الخوف يمتلك زمام الأمور في الصراع الإنساني..

دراسات (:)
بقلم : بكر السباتين (:)
*الخوف وصراع البقاء ..
الخوف وفق ما يعرفه علم النفس هو “1””حالة نفسية تنشأ عن القلق من شيء يشكّل للفرد تهديدا أو خطراً..على أن يهدد حاجة الإنسان للبقاء”.
ومن هذه الحاجة يتولد صراع البقاء على المستويين الفردي والجمعي..وبالتالي نستطيع أن نتفهم مقولة المفكر الإيطالي ميكيافلي في كتابه (الأمير) بأن الغاية تبرر الوسيلة.. أي لكي تتنعم بالبقاء؛ عليك أن تتصرف غريزياً كحيوان محكوم بقانون الغاب الذي يقول بالبقاء للأقوى.. وبوسعك أن تقنع الإنسان المؤمن بعدالة القوانين الأخلاقية بأن الوحشية تلتقي معه أيضاً على ذات الأهداف السامية ( مثل الفوضى الخلاقة)؛ وفي أن اللون الأبيض لا يختلف عن الأسود بدلالاة رمادية المواقف ووسطيتها التي تتناغم مع رؤية الأقوى والأكثر سطوعاً، من هنا سيقنعك إذا بأن الاختلاف يكمن فقط في التقنيات والوسائل، آخذين بعين الاعتبار بأن تلك الوسائل لا بد وأن تكون مجرد أدوات لتحقيق العدالة ( بما لا يتعارض ومصالحهم) التي يؤمن بها المتسلطون على كافة المستويات الفردية والجماعية، في أطرها المختلفة، لذلك يصبح من السهل أن تتفهم سلوكيات بعض النماذج المشوهة للأنظمة الاستبدادية والتحالفات الاستعمارية، ومنها:
أولاً:  الدول ذات الدساتير المشوهة ، كسائر الدول في عالمنا الثالث.

ثانياً: التحالفات الاستعمارية التي تنتهك مبادئ القانون وتتجاوز حقوق الإنسان،لتحقيق مآرب الشركاء فيها، كالتي تقودها أمريكا في العالم وخاصة في الشرق الأوسط وفي محيط كوريا الشمالية.

ثالثاً: الدول الاستعمارية مثل الكيان الإسرائيلي المحتل.
وينبغي أن نقف على أسرار ما أجيز تسميته بلعبة الوسائل والتي  سيحسم أمرها قانونياً لصالح الأقوى الذي يسيطر على منظومة القوانين الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة. كحال القوانين الصادرة لصالح الحق الفلسطيني التي تتجاوزها “إسرائيل” دائماً بتغطية من الجهة التي شرعتها، الأمم المتحدة” بضغوطات سيدة العالم أحادي القطب، الولايات المتحدة الأمريكية.

*جدلية الصراع بين القوي والضعيف..
من هنا لا يجب أن ننسى بأن الخوف الذي يسود المجتمعات المقهورة يعادل في نتاجه خوف الأنظمة المستبدة والقوى الاستعمارية على مصالحها.
كيف نفهم ذلك؟
فحينما تخاف الضحية على مصيرها؛ فإنها شوف تتحول من حالة القط المحشور في الزاوية، إلى حالة النمر المتوثب بروح المنتقم بعدما خسر كل شيء، ليراوغ الخصم في منطقته بوسائله المتاحة المعززة بروح الانتقام التي قد تعوض الفارق في التقنيات.. كما حصل في قطاع غزة الذي هاجم الكيان الإسرائيلي في العمقبالصواريخ البسيطة المعززة بإرادة المواجهة.  ففي تصفية الحساباته بين الجلاد والضحية، لن تكون هناك وسائل آمنة، وسيحتكم الطرفان بوسائل القوة والإرادة إلى قانون الغاب، وهي ذاتها التي سيرعب بها االضعيف المتنمر قلب لمستبد، بغية الحصول على القدر الممكن من حقوقه التي يؤمن بها من أشداقه وفق مقاييسه التي قد تخالف المنطق أحياناً؛ لكنها ستستعيد مكانتها في لعبة المصالح.

