من يقف وراء انفجارات بيروت وفق البيانات الأولية – بقلم بكر السباتين

الجريمــــــة ….
بقلم : بكر السباتين – الاردن – فلسطين ..
كانت بيروت غافية والأنظار متجهة نحو المستقبل الغامض في ظل انهيار لبنان اقتصادياً، والعقول الملجمة تخزن الأسئلة كبراميل الأمونيا.. “من يسعى إلى تدمير اقتصاد لبنان! ولمصلحة من! هل لسلاح المقاومة شأن في ذلك! هل تقف ما يسمى بإسرائيل وعملاؤها العرب في الخليج وراء ذلك بالتنسيق مع تل أبيب.. مثلاً!؟ أليس الفساد المستشري في لبنان له بواعث من عفن الدولة العميقة المتمثلة بالحكومة التي يتقاسمها الفرقاء واللصوص!؟ كم من العملاء المجيرين لكل الأجندات في لبنان المنتهك الجريح ممن سمحوا لجعل لبنان ساحة مباحة للصراع الإقليمي والدولي عبى صعيدي الإرهاب والتضليل الإعلامي!
وبغتة انفجرت الأسئلة في العقول حينما دوّى انفجاران متعاقبان في العنبر 12 في ميناء بيروت.. واستيقظ الشعب اللبناني المغبون على كارثة شبيهة بهروشيما.. انفجار أولي أثار الدهشة وجذب الأنظار وأعطى متسعاً لعدسات التصوير كي توثق مشهد الانفجار الثاني المزلزل المفاجئ، والذي بدا كأنه حبة فطر مفرغة من الداخل.. ذكرتنا بالقنبلة النووية التي ألقيت على اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية بقرار أمريكي، فنجم عن انفجار بيروت بلمح البصر دمار شامل امتد لعشرات الأميال؛ فطيّر العقول وبعث الرعب في القلوب الواجفة.
ما زالت المعلومات الأولية تغذي الأسئلة بالمعطيات.. مع أن كل الشواهد تشير إلى تداعيات الموقف بين حزب الله من جهة، ودولة الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، دون تبرئة الفساد والتسيب والإهمال الحكومي الذي ساعد على حدوث هذا الانفجار المرعب الثلاثاء الماضي.. فمن المسئول عن تخزين المواد الخطيرة في العنبر 12! هنا يكمن السؤال الأخطر في هذا الحدث الجلل.. الذي أدى إلى سقوط 73 قتيلا وأكثر من 3700 جريحاً بحسب السلطات، فتحولت المستودعات في مرفأ بيروت الى ركام. بحيث شوهدت في كل شوارع العاصمة وأحيائها، سيارات مدمرة متروكة في الطرقات، وجرحى تغطيهم الدماء، وزجاج متناثر في كل مكان. ووصل تحطم الزجاج والخراب الى الضواحي والى مناطق بعيدة نسبيا عن بيروت. ووقع الانفجار بعيد الساعة السادسة مساء. وبعد ثلاث ساعات لم يتوقف صوت سيارات الإسعاف، وهي تجوب كل أنحاء العاصمة ناقلة المصابين الى المستشفيات، بينما انتشرت صور مرعبة لدمار في كل مكان، وساد هلع بين المارة.
وأكد مصدر أمني لبناني أن الانفجاران ناجمان عن “انفجار مستودع يضم كميات من نيترات الأمومنيوم”.
وقال مسؤول أمني لبناني كبير إن حوالي 2700 طن من نترات الأمونيا تسببت في الانفجار.
وأشار مصدر أمني لوكالة فرانس برس إلى أن هذه المواد مصادرة منذ سنوات من باخرة أصيبت بعطل في مرفأ بيروت، “ما دفع بالقيمين عليها إلى نقلها إلى العنبر رقم 12 في المرفأ”.
وأضاف “منذ عام بدأت ترشح من الشحنات مادة شديدة الانفجار”، مشيرا الى أنه لم تتم “متابعة المسألة بالشكل المطلوب” وهذا إهمال واضح تدان به الحكوم.
وتعهد رئيس الحكومة اللبناني حسان دياب في كلمة ألقاها مساء عبر شاشات التلفزة، محاسبة “المسؤولين عن كارثة”.
وقال “ما حصل اليوم لن يمر من دون حساب. سيدفع المسؤولون عن هذه الكارثة الثمن”، مضيفاً “ستكون هناك حقائق تعلن عن هذا المستودع الخطير الموجود منذ 2013، أي منذ ست سنوات”… بعض المصادر أشارت إلى أن الباخرة المحملة بالأمونيا والتي تم مصادرة محتوياتها .
