نزهة في ديوان ” خطى الجبل ” للشاعر محمد علوش – بقلم : فاطمة عبد الله

اصدارات ونقد
بقلم : فاطمة عبد الله – كاتبة فلسطينية تقيم في القدس ..
حديثُ النّجمة
أطلتُ نظري إليها
أداعبها وتداعبني
فعاتبتني سمائي :
أتداعب نجمةً
وتتركُني وحيدةً
أسيرة َ هذا السّحاب المجنون ؟!
نزهة في ديوان ( خطى الجبل ) للشاعر الفلسطيني محمد علوش ، وهو من إصدارات وزارة الثقافة الفلسطينية للعام 2016 ، في مئةٍ واثنين وتسعين صفحة بين كلمات الشاعر وأحاسيسه وأشجانه وعمق عاطفته المتجذرة بأرضه وشعبه ووجوده وحضارته .نتجول بين واقع حاضر وذاكرة لا تغيب .
” خطى الجبل ” عنوان يحمل التباين والتضاد ، فكلمة خُطى هي جمع خطوة ، وهي السير ضمن خطة أو السير باقتفاء الأثر .
دلالة الكلمة الحركة وعدم الثبات، بينما يدل الجبل على الثبات والشموخ وهنا دلالة أخرى للحياة الناضجة التي ترتبط بالحكمة والعقل والفعل أكثر من الإنفعال.
وربما العزلة والتأمل ( وقد تكون هذه أحد جوانب شخصية الكاتب ) التي قد نلمسها في اقتضاب قصائده النثرية في مجمل الديوان ، حيث نجد أنه شاعر يختصر بمشاعره.
علينا تفكيك كلمات الشاعر من أجل ضمان فهمها والإمساك بحبال الفكرة .
خطى الجبل (ص48)
ماض بخطى ثابتة
أعلق فوق أعناق الجبال
معجزتي
ومهجتي
وأنثر زهرة عمري
ياقة للسفح
في القمة إذاً سيبقى … قمة العقل ، دون التنازل عن قضيته وإيمانه بعدالتها ليهادن ويطرق أبواب الاستسلام .
وقبلة على خدّ القمر
توّجتني الجبال أميرها
وفارس أحلام
لصباحها النّدي
أحفظ سر زنبقتي
وأبقى وفيّا لوصايا النّخيل
وعناق الأرض لشمس الظهيرة
أطلالا لحُلم
يرتقي القمة ليقبل القمر رمز النور ، وما القمر ونوره إلا دلالة على وجود الشمس التي تظهر بعد سطور ترمز للأمل والضياء .والاستمرارية دون كلل أو ملل في منذ الأزل تشرق كل صباح .
وقصيدة للخيول
تأبى الانكسار
تسرج صهيل عنادها لنشيد الرّمل
نحو انتصار لفجر الجبل
شموسا للزّهور
وعودا للخيمة الباقية
فوق سفح الجرح
تطلّ كغيمة عنيدة
رغم جنون الغياب.
يعود التضاد متضامنا مع العناد فمن قمة الجبل إلى الخيل والرمل والخيمة والصحراء حيث البرد والحر، والرمل والجبل، والفقر والتكبر .
وعلى عكس أهل الصحراء وشعراءها بالجود بالبوح ، كبح شاعرنا جماح الفكرة والعاطفة والخيال والتصوير وقيد القصيدة تحت عنوانها الفخم.تناسلت قصائد هذا الديوان من رحم واقع عربي مهزوم ، يجر أحزان الماضي وذكريات وهموم الحاضر …بينما المستقبل حلم يكاد يكون وهما ، ويظهر هذا في قصيدته حزن معتق ص 33 فمفردات هذه القصيدة من عامة وضباب وقيود وأحزان وسراب وما ترمز إليه من يأس وفقدان الأمل ، وحين يشرق شعاع الأمل خجولا في بعض سطور القصيدة يأتي في مضمون ديني .
يسبحون بحمد الشمس قبل المغيب
يمارسون طقوس الوفاء
في انتظار المواسم
كي يظل النشيد نشيدا.
وللنضال أبطال لكل منهم حكاية مختلفة ، تجمعهم قضية واحدة أهدى الشاعر من خلال هذا الديوان لشخوصهم قصائد فكانت قصيدته ( حفظنا الوصايا ) ص 36 للدكتور سمير غوشة ، وقصيدة (حنظلة ) ص41 ، للشهيد ناجي العلي ، (صديق مكتبة ) ص 63 ، ( طال انتظاري للقاء شاعر ) ص 174 إلى الشاعر محمود درويش ، ( باق كما أنت ) ص187 إلى الشاعر غسان كنفاني ، ( خالدة ) ص44 الموجهة إلى المناضلة الفلسطينية خالدة جرار ، التي تقود نضال المرأة ضد الاحتلال باعتباره المضطهد الأول للمرأة الفلسطينية والعقبة الأكبر أمام تقدمها وتحررها ، ولا عجب أن تقذف المرأة حنقها في وجهه وتصب جام غضبها من مجتمعها عليه .
وتمضي بعنفوان امرأة ترتدي المجد
غاضبة في وجه الغرباء
تقاوم جيشا فاشيا
يأسر أحلاما وحكايا
ويحجب شمسا طرزت أهدابها حصونا لشعبي
ومقاليع ترمي حجارتها على غزاة عابرين .
بلدان عربية ومدن عريقة تناولها الشاعر في ديوانه ، ويبدو أن الشاعر أراد للقارئ فقط أن يقف على أمجاد وحضارة تلك البلدان والمدن ويتعرف على تضحياتها وهذا من باب ما تواجهه بلادنا العربية من تحديات مستهدفة تاريخنا وحضارتنا ، وليس من باب انفعالات عاطفية أو ذكريات خاصة بذات الشاعر لتلك البلدان.
نزف الجزائر
وما زالت تنزف الشهداء
جزائرنا البعيدة
عيونها لا تنام
وجراحها ندية
تخضبها دموع السماء .
ديوان امتلأ بالوجع ومفرداته، ينزف ألما ب لونين وحيدين لون الكآبة والسواد ولون الدم الأحمر.
حتى وهو يلوح لنا مودعا في آخر قصائده ( تلويحة )
تحاصرني دموع نهر
مر عليه زمان الجداول
اختطفته سحابة
وتعالت بكبرياء المزيف
فوق المدى
صارت مضطرا وهما
جارحة كسيف
قاتمة كسواد ليلنا العاري
موشحة بطقوس جنائزية
تركتنا دموع النهر.
وحيدين
بلا غيمة
نستفئ خيمة
ونبحث عن عمرنا بين ركام الذكريات !
***
كاتبة فلسطينية من القدس