*الفرق بين المقاومة المشروعة والإرهاب..
وعلينا في سياق هذا البحث أن نفرق ما بين المقاومة المشروعة وفق القانون الدولي على اعتبار أنها حق مكتسب للضحية في الدفاع عن نفسها، كما هو الحال في فلسطين التي يناضل فيها الشعب الفلسطيني لاستخلاص حقه المهضوم من براثن المعتدي المحتل لأرضه، وبين من يسعى لتحقيق رؤيته الضيقة الأفق التي لا تؤمن بالحوار، وتقوم على رفض الآخر، كما هو الحال لدى الجماعات الإرهابية مثل:
– جماعة داعش ومثيلاتها.
– العصابات الصهيونية.
– العصابات البورمية العنصرية.
فهؤلاء يفسرون الأفكار بما يتناسب وتطلعاتهم تفسيراً تبريرياً لوسائل التنفيذ المتعارضة مع الأخلاق النابعة من حقوق الإنسان وكرامته والمكفولة دينياً ووضعياً، فقط يريدون تطبيق رؤيتهم الفكرية بوسائل محرمة أخلاقياً ولو كان الأمر على حساب الآخر. علماً بأن الأخلاق مهما خضعت للمعايير النسبية؛ إلا أنه من غير المسموح  تخطي جوهرها المتمثل بكرامة الإنسان كقيمة مثالية تتفق عليها الإنسانية وتتبناها الكتب السماوية والأفكار الوضعية في كل زمان ومكان.. خلافاً لممارسات تلك الجماعات التي تدوس على كل القيم.. وفق تأويلاتها المشوهة.

*إرهاب الدولة..
إن المصالح العليا للدول تعتبر من أهم مبررات الإرهاب المقنن، وذلك من باب الخوف على المصالح والمكتسبات.
وقس على ذلك ما يحدث في الكيان الإسرائيلي الذي يقنن وسائل الإرهاب ضد الفلسطينيين لغايات أمنية، وهو الحال ذاته الذي يتكرر في بورما ضد الأقلية الإسلامية هناك.. ولا ننسى أيضاً الإرهاب الدولي الذي تقوم به أمريكا في عربدة مفضوحة منذ تحول العالم إلى منظومة يقودها قطب واحد، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كما جرى في الحرب على العراق أو ما يحدث الآن في سوريا من تحالف إقليمي ضم إليه الكيان الإسرائيلي ( العدو التقليدي للعرب)  كوسيلة جمعت أعداء الأمس، لغاية إسقاط النظام السوري “الدموي”.. وهو عذر أقبح من ذنب.. لكنه في عرف الأقوياء شر لا بد منه.. ولو كان على حساب القضية الفلسطينية، وهنا تكمن المفارقة.

*الخوف لدى الجماعة والتمييز العنصري..
ينبغي أن ندرك هنا في أن الخوف الجمعي هو المرتع الخصب لتنامي مشاعر الكراهية بين المجاميع الطائفية والعرقية، المنضوية تحت سلطة قانونية متآلفة تنظم وحدتها الشكلية ذات التكوين الفسيفسائي رغم اختلافاتها الجوهرية الكامنة فيها؛ لأن عنصر الخوف إذا ما تسلل إلى هذه التركيبة المتنوعة فإنه سيولد تنافراَ اجتماعياً وفكرياً وسياسياً بين الجماعات المقهورة والأخرى المستبدة.. والنتيجة الموضوعية هي حالة من التمييز العنصري ستسود هذه العلاقة.. بينما تستشعر الضحية إرهاصات التحول من حالة القط الأليف إلى عنفوان النمر الغاضب حتى لحظة الانفجار وبالتالي إدخال المجتمع في حالة من الفوضى التي سيوظفها المستبد من جديد لإعادة منظومته القانونية في حالة أشد صرامة، لتعود الدورة من جديد لوضع هذا المستبد مرة أخرى في مواجهة النمر الرافض للضيم حتى تحقيق غاياته بشتى الوسائل،  ومن يفوز في هذه المواجهة سيكتب التاريخ وفق رؤيته كي يتحكم بالمجاميع تحت مظلة قوانينه التي ستهيئ له سلطة دائمة؛ لأن المنتصر هو صاحب المحددات التي تبرر وجوده في دورة لا تنتهي من الصراع بين النور والظلام بأشكالهما.. ليعود الخوف الرابض في القلوب كي يحرض القطة على التحول إلى نمر من جديد.
ويتفق المفكرون على أن العنصرية (أو التمييز العرقي) هي “2””الأفعال والمعتقدات التي تقلل من شأن شخص ما كونه ينتمي لعرق أو لدين. كما يستخدم المصطلح ليصف الذين يعتقدون أن نوع المعاملة مع سائر البشر يجب أن تحكم بعرق وخلفية الشخص متلقي تلك المعاملة، فالمعاملة الطيبة يجب أن تقتصر على فئة معينة دون سواها.و إن فئة معينة يكون لها الحق في أن تتحكم بحياة و مصير الأعراق الأخرى”.
و كانت أولى الأعمال العنصرية و أكثرها انتشارا هي تجارة الرقيق التي كانت تمارس عادة ضد الأفارقة السود.كما توجد أمثلة معاصرة للعنصرية مثل:
1- العزل العنصري ضد الأفارقة السود (قوانين الفصل العنصري في جنوب أفريقيا).
2- التفوق العرقي الذي انتهجه هتلر في كتابه (كفاحي).. ضد الأعراق الملونة.
3- العنصرية الطائفية كما يحدث في بورما ضد المسلمين.أو ما تمارسه جماعة داعش ومثيلاتها ضد من يخالف رؤيتها..
4- عنصرية الدولة التي يمارسها المحتل الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

*العنصرية والفكر المشوه..

