الرابط : القصة (::::)
سحر فوزي – مصر (::::)
الطبيب : للأسف ابنتك حالتها خطيرة جدا
سألته : وما السبب في تدهور صحتها إلى هذا الحد ؟
أجابها: لأن الأجهزة التي استخدمت في الجراحة ، التي أجريت لها ، كانت ملوثة!!
ردت وهي تبكي : تعني أن ابنتي ستضيع مني يا دكتور؟
رد محذرا: لقد تأخرت كثيرا ، وإذا تأخرت أكثر من هذا ..هناك خطر كبيرعلى حياتها
تماسكت الأم وسألته : وما العمل ؟
قال لها : هذه قائمة بالتحاليل ، والأشعات المطلوبة ..لابد من الانتهاء منها بأقصى سرعة ،وتلك قائمة أخرى بتكاليف الجراحة..( بدأها بأتعابه طبعا ، والتي تقدر بآلاف الجنيهات فالحالة خطيرة والأم منهارة .. ولابد من استغلال الموقف)
خرجت الأم تجر قدميها بعد أن أصابتها حالة من الذهول.. تارة مما سمعته عن حالة ابنتها ، وتارة أخرى من التفكير في تدبير تكاليف الجراحة ، التي ستأتي على الأخضر واليابس .
قررت الأم أن تجري التحاليل ، والأشعات اللازمة أولا ، وبعد ذلك لها رب يدبرها ،
وفي مركز الأشعة أخبرها موظف الاستقبال معتذرا أن الجهاز في الصيانة..وانه يمكن إحضارها بعد يومين!!
توجهت إلى مركز آخر .. رحبت بها الممرضة، و أخبرتها أنها لم تتمكن من استلام الأشعة إلا في مساء اليوم التالي ..حتى يتم كتابة التقرير!! (إلا إذا) دفعت ضعف التكاليف ، في هذه الحالة فقط يمكنها استلامها في الحال (حسب أوامر الطبيب صاحب المركز طبعا).. لم تمانع الأم فحياة أبنتها أغلى بكثير .
وبعد معاناتها مع مراكز الأشعة .. توجهت مسرعة إلى معمل التحاليل .. وهناك أخبرها الطبيب أن التحاليل المطلوبة ستستغرق 48 ساعة حتى يتم جمع العينات من جميع المرضى ، وإرسالها إلى المركز الرئيسي دفعة واحدة (عشان يبقى مشوار واحد ) استمرت تبحث عن معمل تحاليل يغيثها ، ويعطيها النتيجة في نفس اليوم ..فالوقت يمر ، وحالة الابنة تزداد سوءا .. حتى هداها الله إلى معمل تحاليل ، وافق على إعطائها النتائج بعد ساعة واحدة ..لكن الأمر يحتاج إلى المزيد من المال .. لم تمانع.. فكل ما يهمها الآن هو أن تتمكن من عرضها على طبيبها قبل فوات الأوان..أنهت الأم قائمة الطلبات في وقت قياسي ، واتصلت بالطبيب المعالج تخبره بأنها أنهت ما أمرها به..وطلبت أن تقابله ، ليطلع على النتائج ويتخذ ما يلزم لإنقاذ حياة أبنتها
وجاءت الطامة الكبرى ..عندما أخبرها الطبيب في تبلد تام ، وتكبر لم يسبق له مثيل .. أنه لم يستطع الإطلاع على ما طلب من أشعات ، وتحاليل اليوم ، وأن عليها الانتظار، والالتزام ، بالحضور في مواعيد العيادة الرسمية.. ولما ألحت عليه مترجية أن يطلع عليها ليطمئنها ..ويقرر ما يجب فعله .. لأن مرور الوقت كما نصحها ..ليس في صالح ابنتها ..قال لها موبخا : (هو ده عيب المصريين.. المفروض أنك بتفهمي ..كنت فين من زمان.. جاية دلوقت ، وعايزاني أعالج بنتك .. من أخطاء غيري .. ما تروحي للي أخطأ زي ما رحت له سابقا وخليه هو يعالجها ) ردت عليه الأم مشمئزة : صدقت.. سنظل بالفعل لا نعرف قواعد ، وأصول الطب كما هو متبع في أمريكا ، وأوروبا ، والدول المتقدمة.. التي تدعون أنكم تعلمتم ، ومارستم الطب بها ، و زاملتم جامعاتها ، وأكاديمياتها.. وتلصقون أسماءكم بها حتى تتمكنون من رفع أجوركم ، وأنوفكم في وجوه أبناء بلدكم ، وتجذبون اكبر عدد ممكن من المرضى ، وتحصدون المال من أصحاب المحن ، فهم حقا سبقونا في كل شئ ، لسبب بسيط جدا ، هوأنهم يقدرون قيمة الوقت في حياة مرضاهم ، ويعلمون جيدا أن الثانية الواحدة ، تفرق بين الحياة ، والموت ، وان من ارتضى أن يحمل لقب طبيب لابد أن ينسى ساعات العمل المحددة، ولا يتحول إلى موظف معقد ملتزم بمواعيد العمل الرسمية .. يقول لطالب الخدمة: (فوت علينا بكره) ، وان يلغي من قاموسه بعض الكلمات والجمل المميتة مثل ( أتعابي .. حجز .. بعد أسبوع ..الحضور بموعد سابق .. معتذر اليوم.. إتصلى بالسكرتيرة وهي تبلغني .. الفيزيته..إضراب..اللي معهوش ما يلزموش..دور لك على مستشفى مجاني .. أنا غير مسئول عن أخطاء غيري ..روح للي عملها لك ..مفيش ولا سرير فاضي وهو حاجز الأسره لأصحاب الواسطة والمعارف والمحسوبيات) ويتذكر فقط أنه مسئول عن حياة مرضاه .. فالأطباء الذين أهملوا فتسببوا في إيذاء مرضاهم ، والأطباء الذين استغلوا علمهم في ابتزازهم ، والتعالي ، والتكبر عليهم ، والمتاجرة في آمالهم ، وأحلامهم ، وطموحهم في الشفاء ، فضاعفوا أجورهم ، والأطباء الذين ، رفضوا مساعدتهم ، ولو بالمشورة ، حتى فقدوا أرواحهم ، والأطباء الذين لا يقدرون قيمة الوقت في حياة مرضاهم .. لا يدخلون الجنة !!
( نعيب زماننا والعيب فينا…..وما لزماننا عيب سوانا….ونهجو ذا الزمان بغير ذنب….ولو نطق الزمان لنا لهجانا )
بقلم /سحر فوزي / كاتبة وقاصة مصرية / 21/3/2013