كل شيء عن النسبية : ما بين الأصالة والانتحال – بقلم : بكر السباتين

دراسات …..
بقلم : بكر السباتين ….
هل انتحل البرت أينشتاين النظرية النسبية أم أنه صاحب الملكية الفكري لها!
ومن هم العلماء الذين شاركوه في بناء النظرية وبحثوا مع أينشتاين في كل تفاصيلها؟
أم أن أينشتاين السوبرمان صنعته الآلة الإعلامية الصهيونية؟
وهل يحق لخصومه تجريده من حقوقه في النظرية؟
وأسئلة أخرى
حدث ذلك بالأمس حينما انتهينا من دورة (المدرب الدولي) بإشراف الماستر ترينر هاله السالم، وقد تطرق أحد الزملاء المشاركين، الدكتور أكثم العواجين إلى أسطورة (أينشتاين الفاشل)، من خلال حديثه عن دور الإرادة والمثابرة والإيمان بالفكرة ودورها في تحويل العالم إلبرت أينشتاين من شخصية عرفت ببلادتها إلى عالم فذ قدم للبشرية أهم النظريات المتمثلة بالنسبية (العامة والخاصة).
ربما اختلفت معه قليلاً أثناء المناقشة، وكان ذلك جزءاً من سياق الدورة التي شارَكَتْ فيها نخبةٌ من الأساتذة الزملاء في مجالي التدريب والإدارة TOT، وكان الافتراق في الرأي يكمن في موضوع بلادة أينشتاين في صغره وهو ما اشتهر به منذ كان يعمل في محل لتصليح الدراجات، حيث تحولت إلى قصة تحفيزية لتوظيفها في برمجة الصغار لغوياً وعصبياً لبناء الطاقات الإيجابية في الإنسان وتعزيز طاقة التحدي نحو التغيير.. وهذا جيد بالنسبة للتحفيز الإيجابي؛ لكنه من جهة أخرى غير منصف لشخصية فذة كأينشتاين الذي اتهمه خصومه بانتحال النظرية النسبية فيما دافع عنه آخرون من باب أنه قدم عملاً جماعياً ، بينما حولته الدعاية الصهيونية إلى سوبرمان.
وبالعودة إلى قصة عمله في محل للدراجات مملوكاً لجده من أبيه حيث خرجت أسطورة الطالب الفاشل من هناك دون إيراد التفاصيل عن عناصر هذه القصة التحفيزية؛ إلا أنني اتفقت والدكتورالعواجين أثناء المناقشة الموضوعية على أن أينشتاين في صغره كان يعاني من صعوبة في الحفظ لذلك كان يحصل على درجات متدنية وخاصة في مادة اللغة الألمانية.. أما في موضوع الفيزياء التقليدية التي كانت سائدة آنذاك فيبدو أن خيال أينشتاين العلمي المتفرد كان يتجاوز مفدرة مدرسي مادة الفيزياء على التخيل خارج إطار الأبعاد الإقليدية المكانية وقوانين نيوتن في السرعة والجاذبية.. حيث كان أينشتاين كما يبدو عليه الأمر، يتعبهم بأسئلته المدهشة، فيبدو بالنسبة لهم وكأنه يسخر منهم؛ الأمر الذي كان يؤدي إلى طرده من الدرس ونعته بالأبله البليد، ومن هنا نشأت أسورة التلميذ الغبي الذي تحول إلى عالم فذّ وخلاق.
ولكنه وأثناء المناقشة بشأن أينشتاين، فقد سقطت منّي عبارة وجدت أنني مسئول عنها وهي بأن النسبية لم تكن سترى النور لولا إسهامات مجموعة من العلماء الفاعلة فيها، وخاصة عالم الرياضيات العبقري غروسمان..
فلنطوي صفحة يوم أمس للدخول إلى عالم أينشتاين إبان صراعه مع الفيزياء التقليدية للتوصل إلى إجابات لأسئلة أتعبت رأسه من خلال تأملاته التي تجاوزت كل الحدود.
فمن منا لا يعرف العالم الألماني الأشهر البرت أينشتاين صاحب النظرية النسبية (العامة والخاصة) التي نشرها في أربع ورقات علمية.
والسؤال الذي يطرح نفسه في سياق هذا المقال فيما لو كان أينشتاين قد اشتغل على نظريته دون مساعدة فنية من أحد، أم أنه كان يعمل مع فريق من أصدقائه العلماء بعيداً عن مراكز البحث العلمي والجامعات، أم هل أنه انتحل نظرية النسبية ونسبها لنفسه!؟ وذلك في إطار إدارته للفكرة الفذة التي اصابت العالم بالدهشة وفتحت آفاقاً جديدة في عالم الفيزياء بما يعرف بفيزياء الكم.
