كالهر يحاكي انتفاخاً صولة الأسد – بقلم : محمد مسلم الروسان


آراء حرة …..
محمد الروسان – الاردن …
لا أنفك اتذكر هذه الكلمات كلما مر من أمامي موقف عربي من المحيط إلى الخليج، وبخاصة عندما أقرأ بين ثنايا ذلك الموقف نبرة الشعور بالقوة والقدرة على إحداث التغيير في الساحة العالمية، أو نبرة تحد واضحة من دولة لم يخض أصحابها شجاراً في مدرسة ابتدائية، ويعتقدون أنه يمكن لهم بالمال أن يهددوا أنظمة راسخة كالجبال في أرضها، أو أن يغيروا مواقف شعب كرامته هي كل ما يمللك.
سمعت طرفة من أحد الأصدقاء يوماً لا أعرف صحتها عن زعيم عربي ذهب لأداء مناسك الحج، وفي يوم رمي الجمرات قام برمي ست حجارة وليس سبعة، فقال له أحد المرافقين: يا سيدي لقد رجمت إبليس بست حجارة فقط، فقال له مبتسماً: إنني أحافظ على شعرة معاوية مع إبليس فقد أحتاجه يومأً ما، فلا أريده أن يغضب مني بحيث لا أقدر على الصلح معه.
من يعتقد بأننا نسير نحو الأفضل فمستشفى الأمراض العقلية أولى به، فهي حرب مصالح ليست إلا، وكل دولة عربية تعقد تحالفات يميناً وشمالاً تعتقد أنها بهذه السياسات تضع نفسها في بر الأمان من المحتوم؛ هي دولة مراهقة سياسياً على أيدي مراهقين لا يعرفون شيئاً. فجميع الدول العربية دون استثناء تحاول أن تنال رضا كل الأطراف القوية على الطاولة، غربية كانت أو شرقية، فهي لا تعرف إلى أين ستميل كفة الميزان في نهاية المطاف، وتريد أن تحافظ على علاقات الود مع الجميع، ونرى هناك بعض التحالفات تجري في العلن، وبعضها في السر، وذلك بحسب قوة الحليف على طاولة اللعب. فإن كان اللاعب قوياً كان التحالف علنياً، وتقل درجات العلانية في تلك التحالفات والعلاقات بحسب قوة اللاعب، ومجريات اللعبة.
لم أرى أي دولة عربية تريد أن تكون لاعباً رئيسياً على الطاولة، ولا يريد أي نظام سياسي عربي أن ينظر تحت أقدامه ليعرف أين يقف وماذا يمتلك من قوة بشرية ومادية وعقيدة لا ترتبط بالمادة، ولا يفكر أي نظام عربي في بناء علاقات عربية عربية بطريقة تسمح بوجود أحدهماً لاعباً قوياً  على الطاولة يمثل كلاهما، ولسان حال الجميع يقول: اللهم نفسي، معتقداً بأنه الأقوى والأذكى.
يقينا أن الأنظمة السياسية أو دوائر صنع القرار فيها لا تقرأ التاريخ، ولا يعرفون من التاريخ إلا ما يخص عائلاتهم وثرواتهم الخاصة، فيما جميع الأنظمة التي يجري التحالف معها لا يدوم واحد منهم في السلطة أكثر من بضع سنين حتى يأتي غيره بأفكار جديدة وتطلعات مختلفة وقد لا تعنيه تحالفات السابقين عليه إلا بالقدر الذي يحفظ لحكومته المكاسب التي لم تتحقق بعد. وجميع الدول التي لها أذرع في بلادنا هي أذرع ماصة للدماء فقط، ولا يعنيهم من الدول العربية إلا كمية الثروات التي يقومون بنهبها منها، ويحافظون في مراكز السلطة على من يضمن لهم استمرار نهب تلك الثروات.
لدينا عوامل وحدة لا تنكسر، لغةً وديناً وأرضاً ووجداناً يقول: آن الأوان أن نقول لا للجميع، ومن يريد أن يعقد تحالفاً معناً فبالقدر الذي يحفظ لنا مكاسباً نستطيع الاستغناء عنها وقتما نشاء، ولكنها مقولة هولاكو عندما أعدم المستعصم بالله، حيث قاله له بعد أن أخذ كل ثرواته: لو أنك أنفقت هذه الأموال على شعبك لما استطعنا غزو بلادكم.

مناسبة شتات ما كتبت سابقاً هو الحديث الذي لا ينقطع عن صفقة القرن، التي بات الجميع دون استثناء ينتظر تفاصيلها بفارع الصبر، والكل يفتي فيها وكأنه الجليس الخاص لترامب أو صهره كوشنر، وعلى الحقيقة لا أحد يعلم عنها شيئاً، سوى أنها مهددة بسبب لا كبيرة قالها جلال الملك عبدالله الثاني، وما فهمناه من هذه اللا الكبيرة أن ما يجري في الخفاء شيء لا يسرنا. ولكن حتى نكون صادقين مع أنفسنا: نحن ننتظر صفقة القرن علها تحمل في طياتها ضربات موجعة تجعلنا نستفيق من غفلتنا وتعيد لهذه الأمة بعضاً من كرامتها المفقودة على أيدي أشباه الرجال، فقد وصل بنا الحال من الروتين واللهاث وراء ماديات الحياة إلى مستوى القرف، نعم القرف، نحيا على الهامش ونموت على الهامش ولا هم لنا سوى بطوننا ومقتنيات منازلنا حتى تتباهي بها زوجاتنا أمام جارتها.
أنظمة عربية مشغولة بتعديلات دستورية تضمن لنفسها البقاء في كرسي السلطة إلى يوم البعث، ومنافقين من حولها يقيمون الأفراح والليالي الملاح بمناسبة استفتاء على المزيد من العبودية، وأنظمة داخل حدود الدولة الواحدة تهاجم بعضها بحجة الإرهاب، وأنظمة لا تفعل شيئاً سوى إطعام كلابها وذبابها حتى تهاجم دولاً تحاول أن تستعيد أمجادها الغابرة، والحال بشكل عام مزري بطريقة مقرفة.
وما أشبه حالنا اليوم بزمن ملوك الطوائف، حتى قيض الله قائداَ أسقطهم عن عروشهم، ووحد طوائفهم، وأدام حكم الإسلام أربعة قرون كاملة على بلاد كان الضياع مصيرها المحتوم. وللحديث بقية تفصيلية بهذا الشتات.

د. محمد مسلّم الروسان