فن وثقافة ….
شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة …..
من تراث حذاء أبو قاسم الطنبوري الذي كان يطارده ويعود اليه ، الى رومانسية حذاء ساندريلا التي بفضل الحذاء وجدت الأمير العاشق ، الى حذاء العراقي منتظر الزيدي الذي أرسل برقية عاجلة لبوش أن هذا مصير من دمر العراق ، الى حذاء النائب المصري كمال أحمد الذي لقن عكاشة وامثاله درساً في الكره التاريخي الذي من الصعب نسيانه حتى لو كان التاج ” كامب ديفيد ” .
بين تلك الأحذية الطائرة ، هناك أحذية عاشت فنياً حين كنا نرى الأبطال الفقراء في الأفلام العربية يرتدون أحذية مثقوبة وممزقة دليلاً على الفقر الشديد .
تاريخياً أصبح الحذاء وسيلة الانتقام والغضب والثورة ، يصب فوق الوجوه و الرؤوس ، وقد فتح هذا الباب العراقي منتظر الزيدي ، وبقدر ما شكل الحذاء الذي قذف به الرئيس الأمريكي بوش ، الدهشة والاستغراب ، الحذاء على وجه أكبر وأقوى دولة ، وقد كان البصمة في تاريخ العالم العربي والعالمي ، وشكل الحذاء وساماً تقديرياً يسجل على وجه من يخون ويعبث بالوطن ، عندها ما أجمل ان يكون الحذاء لغة تصعد بنا الى عالم البرتوكول الذي تأكله أضواء السياسة ، وهنا الحذاء يفسر بمليون تفسير يكون ملخصها ” أخجل أيها المارق “.
عاصفة ” عكاشة ” النائب المصري ، التي انتهت بضربة حذاء من قبل النائب كمال أحمد في البرلمان المصري ، تلخص زمناً عربياً تدهور الى معامل غسيل الذاكرة ، واذا كانت جميع الطرق تؤدي الى روما ، فالحذاء أصبح الطريق الذي يؤدي الى الاحتجاج حتى في البرلمان .
عرف ” توفيق عكاشة ” بشعاراته وتصريحاته التي تثير الحنق والتساؤل عن كمية الحقد الراكدة في أعماقه ، وعن هوية الفضائية التي يقودها – فضائية الفراعين – وهل من حق أي وسيلة اعلام التمادي في الهجوم بهذا الشكل الرخيص ، خاصة التي تتعلق في الصراع العربي الاسرائيلي ، الذي تجلى في هجومه على الفلسطينيين ، أثناء الحرب على غزة ، والتماهي مع العدو الاسرائيلي لدرجة التحريض السافر والتملق الباهر للقادة الاسرائيليين .
ورضى القيادة المصرية عن عكاشه سابقاً وحالياً تبين مدى الفجوة الواسعة بين الشعب المصري وقيادته التي تعمل على السير في درب لا يعرف الشعب أين ستصل به .
قضية ” توفيق عكاشة ” والحذاء ، ليست صورة مدسوسة على أخلاق البرلمانات ، وليس رصاصات موجهة لقناع الدبلوماسية الهادىء ، الناعم ، المتوج بظلال المراسيم الخاصة ، بل يكشف أن صراع الحوار ينطق الآن على شكل حذاء ، وأننا نعيش في زمن ينام الآن على نعل حذاء ، وقد يكون نعل الحذاء شاهداً على طاولات المفاوضات وعلى الغرف السرية التي تتم فيها طبخات المؤامرات العربية .
في رواية الكاتبة غادة السمان ” بيروت 75 ” قامت بطلة الرواية الهاربة من مستشفى الأمراض العقلية في نهاية الرواية ، بنزع اللوحة التي كتب عليها مدينة بيروت ، المزروعة على مدخل المدينة ، و وضعت مكانها ” مستشفى الأمراض العقلية ” .
الآن العالم العربي يعيش في مستشفى الأمراض العقلية ، الأحداث غير طبيعية والقرارات غير طبيعية – عندما يصدر مجلس التعاون الخليجي قراراً يعتبر ” حزب الله ” اللبناني منظمة ارهابية ، وكذلك مؤتمر وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم في تونس – .
الحروب الدائرة والنزاعات وارقام القتلى واللاجئين والفقر والتعاسة والهدم والدم ، دول عربية ذابت قيمتها ولم يعد لها قيمة في الحياة السياسية وتحولت الى مسارح لترقيص الدمى القيادية بخيوط السعودية وقطر ، وجيوشاً عربية اختفت ، وحكم عليها أن تفوز بجوائز الصمت والاختفاء عن الساحة القتالية ، هذا اذا لم تبعثر أو تقوم بضرب الدول الشقيقة مثلما يحصل مع اليمن التي يجب أن تسمى “عاصفة الذل ” بدلاً من “عاصفة الحزم ” كما أطلق عليها الملك السعودي الخرفان سلمان ، لم يبقى الا الجندي السوري الذي هو آخر الجنود العرب الذين يدافعون عن شرف الجيش ، وفي زمن يعاني الجندي الاسرائيلي من الفراغ وقلة العمل ويعيش في بطالة.
ضرب ” توفيق عكاشة ” بالحذاء من قبل النائب كمال أحمد يكون في نظر البعض عملية متخلفة ، وما تلاها من قرارات ضد النائب كمال وأيضاً ضد توفيق عكاشة التي قد أقيمت لامتصاص الغضب ، والمضحك أن القادة في اسرائيل لم يشكروا عكاشة على استضافته – الفضيحة – بل أكدوا ان استضافة عكاشة للسفير الاسرائيلي في بيته بعد أن وجه له الدعوة ، لم تستفد منها اسرائيل بل بالعكس أضرت به ، وهنا نعرف أن أي خطوة اسرائيلية هي محسوبة وماذا ستجني منها الدولة الصهيونية .
الزمن غير الصحيح .. مؤتمرات واجتماعات عربية ، بورصات في التنازل ، اسعار العملات تتكلم والسعودية تدفع ودول الخليج يرفعون الاسعار لكل دولة عربية سعرها ، ولكل رئيس عربي سعره .
توفيق عكاشة البرغي الصغير جداً في ماكنة التصريحات واللقاءات العربية ، واذا كان النائب كمال أحمد استعمل لغة الحذاء مع عكاشه ومنتظر الزيدي قذف بوش ، فكم رئيس وزعيم عربي بحاجة الآن الى الف حذاء ينهال عليه .
لقد اصبحنا نعيش اليوم في زيارة لمقابر الرؤساء والقادة والأزمنة التي مضت وما زالت في الذاكرة ، حيث نترحم على التاريخ الماضي ، لأن الحاضر والقادم مخيف .
قبل أيام عاد رائد الفضاء الامريكي” سكوت كيلي” من الفضاء بعد أن بقي نحو عام في الفضاء مع آخرين ، لقد حسدتهم على البقاء بعيداً عن الأرض ، لم أجد وانا اقرأ الخبر الا أغنية فيروز التي تتوق فيها العودة الى بيسان ، الى أن تصل الى مقطع ” الى بيسان خذوني معكم ” ..أنا أقول الى الفضاء خذوني معكم حتى نرتاح .