قصة “الموت الأزرق” بين الخيال والواقع للكاتب السيد الزرقاني : بقلم الروائية التونسية/ فاتن كشو

اصدارات ونقد …..
بقلم : فاتن كشو – تونس …
تطالعنا أقصوصة الموت الأزرق للكاتب ” للسيد الزرقاني “كأنها قصة نفسية ذات بناء فني ثري،تغوص في نفس الراوي الذي لم يذكر لنا اسمه.كأنها حلم من أحلام اليقظة، تشكل بذهن البطل ليشكل بدوره الأقصوصة التي تمثل تلاقي ثلاثة أزمنة أدمجها الكاتب بحرفية وفن وهي الزمن الواقعي وزمن الحلم والزمن الماضي الذي شاهد فيه المرأة …تلك المرغة التي كانت تغسل أقدامها بمياه البحر وبالقرب منها ولدها وغير بعيد منها طائر بدا كأنه يحرسها…” وكان البحر ثائر ،أمواجه هائجة عاتية” .ربما قصد الكاتب بالبحر عقله او وجدانه وقد تكون الأمواج المتلاطمة هي ثورته وتوقه لتحقيق أمنياته ولعل التمني الشبق لتلك المرأة ليس سوى شهوة الحياة تراوده ليحياها كما ينبغي ، لكنه يجد نفسه مسجونا في أسوار حلم قد لا يتحقق ..” تزداد دقات قلبه،يتقوقع داخل بنيانه النحيف” وقد نقل ألينا الحلم في مشهد كامل،مشهد حي يدور في الزمن الحاضر استخدم الكاتب في كتابته أفعالا في المضارع المرفوع كأنه يصف واقعا ملموسا يعيشه في الزمن الحالي وظهر فيه اناس كثيرون منهم من كان يتأمل المرأة وفي المجمل أطلق عليهم تسمية ” بعض البشر الشارد” بكل ما تحمله هذه المفردة من رمزية مكثفة ترمز لعذاب الإنسان وتوهانه في هذه الحياة .ولا ننسى انه قد وصف المرأة بذات الجمال الباهر وهي الحلم بل هي الحياة السعيدة الهانئة التي يحلم إن يحياها والتي تتعرض للموجات العاتية والتي قد تغفل عن ابنها فيتوه وكان طائر ازرق يحوم حول ذلك الفتى : الطائر والبحر والمرأة والطفل: طفولة وحياة وخطر داهم وحراسة طبيعية … وكأننا بالكاتب قد استدعى أبطال مسرحية الطائر الأزرق للكاتب البلجيكي موريس ميترلنك والطفلين ميتيل وتيتيل والجارة وابنتها العاجزة عن المشي …فيقرر الطفلان إحضار الطائر الأزرق لها هنا في قصة الكاتب السيد الزرقاني كان الطائر الأزرق قريبا من الأم وابنها ونجده قد كان سابقا يمثل الأداة السحرية l ‘ objet magiqueالذي يتوفر باي حكاية وهو ضروري لنجاة البطل او البطلة والآن بقصة السيد الزرقاني هو شخصية مساعدة يتدخل من تلقاء نفسه لينقذ الفتى وليعيده لأمه …ويهمل الطائر الأزرق فراخه فتأكلها الغربان ويتقاطر دمها ،هذا المشهد الدموي بهذا الحلم ليس سوى ما نعيشه من مجازر وإرهاب يلف حياتنا وواقعنا المرير والكاتب يتفاعل مع هذا الواقع ويتأثر…الإنسان العربي والشرقي مسكون بهاجس الدم الذي يتهدد وأينما حل بل هو متهم بإراقته في غالب الأحيان. أينما تواجد هو ضحية لإرهاب ما وهو متهم أيضا بالمسؤولية عن ارتكابه. والطائر الأزرق الذي ا ختفى في مسرحية موريس ميترلنك بعد ان شفى البطلة …وقف عاجزا في قصة “الموت الأزرق ” للكاتب المصري فلا هو حمى الطفل ولا قد حمى فراخه …الضعف هنا واضح والعجز شديد التجلي : ضعف المواطن العربي إزاء واقع متشظ بل هو عجز تام وإذا قارنا الأمر بمسرحية موريس ميترلنك الكاتب الغربي نجد ان طاىره الأزرق قام بواجبه على أكمل وجه واختفى كأنه نظام حكم عادل او قوانين اجتماعية رحيمة : يد الجماعة الرحيمة المختفية …بينما يد الجماعة في العالم العربي تائهة لا تعرف اتجاهها تضيع بين المصالح الفردية والجماعات السياسية والكتل المتصارعة …في القصة كان الراوي يحلم لكنه حلم انتهى نهاية مريرة . كما الطفل الذي وصفه في قصته ونقل الينا صورته : الطفل يجلس على حافة الماء يخط بيديه الصغيرتين فوق الرمال الرطبة بعض الإشكال الهلامية ويصمم بيتا رمليا ، تأتي الموجة فتهدم أحلامه الصغيرة وتجرفها فيضحك وليس مقصود بالضحك هنا الفرح ولكنه الضحك من سخرية الأقدار وحمقها ومن قتامة المصير ومن العجز …إنه الضحك المرير والسخرية المرة…والفتاة التي كانت جميلة ويلمع نهدها تحت شعاع الشمس بما للنهد من رمزية للتكاثر والحياة والولادة والرضاعة وتحسن السلالة والجنس البشري هو نفس هذا الجسد يقع في الماء ويخرج مبللا صارخا ويعانق البحر في صرخة مدوية.يتلاشى في اللانهائي بعد حياته القصيرة،في الوجود الأزلي نقطة صغيرة لا تُرى ويعجز الإنسان في تحقيق خلوده او تألهه ويظل ذلك الريشة في مهب الأقدار تتقاذفه في الفناء .وتنتهي الأقصوصة بالصحو من حلم فاشل وفزع من دم ونسيان ابتسامة …نفس هواجس الإنسان تتواصل دوما وتتكرر ولا يأخذ منها عبرة بل يواصل متجاهلا ذلك الفشل ومدفوع بما جُبل عليه من عناد ونسيان .