ارادة الفلسطيني اقوى من صواريخهم – بقلم : تميم منصور

فلسطين ….
تميم منصور – الناصرة – فلسطين المحتلة …..
عندما قامت  اسرائيل عام 1948 ، اصر قادتها في حينه أن ترسو سفينتهم فوق ثوابت تتمشى مع الأفكار الصهيونية ، وهذا الفكر عبارة عن نسيج من الاستعمار الاستيطاني ، موشحاً بالفوقية  وغارقاً بالتمييز القومي والعنصرية .
في مقدمة الثوابت التي وضعتها أول حكومة لاسرائيل تبني الفكر العنصري الخاص بالتمييز القومي ، والتنكر لحقوق الفلسطينيين ومنعهم من العودة الى قراهم التي طردوا منها ، وملاحقتهم واغتيال قادتهم ، خاصة الذين اتهموا بمقاومة الاعتداءات التي كانت تمارسها العصابات الارهابية الصهيونية ، من أجل تحقيق وتنفيذ هذه الغاية ، ثم تكليف عدداً من العملاء العرب بالقيام باغتيال مجموعة من هؤلاء ، اضافة إلى ارسال المستعربين للقيام بهذه المهمة ، هذه ما سجلته أدبيات المخابرات الاسرائيلية، وقد ذكر الباحث هليل كوهين في كتابه ” العرب الجيدون ” من هذه الثوابت أيضاً فرض الحصار على المواطنين العرب داخل اسرائيل ومعاملتهم معاملة استثنائية ، قد تم فرض قوانين الطوارىء عليهم ، التي ورثتها اسرائيل من الاحتلال البريطاني ، الذي سبقها وبعضها من الاحتلال العثماني ، كما تقرر منع دمجهم بالمجتمع اليهودي قدر المستطاع من باب الترفع والقومية ، ومصادرة أكبر مساحة من أراضيهم .
من أوليات هذه الثوابت الاعتماد على قوة السلاح في تعامل اسرائيل مع كافة الدول العربية ، التي أصبحت مجاورة لها ، خاصة مصر، الأردن ، سوريا ، ولينان ، فقد صرح بن غوريون أول رئيس للوزراء وأحد مؤسسي  الدولة ، بأنه يتوجب على اسرائيل أن تخوض حرباً مع جيرانها العرب كل عشر سنوات على الأقل ، لأن الحرب والقوة وسفك الدماء جزء لا يتجزأ من الفكر الصهيوني ، والحرب هي الوسيلة التي تضمن سلامة الشعب اليهودي ، وبواسطة الحرب بامكان اسرائيل أن تحقق أحلامها التوسعية ، وقد حقق بن غوريون هذه الاستراتيجية ، كما خطط لها هو والذين خلفوه في رئاسة الحكومة ، من ليفي اشكول ، الى غولدا مئير ومناحم بيغن ورابين وبراك وغيرهم ، حتى نتنياهو .
بدأت اسرائيل بتطبيق هذه الاستراتيجية مباشرة بعد عقد اتفاقيات الهدنة مع الدول العربية عام 1949 في جزيرة رودس ، حيث بدأت السلطات الاسرائيلية تشن العدوان تلو العدوان على الدول العربي المجاورة ، بدأته بشن عدوان على قرية ” فلامية ” الواقعة بين قلقيلية وطولكرم ،كانت هذه القرية محاذية لخطوط وقف اطلاق النار ، أرسلت اسرائيل قوة من المستعربين والعملاء لاغتيال مختار القرية ، فواجهت القوة المهاجمة مقاومة من السكان المحليين ، وبعض جنود الجيش الاردني ، الذين حاصروا القوة المعتدية ، ولم يتم فك الحصار عنها إلا بعد استخدام الأسلحة الثقيلة ، مما أدى الى اصابة العشرات من سكان القرية بين قتيل وجريح ، من بينهم مختار القرية .
استمرت الاعتداءات على القرى الفلسطينية المحاذية لخط وقف اطلاق النار ، فقد وقع عدوان قامت به قوة اسرائيلية قادها السفاح ارئيل شارون باستهداف قرية ” قبية ” ليلة 14- 15 من شهر اكتوبر عام 1953 ، تقع هذه القرية غرب مدينة رام الله ، وتبعد عن مدينة اللد شرقاً 11 كم ، كان هدف هذا العدوان تصفية الوجود الفلسطيني ، ارتكبت في هذا الهجوم مجزرة لا تختلف عن مجزرة دير ياسين ، فقد بلغ عدد الشهداء 67 شهيداً ، معظمهم من الأطفال والنساء ، كما تم تدمير 56 بيتاً ،بما فيها مدرسة القرية وخزان المياه .
