دراسات …..
مهند إبراهيم أبو لطيفة – الاردن …
لا تجد قاموسا سياسيا ، قديما أو حديثا ، لا يخلو من تعريف لمصطلح الأوليغارشيه ، وكونه يعني حُكم فئة قليلة. والمُصطلح مأخوذ من الكلمة اليونانية أوليخاريا. ويُعتبر من المصطلحات المركزية الأهمية في الفلسفة السياسية بالرغم من أنه ليس شائعا سوى في أوساط بعض المثُقفين.
هي شكل من أشكال الحكم أو السُلطة السياسية التي تنحصر بيد فئة قليلة من المتنفذين في المجتمع لأسباب مختلفة أهمها: ملكية رأس المال، الجبروت العسكري، الإنتماء لعائلات بعينها تحظى بالقوة والنفوذ.
أول من أشار إلى الأوليغارشية ، هو الفيلسوف اليوناني أفلاطون- لأنه أول فيلسوف يوناني وصلتنا كتاباته- في مؤلفه ( الجمهورية) حيث كان يتحدث عن أشكال الحكم الممكنة، وفي كتابه (السياسة) أشار إلى الأوليغارشية وانها تستبد على القانون ولا تحترمه. بعده أكد ارسطو على مركزية واهمية رأس المال وامتلاك الثروة على صيغة وشكل الحكم السياسي ، وارتباط الاوليغارشية باتساع طبقة أصحاب الأملاك.
الأوليغارشية ، هي حكم فئة من الناس ، وليس بالضرورة نُخبة الناس ،تملك لكي تحكم وتحقق مصالحها الأنانية على حساب مصالح مجموع الشعب، وبالتالي تقود إلى حكم استبدادي كلما تعمقت التناقضات الإقتصادية والإجتماعية بين الحاكم والمحكوم.
ويُطلق المصطلح أيضا على فئة تملك السُلطة في المجتمع وتؤدي دورا وظيفيا طُفيليا لمصلحة النفوذ الأجنبي لغياب الرصيد الشعبي والجماهيري لها. ويمكن أن تكون قد تم تصدريها للمجتمع في ظرف تاريخي ما للامساك بالسلطة بالوكالة.وتعتمد على شرائح اجتماعية محلية مثل رجال الإعمال، رجال الدين ، المؤسسات القبلية والطائفية، بعض الأحزاب والحركات السياسية والإجتماعية، الاعلام ، ميليشات مسلحة…الخ.
تُنافس الأوليغارشية الطبقة الوسطى في المجتمع ، ويمكن أن تتحالف معها أيضا، أو أن تُشركها معها في جزء من تقاسم السُلطة إذا تطلب الأمر السيطرة على الحياة الإقتصادية ، السياسية ، الإجتماعية ، الثقافية في مجتمع من المجتمعات.
بالرغم من أن الأوليغارشية لا تُمثل سوى فئة قليلة من السكان ، إلا أنها تستميت للحفاظ على هيمنتها ,احتكارها لمفاصل الدولة ولاطول فترة ممكنة لذلك هي بحاجة لأجهزتها العسكرية والأمنية.
وطالما أن مصالح مُعظم الشعب لا تُراعيها الأوليفارشية، فاستمرار الصراع والتناقضات المجتمعية ، والاستبداد حالة تواكب الحكم الأوليغارشي.
بالثورات الجذرية فقط كان ممكنا تاريخيا إسقاط الحكم الأوليغارشي ومحاولة ايجاد صيغة أفضل للحكم للتعبير عن مصالح الأغلبية وإلى حين.
فحسب الفهم الديمقراطي: الشعب هو صاحب الولاية ، ومصدر السُلطات ، والدولة يجب أن تكون الأداة التي تقوم على تنفيذ وانجاز رغبات ومطالب ومصالح الشعب.إلا أن الأوليغارشية تسعى بشتى السُبل والتكتيكات لتحييد الشعب وقواه الحية، و تعمل على تضليله باعلام ديماغوغي يتفنن بكي الوعي ويحول الشعب إلى قطيع يلهث من أجل رضى الحاكم على أمل تحقيق بعض المصالح أو تجنبا لغضب وبطش أجهزته القمعية ، أو مستهلكا بلا وعي لما يحتاجة ولا يحتاجه.
من مصلحة الأوليغارشية ، أن يبقى الشعب مسلوب الإرادة، مُغيبا، بلا طموح سياسي أو إجتماعي حقيقي، لتزداد الثروة ويتراكم رأس المال أكثر قأكثر. وكلما ازداد احساس الشعب بحاجته للعدالة الإجتماعية لضنك العيش، بدأت الأوليغارشية عبر أدواتها المختلفه تتعامل مع هذه المطالب بطرق وأساليب متعددة ومنها الإصلاحات غير الجذرية ، وتحقيق بعض المطالب الشعبية غير الجوهرية ، وتدجين بعض القوى والحركات التي تتبنى مطالب شعبية ودمجها في اللعبة السياسية ، ومنها البرلمان ، مجالس الُحكم، جبهات الإنقاذ، مجالس الشورى والأعيان وغيرها من الأمتيازات الوظيفية والفئوية ، الألقاب ،الأوسمة والنياشين.
تستخدم الأوليغارشية الدستور والقوانين لتبرير أو تثبيت حكمها ومنها طبعا التعديلات الدستورية. وكلما أحست بحاجتها لضمان استقرارها، سعت الأوليغارشية لاشراك بعض الطامحين في الُحكم على حساب تمثيل حقيقي لمصالح الشعب.
ساد النظام الأوليغارشي منذ حكم اليونان القديم والرومان في أغلب دول العالم وعلى مدار التاريخ وحتى يومنا هذا.
من مصلحة الحكم الأوليغارشي افتعال الحروب ، ايجاد عدو خارجي ، النزاعات ، الصراعات الفئوية ، الطائفية ، القومية ، الحزبية ،الدينية واستخدامها لتثبيت أركان حكمه. مع أن اغلب سكان كوكب الأرض يحلمون بالتعايش والسلام .
الدولة في ظل الحكم الأوليغارشي وكل مؤسساتها ، هي وسيلتها من أجل مزيد من السطوة والقوة، هي واجهتها، حامل حقيبتها ، مندوب مبيعاتها . وتصبح العلاقات الدولية ، علاقات بين أوليغارشيات عابرة للحدود ، متعددة الجنسيات.
في ظل الحكم الأوليغارشي ، تصاب معظم الأحزاب السياسية والقوى الإجتماعية ، بعدوى أوليغارشية الطابع والمضمون ، وتتكرر دياناميكيات وعلاقات تمارسها السلُطة الحاكمة رغم شعاراتها العاطفية ، الجماهيرية ، الرنانة. فتحت شعار العقلانية والاصلاح، تُصبح من دكاكين السُلطة الحاكمة تبيع الشعب نفس البضاعة.
تتحول الأوليغارشية إلى ثقافة (جماهيرية) نرى تداعياتها في بُنية القبيلة ، العائلة ، الأسرة الصغيرة.
إنها اللعنة التاريخية نفسها ، التي ترافق مسيرة البشرية منذ فجر التاريخ من أجل المال، النفوذ ، السُلطة