لماذا لا توجد صبية فلسطينية تكتب مذكراتها مثل آنا فرانك – بقلم : شوقية عروق منصور

آراء حرة ….

شوقية عروق منصور – فلسطين المحتلة ..

آنا فرانك تلك الصبية اليهودية  الصغيرة التي كتبت مذكراتها ، فكانت الشجرة التي أثمرت الأضواء ، ففي الصفحات والأسطر والحواشي كانت بقايا عائلة تلهث في ظل الخوف ، تعيش بين الجدران السرية لكي لا تقع في أيدي النازيين ، وفي النهاية لم تكتب الصبية  في المذكرات كيف كانت نهايتها ، لكن ما بعد ذلك أمطرت السماء ، وجوهاً ، وأفلاماً ، واغنيات ، وتذكاريات ، وصورا ورسومات جميعها ترتدي أثواب العطف والحنان ، تتقمص الانسانية التي أكلها الوحش النازي  ولم يرحم طفولتها.

” مذكرات فتاة صغيرة ” العنوان الذي وجدت فيه الصهيونية السلالم المتحركة للوصول الى ممالك التعاطف ، حيث لفت تلك المذكرات بروائح الموت ، والتعذيب ، والاختباء ، والخوف ، وحملت السطور كالسجاجيد الممزقة  فوق الاكتاف ، لكي تمشي الضمائر فوقها وتصاب بعقد التأنيب والانتحاب واللوعة ، تنفض عنه غبار التجاهل الذي نثروه آنذاك.

وكانت مواسم الندم التي لم ولن تنتهي ، وطقوس اللطم التي تجسدت في الافلام والمسرحيات والاغاني والرسومات  والمسلسلات ، أول فلم كان سنة 1959 ” يوميات آنا فرانك ” تم انتاجه في أمريكا ، ونال جائزة اوسكار .

رغم أن آنا فرانك ولدت في هولندا سنة 1929 الا أنها عاشت في المانيا ، وقد اضطرت الى الاختباء مع عائلتها  في غرف سرية تحت البيت بعد أن بدأ النازيون في اضطهاد اليهود ، وبعد عامين من الاختباء تم القاء القبض عليها مع شقيقتها وتم ارسالهم الى معسكرات الاعتقال وماتت سنة 1945 – حسب ما يقال نتيجة الحمى – وبعد انتهاء الحرب عاد والدها الناجي الوحيد من الاسرة وقام بنشر مذكرات ابنته عام 1947 ، منذ ذلك الحين ترجمت الى العديد من اللغات ، واتخذ الشعب اليهودي من قصتها مثالاً للبطولة والقوة وأيضاً للخوف الكامن في انتظار الموت ، ودائماً مذكراتها موجودة في كل المناسبات اليهودية فهي شعلة الاضطهاد.

لكن دائماً اتساءل لماذا حتى اليوم لم تستطع فتاة فلسطينية كتابة مذكراتها بجرأة ، في كل المذابح والحروب والحصار ، لم تقف فتاة صغيرة مسجلة مذكرات خوفها وانتظار الموت المفزع ، رغم أن الصور سجلت المذابح ضد الفلسطينيين ، من جثث منتفخة الى جثث مقطعة الى دماء نازفة ، رغم الكاميرات التي ما زالت تسجل يومياً المطاردات والاعتقالات والحواجز والهدم ، لكن لم نصل الى هذا الذهول ، الى لمعان الحدث الذي يسابق الاحزان والمنافي واللجوء ، لم نصل الى هز الضمير العالمي عبر استراتيجية اعلامية ، يجب أن تقوم بها السفارات الفلسطينية في الدول التي تتواجد فيها ، تقوم بها وزارة الاعلام الفلسطينية – اذا وجدت – .

هل نحن في واد ومطبخ الاحزان في واد آخر ، لا يكفي الفلم الفلسطيني الذي يرفع هامته بين وآخر ، حتى نسجل به  قضيتنا وتطوراتها  .

مثلاً لماذا لا نلقي الضوء على الفتاة الفلسطينية  ” استبرق ” التي تبلغ 14 عاماً – مثل عمر آنا فرانك – التي قبل أن تصل الى بوابة مدرستها في نابلس أوقفتها سيارة عسكرية وأطلقت عليها النار ، وبقيت ” استبرق ” ملقاة حتى نقلتها سيارة الى مستشفى شنايدر في اسرائيل ، لم يرافقها أحد ، لا أب لا أم ، وبعد علاج دام ثلاثة أيام نقلت استبرق الى السجن ، لكن السجن لم يقبلها بسبب صغر سنها ، حتى سجن شارون النسائي أعلن أنه أصبح مزدحماً  ولا مجال لاستيعابها ، تم أخيراً قبولها في غرفة منفردة في سجن عسقلان حيث تغيب عنها كل المقومات الانسانية ، هذا ما نشرته هيئة الاسرى الفلسطينيين كأنها تنقل خبراً عابراً ، وليس حياة طفلة لم تجد أحداً حولها ، تخيلوا وقع السجن عليها.

استبرق التي أخذ اسمها من خيوط الذهب لم يلفها الذهب والحرير والنعومة يوماً، لا تدري ماذا فعلت ؟  ولماذا هي أسيرة ؟ وعائلتها تبكي غيابها ولا تعلم كيف تواجه سجن ابنتهم ..!!  وقد مثلت استبرق عدة مرات أمام المحكمة الاسرائيلية ، وما زالت قابعة في السجن ، ولكن قصتها التي قد تبدو بسيطة هي موازية للفتاة آنا فرانك التي لم يترك العالم أوراقها إلا وقام بلمسها وشم عبق عذابها وطارد خوفها .

حكايات الأطفال الفلسطينيين مع الموت والخوف والاعتقال والرعب والملاحقة والمواجهة اليومية مع الجنود قد تحوي مئات المذكرات والمجلدات، لكن التسجيل والتوثيق والنشر هي أطواق نجاة للذاكرة .

لم تكتب عائلة الدوابشة قصة موتها الليلي المخيف ، حكاية اصطياد أنفاسها البريئة .. لم تكتب لأن أصابع الحرق والنار كانت أقوى من الحبر ، لكن حين تتنفس تلك الليلة مرة أخرى فوق الورق وتنشر وتوثق قد تعيش مرة أخرى .

ينقص القضية الفلسطينية ذلك الصراخ العالي .. ينقصه اقتحام الحكاية اليومية ليس عبر نشرات الأخبار المملة ، بل عبر استراتيجية يجب أن تتبناها المؤسسة الفلسطينية ، فليس بالتصريحات والمفاوضات يحيا الفلسطيني .

اذا كان عندهم صفحات آنا فرانك .. فنحن نملك آلاف الفرنكات الفلسطينية .. هل هناك من يلملم الحكايات عن أهداب التثاؤب ..