حبة الرمان – قصة ايناس ثابت – اليمن

القصة ….
قصة : ايناس ثابت – كاتبة يمانية …
بقلم : إيناس ثابت – كاتبة يمانية
الشمس تتفجر في السماء العالية، فتهرول ضاحكة بين السواقي والمروج، تراقب الراعي وأغنام القطيع، ثم تحث الخطى وتلتف وراء الهضبة، حيث يشرئب الحور عاليا، بأوراق لامعة يحركها نسيم خفيف، وسقسقات الدوري تملأ الدنيا بالضجيج، فتنصت لهمس الريح تشنف أذنيها بصوت الجنادب في سمفونية مع الدوري من إبداع الرب العظيم، حينما تحرك في داخلها ما لا تعرف ما يكون؟ وهي تتأمل الطبيعة بحواس تهتز لعبير جديد.

كانت تتأمل الدنيا حولها وتمتع ناظريها، بمراقبة النحل يمتص رحيق الزهور فيمتلىء قلبها بجمال الوجود، تحت أشعة شمس أشرقت في قلبها، ودهمت مشاعرها منذ عهد قريب. هكذا التقته في صباح العمر على منعطف قلب لم يعرف طارقا يحمل إليها هذه الأحاسيس، فراحت تملأ روحها وعينيها ببهجة الحب الجديد.
كانت سعيدة بمشاعرها الطارئة التي دهمتها بلا موعد، وهي تستلقي تحت شجرة وارفة الظلال تتناول حبات الرمان، حينما رأته أول مرة في يوم صيفي وهو يقبل نحوها. كانت تحمل كوز الرمان بين يديها وتلقي في فمها الحبة تلو الحبة، حينما فاجأها صوته يقول لها مبتسما بصوت رخيم: لمَ تجلسين هنا.. يا حبة الرمان؟
فاجأها مرآه ووجه الوسيم يشرق نضارة بين عينيه، ونسمة حارة تحرق صدرة المكشوف. لملمت نفسها وهربت مثل قطة صغيرة مذعورة إلى الدار. هذا الشاب من سكان قريتها اتى من المدينة في إجازة قصيرة. ترددت كلماته بعنف في أذنيها: “حبة الرمان.. حبة الرمان..؟ فداعبت خيالها وهزت كيانها كله، وصارت تنتظر مروره كل يوم في الطريق بعيدا من البيوت. تراقبه بقلب مشغول وهو يتنزه بين الحقول يحييها بعينيه ويتبسم لها بشفتيه كلما التقيا، ويروح يلاطف شعره الناعم بيديه ويناديها أين أنت يا “حبة الرمان”؟
هكذا مرت الأيام وهي لا تنفك تراقبته بقلب مشغول ، حينما كانت تلتقيه أثناء سيره لشراء بعض حاجاته من السوق، فيستوقفها ويحدثنها عن كل شؤونه، كان كلامه لطيفا في كل شيء، حتى في الكواكب والنجوم، وكانت تفهم وتستوعب كلامه وأهدافه وما يريد، لكن كان بودها لو واتتها جرأتها وطرحت عليه سؤالا بالتحديد.
كان يغرقها بلغة لا تفهمها إلاّ العيون. بدا لها مثاليا وكان في نظرها بعض إله يمشي على الأرض بقدمين آدميين، وكان مهذبا ورقيقا لا يغضب ولا يصرخ أو يثور. وكلما التقيا يقترب منها ويميل بوجهه نحوها، فينفذ عطره إلى مسامها ويسكرها. عطره أشد طيبا من شذا الزنابق والورود وصوته أكثر سحرا من زقزقة الطيور. ألهب خيالها مرة وهو يقول يقول لها: سأتزوجك عندما تكبرين. وهكذا بدأ فكرها يتشتت وصوابها يضيع.
تشجعت وعزمت يوما على مبادرته بالزيارة. ضربت على قلبها بقبضة يدها الصغيرة ليغدو أقوى.. وحملت له سلة مليئة بالفواكه قطفتها بيديها وقالت: أقدمها هدية له عربون ود بيننا. اتجهت إلى منزله حينما فاجأها منظره؟ يجلس في ساحة صغيرة يرتدي قميصا ممزقا عند بطنه. يدخن وينفث الدخان ويحتسي.. الخمرة.
هذه المرة رأته فظا على حقيقته..؟ فالعرق كان يتصبب بغزارة من جبينه. كان يبدو عصبيا كمجنون يلوح بعصاه، ويرفس كلبا كان بجانبه وينهره بقوله: تبا لك أيها الكلب اللعين.. حين رآها تقف مذهولة فاغرة الفم والدمع يسقط من عينيها، وهو يناديها محرجا: حبة الرمان؟ ولم يكمل فألقت سلة الفواكه من يدها وقد تحطمت صورته في عينيها ووجدانها، وصرخت في وجهه: توقف. فقد انتهى أمري معك ولم أعد أحب الرمان.