادلات اذا ما حصل اي لقاء بين الأمريكيين و قادة حماس غيرأن الأمريكيين لم يعجبهم موقف اسرائيل ازاء الحرب الأوكرانية كما بدؤوا يشعرون أن المواقف الإسرائيلية صارت عبئا عليهم و أن الإحتفالات بالتطبيع مع بعض الدول العربية ليس له تلك الأهمية فالشعوب العربية و بعد ثلاثين سنة من الصلح الرسمي مع اسرئايل لم تقتنع بالتطبيع بل ان العداء لإسرائيل صار أكبر في الأوساط الشعبية العربية و على امتداد الوطن العربي كله.
الموقف الأردني بات صعبا للغاية فالعلاقة بين الأردن و محمود عباس و عداء الأردن الرسمي لحماس لم يعد بأي فائدة على الأردن بل زاد من تعقيدات المشهد السياسي و الأمني و المخاطر التي يواجهها الأردن ، و وجود الملك في أمريكا اضافة الى أنع يقضي اجازة العيد كما أعلن الا انها رحلة لمقابلة الرئيس الأمريكي و محاولة ثنيه عن لقاء قيادات حماس لأن ذلك سيضع الأردن في موقف حرج للغاية ، مصادر اعلامية وثيقة الصلة بقنوات استخبارية تؤكد أن النية تتجه في امريكا لعقد مثل ذلك اللقاء مع حماس و ربما مع حزب الله ايضا لأن المخاطر من امكانية جر تلك الحركات الجهادية المسلحة المنطقة الى حرب دينية واسعة او تحريض الرأي العام العربي و خلق نسخة جديدة من الربيع العربي سيكون له اثار مدمرة هذه المرة على مجمل اوضاع النظام الرسمي العربي.
المعطيات التي تؤشر على حصول تغييرات جذرية في المنطقة العربية و في فلسطين و الصراع الفلسطيني العربي من جهة و اسرائيل من جهة أخرى كثيرة و متتابعة و لا تحتاج الا الى قراءة متأنية للمشهد الذي يرتسم أمامنا و يتغير كل يوم ، و سيكون لزاما على بعض الدول الخليجية التي هرولت بسرعة مبالغ فيها للتطبيع مع اسرائيل و فتح كل الأبواب امام المستوطنين حتى باتوا يحظون بمعاملة أفضل من تلك التي يحصل عليها اغلعايا العرب في تلك البلدان أن تعيد النظر لأن المتغير الإيراني نتيجة الحرب الأوكرانية كبير و خطير هذا اذا لم ننسى المتغيرات الكبرى في شرق اسيا و اثارها التي ستكون واضحة على غرب اسيا و المنطقة العربية تحديدا.
لننتظر و نرى و لكن لقاءات بين حماس و الولايات المتحدة سيكون اقرب مما يتوقع كثيرون و ستكون اسرائيل مضطرة لتغيير استراتيجيتها تجاه غزة و حماس قريبا جدا و سينعكس ذلك على الأردن و مصر تحديدا و على دول التطبيع العربي ايضا.
adnanrusan@yahoo.com