الشعب الجزائري الثائر: بين الفوضي الخلاقة و ترحلوا ڨاع سلميا – بقلم : فؤاد صباغ

دراسات ….
بقلم : فؤاد صباغ – تونس …
تشهد جمهورية الجزائر الشعبية الديمقراطية حراكا شعبيا متزايدا و متصاعدا خلال هذه الأيام التي تلت إعلان إستقالة الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة. إذ منذ إعلان الشغور الرئاسي من قبل المجلس الدستوري لم تعد السكينة و الهدوء إلي الشوارع الجزائرية لحد الآن. كما أن سلسلة الإستقالات الحكومية منها إستقالة رمطان العمامرة و نور دين بدوي لم ترضي الشعب بصفة عامة بحيث كان إعلان القائد العام للقوات المسلحة الجزائرية أحمد قايد صالح عبر تفعيل المادة 102 من الدستور و إعلانه حالة الطوارئ هو بمثابة زوبعة في فنجان فارغ لا يقدم و لا يأخر من تلك الأحداث المتشعبة و المتتالية. أما الكارثة العظمي و التي أعتبرت بمثابة قنبلة بعد كل تلك الإستقالات و الإعلانات هو تعيين عبد القادر بن صالح رئيسا للجمهورية الجزائرية لمدة 90 يوميا. فذلك القرار كان بمثابة الصاعقة بحيث لم يحتوي علي حل جذري للمشكلة بل عمق الجرح الذي هو ينزف بطبعه منذ مدة طويلة وسط ذلك الحراك الثائر المطالب بتغيير النظام برمته.
الفوضي الخلاقة و تأثيراتها علي الأوضاع الإقتصادية
مما لا شك فيه تعد الإحتجاجات الشعبية و لو أنها بالطرق السلمية في مجملها عائقا أمام سهولة الحركية الإقتصادية مما ستتسبب بخسائر مالية فادحة يوميا. فعلي الرغم من المطالب المشروعة بالتغيير السلمي الديمقراطي, إلا أن هذا الحراك يمكن له أن يتحول إلي فوضي عارمة ستطول مدتها و ذلك علي غرار السيناريو السوري أو اليمني. إن الفراغ الدستوري الذي تسبب فيه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد إعلانه الإستقالة سيتحول في القريب العاجل إلي نذير خراب في ذلك البلد الآمن و الجميل بحيث ممكن أن يحوله إلي ساحة مطامع إقليمية من أجل السيطرة علي النفوذ و إلي تجاذبات دولية من أجل الإستحواذ علي مصادر الطاقة في ذلك البلد الذي يصنف من الدول الأوائل في إنتاج الغاز و البترول. فبالعودة إلي التنظير الإستراتيجي لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس حول مقولتها الشهيرة المروجة “للفوضي الخلاقة” تكمن هنا تلك الملامح الإستراتيجية و الإستشرافية لذلك الحراك الجزائري المتواصل و الخطير. إذ مصائب قوم عند قوما فوائد بحيث تحول “الربيع العربي إلي ربيع عبري”, فكان الكيان العبري هو الأكبر المستفيد من كل تلك الأحداث الفوضوية في دول شمال إفريقيا أو  في جل دول الوطن العربي. فإنهارت المكتسابات الوطنية و دمرت الحضارات العربية و خلق البعبع الصفيوني في المنطقة من أجل خلق العداوة بين الأخوة العرب و جلب داعش الإرهابي للمنطقة و الذي كان داهسا علي نفوس الأطفال و الشيوخ و الثكالي المساكين و الأرامل المتشردين و الصبايا التي سبيت و عهرت. إنهار الوطن العربي برمته من المشرق إلي المغرب و أيضا الأكبر مستفيد يبقي فقط مصاص الدماء الكيان العبري الصهيوني. أما بالعودة إلي الحدث الهام و الذي يجري حاليا بدولة الجزائر هو بدوره ليس بعيدا عن تلك الأحداث التي شهدتها أغلب المدن التي تحولت إلي خراب و دمار لا مثيل له عالميا بحيث أصبحت تحوم فيه الأشباح و الأرواح نذكر منها مدن حمص و أدلب و حلب السورية. فمواصلة لذلك الفيلم المرعب الدموي وصل ذلك السرطان الخبيث إلي دولة الجزائر و في هذا السياق يا خيبت المسعي المطالب بالتغيير السلمي. فالفوضي الخلاقة ستدمر جميع المرافق الحيوية للإقتصاد الوطني الجزائري و ستحول مصادر ثرواته الطبيعية إلي أطماع دولية بالمجان و بأرخص الأثمان. ستتدهور جميع المؤشرات الإقتصادية منها النمو الإقتصادي الذي من الممكن أن يصل إلي أدني مستوياته, إذا طال هذا الحراك الشعبي الثائر و ستكبح بالنتيجة التنمية الإقتصادية و ستخرب البنية التحتية و ستصل العملة الجزايرية إلي الحضيض و سترتفع نسبة البطالة و التضخم المالي و ستتدهور