فصول القصة تعود إلى خريف عام 2013، في عهد رئيس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري حين أبحرت السفينة روسوس التي ترفع علم مولدافيا من ميناء باتومي الجورجي متجهة إلى موزمبيق (وفي رواية أخرى زامبيا)، وعلى متنها 2700 طن من مادة نترات الآمونيوم.
قبل أن تكمل السفينة وجهتها، طرأت مشاكل فنية، كان من الضروري معها أن ترسو في مرفأ بيروت، ولكن السلطات اللبنانية منعتها من الإبحار.
وهناك رواية أخرى مختلفة قليلاً بأن السفينة عرّجت على مرفأ بيروت، حيث خضعت لفحص فني من قبل سلطات المرفأ، وقيل إن الخبراء اكتشفوا عيوباً كبيرة بالسفينة وقرروا منعها من مواصلة رحلتها.
وبعد عدة تعقيدات تخلى مالك السفينة عنها وعدة دائنين تقدموا بدعاوى ضدها.
ولم يسمح لطاقم السفينة بمغادرتها بسبب تعقيدات الفيزا.
وبعد سلسلة دعاوى قضائية تركزت على مصير طاقم السفينة المحتجزة، تمت تسوية هذا الجانب من القضية.
المحاولة تكللت بالنجاح وأصدر القاضي أمراً طارئاً، بعده بوقت قصير غادر البحارة بيروت.
وفي حين أصرّ الجانب اللبناني على عدم السماح بنقل شحنة نترات الآمونيوم التي تمت مصادرتها وتخزينها في مرفأ بيروت.
وتواصل عقب ذلك صمت مالك السفينة الذي تخلى عن ملكيتها، وتُركت مسؤولية الشحنة شديدة الانفجار على عاتق السلطات في مرفأ بيروت.
ويرجح أن تكون إشكاليات قانونية قد حالت دون بيع شحنة نترات الآمونيوم في المزاد العلني، باعتبارها السبيل الوحيد للتخلص من تبعاتها الخطرة.
وفقاً لبعض التقارير، فإنه وبسبب مخاطر الإبقاء على شحنة نترات الآمونيوم في السفينة تم تفريغها وتخزينها في مخازن في ميناء بيروت في 2015 بانتظار أن يتم طرحها هي والسفينة في المزاد.. وقد استمرت أزمة شحنة الأمونيا ولم يتم معالجتها رغم تعاقب الوزارات عليها.. منذ عهد سعد الحرير الذي تكرر وجوده مروراً بنجيب ميقاتي وتمام سلام وصولاً إلى رئيس الوزراء الحالي حسان دياب الذي أنيطت به مواجهة عاصفة من الأزمات المتعاقبة.. فمنذ ذلك الوقت، ظلت الشحنة مخزنة، ضمن شروط لا تراعي معايير السلامة، رغم خطورة ما تحويه، وهو ما يمكن تأكيده في طلبات وجهت إلى القضاء المستعجل، في أكثر من تاريخ منذ عام 2014 في عهد نجيب ميقاتي، لإعادة تصدير المواد المخزنة، أحدها لمدير عام الجمارك السابق شفيق مرعي. الذي يحمله اللبنانيون مسؤولية المشكلة حتى وصل الأمر ببعضهم إلى المطالبة بإعدامه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ونستخلص من تداعيات أزمة السفينة روسس وتداعياتها منذ عام 2013 وصولاً إلى انفجار بيروت الأخير بأن حزب الله لا علاقة له بحادث الانفجار كما يروج إعلام الإمارات والسعودية وذبابهما الإلكتروني.. والقضية برمتها تتعلق بتخبط القرارات ذات العلاقة بأزمة مخزون الأمونيا، وعلى كافة المستويات في إطار الدولة العميقة التي تترع بالفاسدين وتجاذباتهم الجهوية والطائفية.. ويؤكد هذا التخبط ما قاله مدير مركز الارتكاز الإعلامي، سالم زهران عبر حسابه الرسمي في تويتر: “منذ 6 اشهر في أن أمن الدولة رفع تقريراً عن خطورة المواد ووجود فجوة في العنبر، واليوم وقع “‫انفجار بيروت” أي أن الإهمال هو سيد الموقف وإن تعددت الأسباب.‬
وبحسب وسائل إعلام محلية، فقد نقل متحدث باسم المجلس الأعلى للدفاع عن دياب قوله خلال جلسة طارئة للمجلس: “من غير المقبول أن تكون هناك شحنة من نترات الآمونيوم تقدر بـ2750 طناً موجودة منذ ست سنوات في مستودع من دون اتخاذ إجراءات وقائية”. وهذا الكلام لم يقنع اللبنانيين الذين طالبوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي باستقالة الرئيس والحكومة ومحاسبة كل من له علاقة بالحادث الأليم.
