الإنقسام قراءة أخرى : بقلم : د. ناجي صادق شراب

فلسطين
بقلم :د. ناجي شراب – فلسطين المحتلة ..
للإنقسام الفلسطيني قراءات كثيره، ويمكن ان يقرأها كل طرف من منظوره. لكننا هنا امام حالة سياسية غير مسبوقة في تاريخ حركات النضال الفلسطينى. والقراءة المتداولة هي القراءة السياسية وحصرها بين حركتى فتح وحماس. والواقع أنها أبعد من ذلك.القراءة الأولى على مستوى الحركتين التي باتت كل منهما تحكم في منطقة سيطرتها وكأن هذا أقصى ما يمكن الوصول إليه ، والسعى بكل وسائل القوة للحفاظ عليه، فالفشل في التعايش على مستوى الحركتين لأسباب تتعلق بالرؤية والمرجعية الدينية و ألأيدولوجية تكشف عمق التناقض والتباعد بينهما، فعلى الرغم من شعار فلسطين والتحرر فالإختلافات الفكرية والسياسية والتصورات والإرتباطات الخارجية حولتهما لحركتين غير قابلتين للألتقاء والتعايش ، وهذا المستوى الأول للإنقسام ، والقراءة الثانية للإنقسام الفشل في بناء نظام سياسى توافقى قادر على احتواء وإحتضان كل القوى السياسية ، فعلى سبيل المثال وبالمقارنة بإسرائيل لديها نظام سياسى يجمع كل القوى والأحزاب السياسية في إطاره ، والبقاء هنا للنظام . اما في الحالة الفلسطينية وبمجرد نجاح حماس في الانتخابات الأخيرة برزت التناقضات في النظام السياسى القائم على أحادية قوة فتح وسيطرتها على كل مؤسسات النظام والسلطة، وهذه البنية السياسية لم تكن من النضج السياسى لإستيعاب او قبول فوز حركة حماس، وفى الوقت ذاته فوز حركة حماس وتشكيلها الحكومة الفلسطينية لم تكن قادره ان تستوعب ان الحكومةه لفلسطين وليس للتظيم ، ففشلت في اول تجربة لعملها على تحويل النظام السياسى لنظامها ، فكان الفشل والذى إنتهى بالإنقلاب على النظام نفسه. وهذه القراءة تتكرر اليوم في بنية منظمة التحرير والجدل والخلافات حول شرعية وتمثيلية منظمة التحرير . والقراءة الثالثة في غياب المرجعية السياسية الملزمة لكل القوى والفصائل الفلسطينية. والمقارنه ثانية مطلوبه مع إسرائيل التي تحكم كل احزابها ألأيدولوجية الصهيونية السياسية فليس مهما من يحكم طالما توجد مرجعية سياسية ملزمه وهذا حال كل النظم السياسيه الأخرى ، في الحالة الفلسطينية كل فصيل وخصوصا حركتى فتح وحماس لها مرجعيتها ورؤيتها السايسية التي ترى فيها انها ملزمه للكل ، وتلغى رؤية الفصيل والتظيم الأخر. وهنا الفوز في الانتخابات يعنى الغاء للآخرين بدلا من الاتفاق على رؤية وطنيه تتماهى مع ماهية ومكونات القضية الفلسطينية، بعبارة أخرى رؤية وطنية تنطلق من القضية وليس التظيم . والقراءه الأخرى الإنقسام في مفهوم التعددية السياسية، فلدينا تعدديه عدديه تعكس عمق الإنقسام مما أدى إلى تراوح هذه الفصائل ما بين حركتى فتح وحماس، وهذا يعنى تحول الإنقسام لحالة مركبه معقده وليس بمعنى التعددية السياسية وتداول السلطه.والقراءة الأهم للإنقسام إنقسام وتفكك القضية الفلسطينية. وتحولها لحالة نزاع ثنائى فلسطيني بدلا من فلسطيني إسرائيلى حول الأرض والحقوق. هذه القراءة من الإنقسام هي الأخطر لأنها كانت أحد المبررات للتطبيع والسلام العربى الذى وجد في الإنقسام مبررا لهذه التوجهات، ويرتبط بهذه الصورة من الإنقسام تمادى إسرائيل في سياساتها الإستيطانية والتعامل مع الفلسطينيين في غزه والضفه من منظور ماذا تريدون من حاجات، في الضفة حفاظ على السلطه من خلال التنسيق، وفى غزه حفاظ على بقاء حركة حماس والتحكم من خلال الحصار وتحول القضية لقضية حاجات ومتطلبات ماليةة وسلعية ، وفى النهاية الحفاظ على الهدوء على الحدود بمفاوضات غيرمباشره ولا خلاف في النهاية بين الحركتين في الضفة وغزه البقاء للتنظيم على حساب القضيه التي تحولت فقط لإستراتيجية حفظ ماء وجه يخفى الجميع مطالبهم ورائها.وتذهب هذه الصورة من الإنقسام إلى ابعد من ذلك بتحول الإنقسام إلى بنية سياسية منفصلة ومستقلة يصعب أن تلتقى عند نقطة التقاء فلسطينيه بغياب القضية الفلسطينيه، وكما نرى اليوم لدينا اليوم بنية حكومية وأمنية ووظيفية مختلفه عن الأخرى وهو ما يعنى نجاح الإنقسام في التحول إلى كيانين سياسيين منفصلين وهذا أقصى ألأهداف، وهذا ما يجعلنا أن نقول أن الإنقسام نقيض للقضية الفلسطينيه ونقيض للدولة الفلسطينية، وتصبح لدينا كينونة سياسية في غزه وأخرى في الضفه. وهذا تنفيذا للحل الإسرائيلي في تحويل القضية إلى قضية إقتصاد. هذه القراءة للإنقسام تماثل القراءة الإسرائيلية وهنا تنفيذ هذه القراءة بأدوات فلسطينية لأن إسرائيل لا يمكنها ان تحقق ما تريد بدون آليات فلسطينية. وهذا قد يكون أحد أهدافها في الانسحاب من غزة احاديا إدراكا منها للوصول لهذه الحالة من الإنقسام ,تبقى قراءة أخرى للإنقسام وهى القراءة الخارجية والمتمثله في تبنى بعض الدول لكل من الحركتين وحرص حركة الأخوان على الحفاظ على بقاء حركة حماس ودعمها بكل عناصر القوة حفاظا على وجودها تحسبا وإنتظارا لتحولات خارجيه ، فهناك مصلحة في بقاء حركة حماس في غزه وبقاء حركة فتح فى الضفة , وأيضا ان هذا الإنقسام أقصر الطرق للتخلص من عبء القضية وتحمل الطرف الفلسطينى مسؤولياته ومبررا لكل السياسات والتحولات العربيه والدولية والإقليمية. ويبقى ان الإنقسام بفعل فلسطيني لحسابات ولمصلحة خارجية إسرائيلية .
************
drnagishurrab@gmail.com