كيف نحل هذا اللغز إذاً؟
بداية أود الإشارة إلى ما قاله كريستوفر جون بيركنيس في كتابيه
1- “البرت آينشتاين: المنتحل بلا حياء”
2- “ممهدات لآينشتاين في نظرية النسبية العامة”
حيث جاء فيهما ما يثبت بأن أينشتاين انتحل النظرية النسبية ونسبها لنفسه.
وقد جاء في مجلة “ميدويست بوك ريفيو” في ايلول سبتمبر 2002 عن هذين الكتابين، الذين وصفا”البرت آينشتاين بأنه:”المنتحل بلا حياء”. وإن الكتابين أعلاه المثيرين للجدل قد تعززا بمصادر شديدة الدقة”. وقال عنهما البروفسور امبرتو بارتوتشي في كانون الثاني يناير 2002: بأن “قراءة هذين الكتابين ينبغي ان يكون واجباً على جميع الناس المهتمين بتاريخ الفيزياء أو العلم”.
من جهة أخرى هناك من أثبت حق أينشتاين بالنظرية النسبية من باب أنه صاحب إدارة الفكرة من خلال العمل الجماعي مع فريق من العلماء المقربين منه خارج إطار الهيئات العلمية المعترف بها آنذاك. وهو ما قد نستنتجه مما جاء في مقالة مشتركة ل (مايكل يانسِن ويورغن رين)، (نُشرت هذه المقالة على موقع مجلة Nature في سبتمبر 2015.. حيث تطرق فيه الكاتبان إلى الدور الخفي الذي قام فيه مجموعة من أصدقاء أينشتاين في رسم معالم النظرية النسبية العامة رياضياً من خلال بيانات ساهم فيها كل من المهندس مايكل بيسو وعالم الرياضيات مرسيل غروسمان وزوجة أينشتاين الأولى عالمة الفيزياء ميليفا ماريتش التي يعتقد بأنها صاحبة الفضل الأول على أينشتاين في نجاح مشروعه الأهم في الفيزياء.. بالإضافة إلى الفيزيائيّ الفنلنديّ الشابّ غونار نوردستروم المتخصص بالكهرومغناطيسية، وعالم الفيزياء فريدريك كوتلر الذي عمم صياغة (فون لو) للزمكان، وعالم الفلك إيرون فينلي فرويندليتش الذي كان أول من قال بأن الجاذبية تحني الضوء، كل ذلك حدث حتى العام 1915.
تعرّف آينشتاين إلى غروسمان وبيسّو في الكليّة البوليتقنيّة الفيدرالية السويسرية في زيورخ – والّتي سُمّيت لاحقًا بمؤسسة التكنولوجيا الفيدراليّة السويسريّة، حيث كان يدرس هناك ما بين عاميّ 1896 و1900 ليصبح معلّم فيزياء ورياضيات في إحدى المدارس. وقابل آينشتاين أيضاً زوجته المستقبليّة، زميلته ميليفا ماريتش. حيث تقول الحكاية إنّ آينشتاين عادة ما فوّت المحاضرات واعتمد على ملاحظات غروسمان للنجاح في الامتحانات.
ويحسب لغروسمان أن والده وهو عالم رياضيات أيضاً، ساعد آينشتاين، ليضمن وظيفة في مكتب براءات الاختراع في بِيرْن في 1902، حيث التحق به صديقهما المهندس بيسّو بعد عامين.
وكانت النقاشات الّتي دارت بين بيسّو وآينشتاين قد أكسبتْ الأوّل -أي بيسّو- “عبارة تقدير وعرفان بالجميل” من آينشتاين في ورقته الأشهر في 1905 التي تقدِّم للنظرية النسبية الخاصة كاشفاً من وراءها ذلك الدور المساند له في مشروعه الأهم.
نشر أينشتاين تلك الأوراق العلميّة سنة 1905 “وكانت سنة مشرقة بالنسبة إليه، وبناءً عليها أكمل أطروحته لنَيل درجة الدكتوراه في الفيزياء في جامعة زيورخ في تلك السنة أيضاً.
في 1907، حيث كان لا يزال في مكتب براءات الاختراع، بدأ آينشتاين بالتفكير في توسيع مفهوم مبدأ النسبية في الحركة المتناسقة لتشمل الحركة العشوائيّة من خلال نظرية جديدة في الجاذبية. متجاوزاً بذلك توقعات أبو الفيزياء التقليدية، نيوتن، وبشيء من التبصّر، كتب آينشتاين لصديقه كونراد هابِخت قائلاً إّنه يأمل من هذه النظرية الجديدة أن تفسّر التباين الحاصل بمقدار 43 ثانية قوسيّة في القرن الزمنيّ الواحد ما بين توقعات نيوتن والقراءات الواردة عن حركة عطارد في حضيضه الشمسيّ، أي أقرب نقطة يكون فيها للشمس. والثانية القوسيّة جزء من 60 جزءًا من الدقيقة القوسيّة والّتي تُشكل جزءًا من ستّين جزءًا من الدرجة الزاويّة للدائرة.