أما عن الأسباب المباشرة التي أدت إلى الانفجار فإن ثمة رواية أمنية غير مؤكدة تقول إن الانفجار وقع أثناء عملية التلحيم لباب العنبر 12 وتطايرت شرارة وأدت إلى اشتعال مفرقعات موجودة في العنبر نفسه، أدت بدورها إلى انفجار كميات الآمونيوم”، مع الإشارة إلى أن 2750 طناً منه هذه المادة توازي 1800 طن من مادة “تي إن تي”. وهذا غير مقنع.. لعدة أسباب.. أولها أن جميع الشهود المباشرين على الحدث أبيدوا عن بكرة أبيهم.. ولا توجد تقرير إدارية موثقة تثبت ذلك.. تانيهما أنه لو صحت هذه الرواية لحدث انفجار واحد خلافاً للحقيقة التي أعلنت عن نفسها بوجود انفجارين الأول منهما تسبب بالثاني.
وفي تقدير غالبية المراقبين أن الانفجار حدث بفعل فاعل.. وتشير أصابع الاتهام إلى ما يسمى بإسرائيل؛ لعدة اعتبارات.. أولها أن حمولة السفينة من الأمونيا ووجهتها كانت مكشوفة للموساد لأن الأزمة بشأن السفينة التي تفجرت عام 2013 كانت تفاصيلها مكشوفة إعلامياً على الملأ .. ثانيهما “نفسيّ” يقوم على مبادرة تل أبيب – قبل اتهامها- إلى نفي ضلوعها في انفجار بيروت بحسب ما جاء في إذاعة الجيش الإسرائيلي..حيث أفادت “القناة 12” العبرية نقلاً عن مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى قولهم إنه “لا علاقة لإسرائيل بالانفجار الذي هزّ العاصمة اللبنانية بيروت”؛ لينطبق عليها المثل القائل “إللي على رأسه بطحة يحسس عليها”
ثالثهما ما يمكن وصفه بأذكى رسالة إسرائيلية بعد انفجار بيروت وجهت إلى حزب الله جاءت من خلال فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمّح فيه نتنياهو بأن على حزب الله أن يفهم “الرسالة”.. وهي شبيهة برسائل نتنياهو إلى إيران حينما اتهم بأنه يقف وراء التفجيرات الغامضة في طهران.. ولا بد لهذه الرسالة أن تكون بحجم انفجار بيروت بحيث يمكن لها أن تردع حزب الله! وقد أعقب بث هذه الرسالة نفي الاحتلال الإسرائيلي لمسؤوليته عن الحادث لا بل أبدى الإسرائيليون استعدادهم لتقديم المساعدات الطبية للبنان في تمويه للجريمة فبدت المراوغة مكشوفة.
رابعهما أن أجهزة الرصد الإسرائيلية ومنذ بداية الأزمة السورية ترصد حركة سلاح حزب الله من مطار دمشق وصولاً إلى مستودعات حزب الله في لبنان.. وكانت تعالج الموقف بقصف حمولاته في دمشق أو تظل تلاحقه حتى يختفي في لبنان.. مع أن الانفجار الضخم حصل في مستودعات للأمونيا موجودة في العنبر 12 في ميناء بيروت ولا علاقة له بسلاح حزب الله كما يروج له إعلام صفقة القرن، إلا أنه يؤكد أن أجهزة الرصد الاستخبارية الإسرائيلية تراقب كل التحركات العسكرية في لبنان.. وهي أهداف إسرائيلية محتملة.. ومخزون الأمونيا كان أهمها.. حيث مثل خيار نتنياهو للرد غير المباشر على تهديدات حزب الله الأخيرة.. في إطار رسالة كان حريصاً على إيصالها إلى حزب الله دون أن تؤكد مسؤولية الكيان الإسرائيلي عن الحادث.. وهذه مراوغة إسرائيلية مكشوفة.. حيث نجم الانفجار الأول كما يتوقع مراقبون عن قنبلة موقوتة أو صاروخ إسرائيلي أدى إلى حدوث الانفجار الكارثي الثاني.. إنها كارثة تسبب بها كيان الاحتلال الإسرائيلي.. وهذه حقيقة دامغة وإن حيدها إعلام الأجندات الخارجية من أتباع صفقة القرن، الذي يحيل أسباب الانفجار إلى جهات لبنانية! تحديداً حزب الله.. عجبي.