استمرت الاعتداءات عبر خطوط الهدنة مع الأردن ، وقد عجز الجيش الأردني عن حماية المواطنين ، ورفض النظام الفاسد في عمان تزويد المواطنين بالسلاح لحماية أنفسهم ، لم تمنع الأصداء الواسعة وردود الفعل الشديدة عربياً وعالمياً على ما حدث من مجازر في قرية ” قبية ” من الاستمرار في سياسة العدوان ، فقد قررت القيادة الاسرائيلية تدمير جميع مخافر الشرطة الاردنية القريبة من خط وقف اطلاق النار ، لقد اقيمت هذه المخافر عام 1934 من قبل سلطات الانتداب البريطاني في العديد من المدن والقرى الفلسطينية ، وبعض المستعمرات اليهودية  ، بهدف قمع الفلسطينيين .
لقد تم مهاجمة مخفر يدعى ” الرهو ” في منطقة رام الله ، وأعقبه مهاجمة وتدمير أحدى المخافر الذي كان قريباً من ” غرندل ” في منطقة الخليل ، استشهد العشرات في هذه الاعتداءات .
وفي شهر اكتوبر من عام 1956 تمت مهاجنة مخفر قلقيلية الذي كان يقع شمال المدينة ، وقد تحدث موشيه ديان الذي شغل في حينه رئيساً لأركان الجيش عن هذه المعركة في كتابه ” حملة سيناء ” اعترف بأن جيشه الذي هاجم مخفر قلقيلية قد تعرض للحصار من قبل قوات الجيش الاردني ، وقتل في هذه المعركة عشرات الجنود من المهاجمين ومن بينهم قائد القوة المهاجمة.
أما على الجبهة المصرية فقد شنت القوات الاسرائيلية عدواناً كبيراً على مدينة غزة ، ارتكبت خلاله مجزرة حيث قتل ما يقارب 60 مدنياً ، وقد عرف هذا العدوان بمجزرة غزة ، تم تنفيذ هذا العدوان عام 1953 .
وفي يوم 29 اكتوبر من عام 1956 ، انضمت اسرائيل الى كل من فرنسا وبريطانيا ، عندما هاجمتا مصر ، بهدف القضاء على الثورة المصرية التي قادها الضباط الاحرار ، كما هدفت اسرائيل من مشاركتها أيضاً حرمان الجيش المصري من استيعاب صفقة الأسلحة التي استلمتها مصر من الكتلة الشيوعية ، بهدف كسر احتكار السلاح والدفاع عن نفسها ، فقد رفضت امريكا وعدد من الدول الغربية حينها تزويد مصر بالسلاح لصد الاعتداءات الاسرائيلية ، فتوجه عبد الناصر الى القيادة السوفياتية برئاسة ” بولغانين ” طالباً السلاح فوافقت هذه القيادة على بيع مصر السلاح دون قيد أو شرط وهذه ما عرفت لصفقة الاسلحة التشيكية .
كل هذا لم يردع اسرائيل عن مواصلة عدوانها ، واستراتيجيتها العدوانية التي تعتمد على مقولة تواراتية ، ” سقطت مملكة يهوذا بالحديد والنار ، وسوف تقوم بالحديد والنار ” ولا زالت لا تفهم سوى لغة الحديد والنار، بفضل هذه السياسة اصبحت سياسة قتل العربي جزء من الغرائز الحياتية لغالبية القادة المدنيين والعسكريين في اسرائيل ، إلى درجة أنهم ابتدعوا شعارات مخزية يندي لها الجبين ، ويخجل منها التاريخ ، فيها العربي الجيد هو العربي الميت ، والعرب يفضلون الاحتلال على الحرية ولاستقلال .
هذا هو الفكر العدوان التوراتي الصهيوني المتوارث ، انتقل من جيل الى جيل ، حتى وصل الى نتنياهو وجوقاته العنصرية التي اضافت سياسة الحصار والتجويع ضد الفلسطينيين ، بالإضافة الى سلاح الحراب التي اقامت بواسطتها مملكة يهوذا الجديدة ، غاية هذه السياسة قتل الفلسطينيين وبطونهم خاوية ، وبيوتهم مدمرة ، لكن العدوان الأخير على غزة أثبتت ان حكومة الابرتهايد اصطدمت بصخرة المقاومة ، وارادة هذه المقاومة أقوى من صواريخها .