المقدرة الشرائية مع إحتمال لإرتفاع الأسعار في الأسواق المحلية. بالتالي لا يفيد الندم وسط ذلك الفخ أو الكمين الذي تحركه أيادي خفية مسمومة تريد السوء لذلك الوطن بحيث ستستغل ذلك الفراغ  و التشرم في المواقف و الصراع الداخلي علي السلطة لتطبق أجندتها المستقبلية. إن هذه الفوضي ستعود بذلك البلد الجميل إلي سنوات الجمر السوداء و ستحوله إلي ساحة عنف و إرهاب لا مثيل لها عالميا في شمال إفريقيا. فالأوضاع الإستراتيجية و الإستشرافية الحالية تبشر بفوضي خلاقة في الأفق  ستمحو تاريخ و حضارة قسنطينة و وهران و ستحول أغلب المدن الجزائرية إلي خراب  تحوم في دوامة حرب أهلية خاصة إذا دخلت بعض العناصر الإسلامية المتطرفة علي الخط و نزول أخطر عناصرها إلي الشوارع و التي كانت مرابطة لسنوات طويلة علي تلال الجبال الفاصلة بين الحدود التونسية و الجزائرية. عموما ستتحول تلك الأحداث إلي كارثة حقيقية خاصة إذا طالت مدتها عبر تواصل الحراك الإحتجاجي للشعب الجزائري الثائر و تعنت الأطراف الحكومية الجزائرية الحالية مع تلك المواقف المنحازة و الغير واضحة إلي حد الآن من قبل الإمبراطورية الفرنسية و الإدارة الأمريكية علي ما يجري من أحداث تعيسة بذلك البلد الذي أصبح يعيش حاليا علي صفيح ساخن.

ترحلوا ڨاع سلميا
هكذا قالها الشعب الجزائري “ترحلوا ڨاع” يعني ترحلوا جميعا من في السلطة بدون إستثناء بحيث كان رحيل بوتفليقة أولا أما البقية في إنتظار الرحيل. ففي كل يوم جمعة تخرج الجحافل الشعبية مطالبة الجميع بالرحيل بطريقة سلمية لكن في المقابل بعد إعلان الشغور الرئاسي من قبل المجلس الدستوري و البرلمان الجزائري لا يوجد حاليا بديلا دستوريا لرئاسة البلاد. فكان تولي عبد القادر بن صالح زمام رئاسة السلطة التنفيذية لمدة 90 يوما بمثابة صب الزيت علي النار و أحدث بلبلة داخل صفوف المحتجين اللذين لا يرون في ذلك الشخص التغيير الحقيقي بل هو تكريسا لمواصلة الوجوه السابقة دفة الحكم. “فترحلوا ڨاع أي جميعا” تعني المطالبة بترك فراغ كامل في السلطة بحيث تختزل مطالب الشعب الجزائري في التوجه نحو التأسيس لمجلس قومي تأسيسي من أجل صون حقوقه و واجباته و كتابة الدستور الجديد الذي سيشكل لهم الجمهورية الجديدة التي يرغبون فيها. إن هذا الحراك السلمي المتصاعد و المتواصل في كل يوم جمعة من كل أسبوع يعبر بكل وضوح عن مطالب شعبية واسعة و نقاط دستورية يجب الإلتزام بها. فخروج المحامين و رجال القانون إلي الشارع لم يأتي من فراغ بل هو يتضمن في جوهره خفايا تحركها بعض الأطراف السياسية خاصة منها الأحزاب الراديكالية و الإشتراكية و الشيوعية من جهة لتشكل الجبهة الشعبية المستقبلية و من جهة أخري حراك أطراف من الإخوان المسلمين التي هي بدورها طامعة في نصيبها من الكعكة الإحتجاجية المطالبة برحيل جميع رموز النظام السابق. إن الجزائر تشهد حاليا كارثة حقيقية و من الأرجح أن تستمر لفترة طويلة خاصة إذا تمسكت بعض الأطراف الأجنبية و علي رأسهم فرنسا العظمي بمواقفها الداعمة لطرف معين علي طرف آخر و التي هي الآن تراقب عن كثب تلك الإحتجاجات بتعلة حماية مصالحها التجارية و الإقتصادية و مستثمريها الفرنسيين بتلك الدولة.
إن كل يوم جمعة من كل أسبوع سيكون الفيصل بين الشعب الجزائري الثائر الذي لن يتراجع عن مطالبه خاصة بعد دخول بعض الأطراف الحزبية علي خط ذلك الحراك و التي لها إيديولوجيات معينة ضد الحكومة الجزائرية المشكلة بقيادة الرئيس الجديد عبد القادر بن صالح مع تمسك الإمبراطورية الفرنسية بمواقفها الحالية لحماية مصالحها الإستعمارية في أكبر بلد الذي يشكل أكبر رقعة جغرافية في القارة الإفريقية. فهذا الحراك السلمي تحت شعار “ترحلوا ڨاع” ممكن أن يتحول إلي فوضي خلاقة بحيث من الممكن أن تنحرف تلك الإحتجاجات الشعبية عن مسارها الإصلاحي  و تنجرف نحو العنف الإجرامي و الدخول مجددا في دوامة الحرب الأهلية التي عانت منها أغلب فئات المجتمع الجزائري خلال فترة التسعينات.
فؤاد صباغ