القراءة مثل الحب .. تأتي مبكرا – بقلم : د. احمد الخميسي

فن وثقافة ….
بقلم : أحمد الخميسي – مصر …
لم تكن في طفولتي طفولة، ولكن كانت هناك مكتبة صغيرة في صوان بصالة البيت، أغرتني الكتب المرصوصة بداخلها أن أسحب كتابا لأقرأه وراء كتاب. لحسن حظي كان معظم الكتب روايات عربية وأيضا أجنبية مترجمة، ثم قادتني خطواتي إلى مكتبة مدرستي الاعدادية فالثانوية، وفيهما وجدت ثروات أدبية وفكرية كان من بينها كتاب صغير مضغوط بعنوان” فقه اللغة” يضم مرادفات وأضداد الكلمات. إلى الآن مازال هذا الكتاب عندي، مما يعنى أنني استوليت عليه حينذاك بطريقة ما ! في كل الحالات فتحت عيني على مكتبة في البيت وأخرى في المدرسة. أتذكر ذلك، بمناسبة الاحتفال السنوي باليوم العالمي للكتاب في 23 أبريل، وهويوم لا يقتصر على الاحتفاء بالأدباء وصناعة الكتب بل ويمتد إلى تعزيز ونشر مفهوم وعادات القراءة. أيام كنا ندرس في الستينيات كان مقرر علينا حصة كل أسبوع مخصصة للقراءة داخل المكتبة. للأسف اختفت هذه الحصة من برامج التعليم المدرسي الآن، ولا أدري كيف هي أحوال المكتبات بصفة عامة ومكتبات المدارس التي يستحيل من دونها الحديث عن تعزيز عادة القراءة لدي الشباب، لكن الاحصائيات بهذا الشأن غير مبهجة، إذ لا توجد مكتبات في أكثر من أربعة آلاف قرية مصرية تضم نحو ستين بالمئة من السكان. أضف إلى ذلك نسبة الأمية المرتفعة التي وصلت عام 2019 حسب معطيات الجهاز المركزي للاحصاء إلى نحو عشرين مليون نسمة، أضف إلى ذلك محدودية الدخول، مما يجعل من الأمية وقلة ذات اليد عدوا رئيسيا للقراءة والكتب. وقد جاء في معطيات مرصد الأحوال المصرية أن 88% من الأسر المصرية لا يقرأ أي من أفرادها أي شيء على الاطلاق! وعندما عقد المؤتمر القومي الأول للمكتبات المدرسية في أبريل 2013 لاحظ د. مصطفى حسام الدين أستاذ المكتبات بجامعة القاهرة أنه : ” لا توجد سياسة عامة لتطوير المكتبات العامة فى مصر لا كجزء من السياسة الوطنية للمعلومات ولا بشكل منفصل، سياسة مكتوبة ومعلنة تحدد أهداف هذا التطوير والأسس التى يستند إليها والخطط الاستراتيجية والمتوسطة والقصيرة التى وضعت لتنفيذ هذه السياسة”. وعندما نتحدث عن ” التنوير” أو نتحدث عن مواجهة الارهاب، فإننا في واقع الأمر، وإلى حد كبير نتكلم عن القراءة، والوعى، وعن المكتبات، والكتب، وحصة القراءة في مكتبة المدرسة التي لم يعد لها وجود الآن. ومن المؤسف أن معظم الآباء يتصورون أنهم يقومون بدورهم حين يتكفلون بطعام وشراب وملابس ومصاريف أطفالهم. وقد سألتني ذات يوم سيدة فاضلة:” ابنتي تحب القراءة أنا لا أقصر في مطالبها من ملبس وطعام وغير ذلك، لكن بالنسبة للقراءة لا أدري ماذا أفعل؟”. نظرت إليها طويلا ثم قلت لها بصراحة:” إن الطعام والشراب والمأوى يكفي لنمو بطة أو ماعز، أما الطفل فيحتاج إلى أكثر من ذلك لكي ينمو إنسانا، يحتاج إلى مكتبة، وأنت لا تربين دجاجة بل إنسانا”. أعتقد أن الأسرة بحاجة إلى الالتفات لأهمية المكتبة داخل البيت، حتى لو كانت مكتبة صغيرة، على أن تضم روايات وأعمال مكتوبة للأطفال، مثل كتب كامل الكيلاني وغيره. وحين يفتح الطفل عينيه على الكتاب، ويحس مبكرا بمتعة اقتحام عالم الخيال، ومعايشة شخصيات وأحداث أخرى فإنه لن يكف عن القراءة لاحقا. إلى الآن، مازالت حية في ذاكرتي المشاهد الأولى من الروايات الأولى التي بدأت قراءتها وأنا صبي، كما مازال حيا لا يفارق عيني وهج لمبات دار الأوبرا القديمة وأنا صبي صغير جالس أشاهد لأول مرة في حياتي ” العشرة الطيبة ” لسيد درويش. القراءة والفن، مثل الحب، يجب أن تبدأ مبكرا.