1- فريديك نتشه والنازية..
ولعل من أخطر التوجهات العنصرية هي التي تتمنهج فكرياً، وقس على ذلك  ما حدث في ألمانيا مطلع القرن الماضي إبان العهد النازي، حيث استنار مفكرو النازية وعلى رأسهم أودلف هتلر في كتابه كفاحي، بكتاب ( هكذا تكلم زرادشت) للمفكر الألماني الأشهر فريدريك نتشه (1844- 1900 ) الذي يعد من أعمدة النزعة الفردية الأوروبية، حيث “3” “أعطى أهمية كبيرة للفرد؛ واعتبر أن المجتمع موجود ليخدم وينتج أفراداً مميزين وأبطالاً وعباقرة، ولكنه ميّز بين الشعوب ولم يعطها الأحقية أو المقدرة نفسها؛ إذْ فضل الشعب الألماني على كل شعوب أوروبا، واعتبر أن الثقافة الفرنسية هي أرقى وأفضل الثقافات، بينما يتمتع الإيطاليون بالجمال والعنف، والروس بالمقدرة والجبروت؛ لكنه اعتبر الإنجليز أحط الشعوب الأوروبية، بسبب ما أثارته الديمقراطية الإنكليزية من اتساع للحريات الشخصية والانفتاح الأخلاقي ، واعتبرها دلائل افتقار للبطولة”.

2- ابن ميمون والصهيونية..
يقوم الفكر الصهيوني رغم علمانيته المقنعة ذات الصبغة القومية، على الأساطير التوراتية التي وعد فيها الرب اليهود ب”أرض الميعاد” المتمثلة بفلسطين.
وكانت فلسطين قد توافقت المصالح الاستعمارية مطلع القرن الماضي على منحها لليهود من خلال الوعد البلفوري المشؤوم إبان الانتداب البريطاني عليها.
ويعتبر الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون المولود في قرطبة سنة 1135 ميلادية، والمتوفى في القاهرة سنة 1204 ميلادية.هو الأب الروحي للنظرية العنصرية الصهيونية.

فيقول في كتابه (مرشد الحيارى): “4””بأن السود ليسوا بشرا وإنما هم أقرب للبهائم.. فهو يرى في ذات الكتاب “بأن بعض الترك (أي العرق المغولي) والقبائل الجوالة في الشمال ، والسود ، والقبائل الجوالة في الجنوب ، ومن يشبهوهم بيننا؛ أما طبيعتهم فهي في مثل طبيعة الحيوان الأبكم ، وهم حسبما أرى أدنى مرتبة من الكائنات البشرية، ومرتبتهم بين الكائنات الحية أدنى من الإنسان ، وأعلى من القرد، لان هيئتهم اقرب إلى الإنسان منها إلى القرد”.
أي أنهم “جويم” خلقوا لخمة شعب الله المختار.. وهو ما يلتقي مع الممارسات الصهيونية على الأرض من قتل بربري يمارسه الكيان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.

*مفارقات تاريخية..
ومن المفارقات التاريخية أن هذه الأفكار التي تبناها ابن ميمون هي ذاتها التي تقاطعت مع الأفكار النازية في ألمانيا والتي أدت إلى حرق البولنديين واليهود في الأفران التي بولغ في حجمها آنذاك، في الوقت الذي ما زالت تمارس هذه العنصرية الممنهجة فكرياً من قبل أحفاد ابن ميمون نفسه في فلسطين المحتلة.

*وأخيراً
ربما تتوحش الوسائل في لحظة وقوعها فيبررها الأقوياء وفق مصالحهم؛ إلا أن الأفكار العنصرية تبقى هي الطامة الكبرى على الإنسانية، إذْ تظل خالدة ما دام الشيطان يعربد في الأفكار التي تدخل في مكونات الحضارات المتعاقبة عبر التاريخ.
لذلك لا يمكن أن تلتقي كل الأنظمة الاستبدادية، صهيونية كانت أو يمينية متطرفة على اختلاف توجهاتها؛ مع العدالة القائمة على حقوق الإنسان وحريته المنشودة في كل زمان ومكان وهي المبعث لخلود المقاومة في الذاكرة الإنسانية كوسيلة مشروعة لنيل الحقوق.
_____________________________________
المراجع:
1-سيكلوجية الخوف من الموت /قاسم حسين صالح / الحوار المتمدن.
2 -الموسوعة الحرة/ العنصريةhttp://www.ammanu.edu.jo/wiki1/ar/articles/%D8%B9/%D9%86/%D8%B5/%D8%B9%D9%86%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9.html

3-  معجم الفلاسفة/جورج طرابيشي/مادة:نيتشه/دار الطليعة, بيروت – لبنان، الطبعة الثالثة، يوليو 2006 م. ص 679.
4- الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين/الجزء السابع/ 2002