الإفراط فى إستخدام القوة:خيار من لابديل له!

اراء حرة (:::)
بقلم : د . ناجي شراب – فلسطين المحتلة (:::)
لعل أول درس يتعلمه طالب العلاقات الدولية أن القوة هى أساس العلاقات بين الدول ، والقوة فى أوسع معانيها القدرة فى التاثير على سلوك الدول الأخرى للتوافق مع اهداف الدولة التى تمارس القوة، والقوة عملية تراكمية متعددة الإتجاهات.. والقوة هى أساس تصنبف الدول على سلم القوة ،فتصنف الدول إلى  دول عظمى  ودول كبرى ودول مؤثرة وأخرى صغيرة . وتصنف الدول من حيث اهدافها أيضا بدول قوة تسعى للسيطرة والتملك والنفوذ مثل أمريكا وروسيا وإيران وإسرائيل مثلا، ودول إنسانية تسعى وتسخر إمكاناتها من اجل اهداف إنسانية مثل دولة الإمارات. وتتفاوت عناصر القوة ومكوناتها من دولة إلى أخرى ، لكن الملاحظ على التوزيع الجغرافى للقوة ان الدول الصغيرة تملك عناصر مهمة من القوة ، وهذا قد يقود لما يمكن تسميته بنظرية التكامل فى عناصر القوة . وترتبط القوة بالسلوك السياسى للدولة ، وباهدافها القومية ، وهذه الأهداف تتمحور حول الهيمنة والنفوذ والتمدد لجغرافى ، وهذه الأهداف تتعارض مع اهداف الدول الأخرى وخصوصا دول القوة التى لها نفس الأهداف. ، وهذا ما يفسر لنا الإعتماد على القوة الذاتية فى حماية مصالح وأهداف الدولة ، فلا توجد دولة لا تسعى لتضخيم عناصر القوة لديها ، وخصوصا القوة العسكرية التى تعتبر العنصر أو المكون الأساس فى قوة الدولة.ويتجسد هذا فى الموازانات الضخمة التى تخصصها الدول لدعم وإمتلاك احدث الأسلحة . وهنا تكمن معضلة أوإشكالية القوة فى العلاقات الدولية ، او ما يمكن تلخيصه فى معادلة القوة : القوة العسكرية زائد السلوك القومى للدولة تساوى مزيد من اللجؤ للقوة ، ومزيد من التناحر والمنازعات والحروب بين الدول، ومزيد من الإفراط فى إستخدام القوة.ولذلك وعلى مدار كل مراحل تطور العلاقات الدولية كانت القوة العسكرية السمة البارزة فى هذه العلاقات، وزاد الإعتماد على القوة العسكرية مع بروز وظهور الدولة القومية فى أعقاب مؤتمر وستفاليا عام 1648، ومنذ ذلك التاريخ والقوة مرتبطة بالسلوك القومى للدولة وأساسه الهيمنة والسيطرة والتوسع، وإعتماد الدولة فى تحقيق امنها على قوتها الذاتية أساسا. وأقترن هذا السلوك بعدم الثقة من ناحية ، وبمعضلة ألأمن التى ما زالت تحكم السلوك السياسى للدول ، منذ ثيوسيديس الذى وضع بذور نظرية القوة او الواقعية اليوم ، وهى النظرية المسيطرة والمفسرة للعلاقات بين الدول ، واساسها هذه النظرية ان الشر هو المكون الأساس فى سلوك الأفراد الذى ينتقل ايضا على مستوى الدولة ذاتها.هذه الواقعية بات لها انصارها فى كل دول العالم، وليست قاصرة على دول القوة فقط، بل حتى الدول الصغرى ، وهى التى تفسر لنا إنتشا رالحروب والمنازعلت بين الدول،وتفسر لنا ايضا هذا الإستخدام المفرط للقوة فى بعدها العسكرى. والخطورة فى نظرية القوة أنها لم تعد محتكرة على الدول فقط، بل إن الفواعل من غير ذات الدول ، وخصوصا الجماعات والحركات المتشددة والمتطرفة أيدولوجيا وعقيديا من كل التوجهات إسلامية أو غير إسلامية باتت قادرة على الوصول على إمتلاك القوة بكل أشكالها ، وهذا قد يزيد من تعقيدات الإستخدام المفرط للقوة،بل إن الجماعات ألأخيرة لا تتقيد باى معيقات فى لجؤها للقوة ، مما قد يدفع الدول الأخرى لإستخدام القوة بدرجة أعلى.وظاهرة القوة المسلحة تنتشر بشكل كبير فى كل المنازعات الدولية وألإقليمية ، وخصوصا فى المنطقة العربية. وإشكالية إستخدام القوة المسلحة انها لا تحسم النزاعات القائمة ، قد تفرض حالة قوة ، لكنها مؤقته ، وترتبط بتغير موازين القوى ، وهى غالبا متغيره، وغير ثابته، فالتحولات فى معادلات القوة سمة واضحة فى العلاقات المعاصرة ،وعليه لقد أثبتت القوة المفرطة فشلها فى حسم العديد من المنازعات. وترتبط بإستخدام القوة إشكاليتين ، ألأولى إستبعاد المعايير الأخلاقية وتجردها من إنسانية القوة ،فلا مجال للإعتبارات الأخلاقية والإنسانية ، ولذا يروح ضحيتها دائما المدنيين ألأبرياء, وإلإشكالية الثانية شرعية القوة ، وهنا يبرز دور الأمم المتحدة التى توفر هذه الشرعية الدولية لإستخدام القوة ، وهذه الشرعية تاخذ شكلان ، التفويض الدولى لتحالف دولى يستخدم القوة فى إطار هذا التفويض ، والشكل الثانى ما يمكن ان تقوم به ألأمم المتحدة بشكل مباشر,وتضاف إشكالية اخرى للقوة العسكرية وهى إشكالية الرؤية والأهداف السياسية للقوة المسلحة . ومهما توفرت المبررات لإستخدام القوة العسكرية لكنها تبقى عاجزة عن تحقيق ألأهداف منها ،بل من شان ألإفراط فى إستخدام القوة ان تتسع فجوة الكراهية والحقد والرغبة فى القتل والثأر، وقد يشكل الصراع العربى الإسرائيلى ، وما يجرى فى ألأراضى الفلسطينية من مواجهات عسكرية ، والإستخدام المفرط للقوة من جانب إسرائيل،ان يؤدى إلى مزيد من القوة من الجانب الفلسطينى ، وقد اثبتت سنوات الصراع فشل اسرائيل فى تحقيق أمنها وبقائها ، وفشل الفلسطينيين فى قيام دولتهم. والبديل للقوة العسكرية المفرطة تفعيل قوة الشرعية الدولية ، وتفعيل دور الأمم المتحدة فى تحقيق التوازن فى الحقوق بين الدول، والعمل على تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية ،والحوار والتكامل فى الحقوق بين الدول وبتفعيل قيم التعاون والحوار بين ألأديان. فرسالة كل ألأديان الحوار ونبذ العنف، وتحريم القتل الإنسانى.
دكتور ناجى صادق شراب
drnagish@gmail.com