وكان عمله الإداري في مكتب براءات الاختراعات يستهلك وقته فلا يجد منه ما يكفي لبلورة رؤيته ناهيك عن عدم مقدرته الرياضية التي تتناسب مع حجم مشروعه الفكري العلمي الخلاق المتمثل بالنسبية التي كانت عبارة عن تصورات وملاحظات عامة. فماذا فعل ليتحرر من روتين العمل حتى يوفر الوقت الكافي للبحث في نظريته الجديدية، فما كان عليه إلا أن غادر عمله عام 1909، ليعمل أستاذاً في جامعة زيورخ أولًا، ثم بعد عامين في جامعة تشارلز في براغ. حيث أدرك آينشتاين وجوب إدراج الجاذبية ضمن بنية الزمكان، حيث إنّ أيّ جسيمٍ غير خاضع لأية قوة أخرى سوف يتبع المسار المتاح والأكثر استقامة عبر انحناءات الزمكان.
ثم عاد آينشتاين إلى زيورخ والتأم شمله مع غروسمان في الكليّة البوليتقنيّة الفيدرالية السويسرية عام 1912 حيث وحّد العالمان جهودهما المشتركة ليشكّلا نظرية مُكتملة الأطراف.
ورغم أن الرياضيّات المتعلّقة بالنظريّة النسبية كانت نظرية غاوس للأسطح المنحنية، والتي تعلّمها آينشتاين غالبًا من ملاحظات غروسمان إلا أن الأخير تم تغييب فضله كشأن بقية من قدم المساعدة أو شارك أينشتاين في نسبيته وذلك من قبل أنصار أينشتاين والعجلة الإعلامية الصهيونية المرافقة لهم بغية خلق السوبر مان اليهودي المتميز؛ هذا على الرغم من اعتراف أينشتاين الموثق بفضلهم.. ناهيك عن أن المتخصصين بالنظرية النسبية يقدرون دورهم البنائي فيها. وبناءً على حوارات الفريق الثنائي (أينشتاين- غاوس) الذي اشرنا إليها آنفاً فقد استنجد أينشتاين بصديقه عالم الرياضيات غروسمان لتحليل أفكاره رياضياُ حتى تتبلور فكرته في إطارها النظري، طالباً منه بإلحاح: “عليك أن تساعدني حتى لا أجنّ”.
لقد سجلت هذه التداعيات المتعلقة ببناء النظرية في“دفتر ملاحظات زيورخ” لآينشتاين، حيث أدّى تعاونهم إلى نشر ورقة بحثية مشتركة نشرتْ في حزيران 1913 عُرفت بورقة “الخطوط العريضة“. وكان التطور الرئيسيّ الذي طرأ بين نشر نظرية “الخطوط العريضة” تلك في 1913 و نظرية النسبية العامة في تشرين الثاني 1915 هو “معادلات المجال” التي تحدد كيف تحني المادةُ الزمكان في الكون الممتد، والذي أقيمت عليه مفاهيم جديدة وفرضيات ساهم فيها علماء آخرون مثل مبدأ “عدم اليقين”. وما يجدر ذكره أن معادلات المجال النهائية تعدّ متغايرة بشكل عام، أي أنّها تحافظ على شكلها بغضّ النّظر عن نظام الإحداثيات الّذي يتم اختياره لتمثيلها. خاصّيّة التغاير هذه كانت محدودة للغاية في معادلات المجال في ورقة “الخطوط العريضة” على النّقيض من معادلات المجال الّتي نشرها آينشتاين لاحقاً.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من النظريات الجديدة التي طُرحتْ تُمثَّل فيها الجاذبية (مثلها مثل الكهرومغناطيسية) بمجالٍ في الزمكان المسطح بحسب النسبيّة الخاصّة.
وللعلم فإن إحدى النظريّات الواعدة كان قد أتى بها الفيزيائيّ الفنلنديّ الشابّ غونار نوردستروم، وأثناء محاضرة ألقاها آينشتاين في فيينا، قارن نظريته (الخطوط العريضة) التي ساعده فيها غروسمان، بنظرية نوردستروم، واشتغل على كِلتي النظريّتين ما بين أيار وأواخر آب 1913 ليقدّمهما ضمن نص محاضرته للنشر في مُتابعات لقاء فيينا عام 1913.
في صيف 1913، زار نوردستروم آينشتاين في زيورخ. وبعد مناقشات طويلة أقنعه آينشتاين بأن مصدر مجال الجاذبية في نظريتيهما يجب أن يُستخرَج من “مُوتّر الطاقة والزّخم” إذ كان يتم تمثيل الكثافة وتدفّق الطاقة والزخم بكمّيات منفصلة في نظريّات ما قبل النسبية، أمّا في النظرية النسبية فقد تمّ جمعها في كَمّية واحدة مع عشرة عناصر
أخرى.
لذلك حققَ مُوتّر الطاقة والزّخم ظهوره الأول في 1907-1908 في تعديل صيغة النسبيّة الخاصة المتعلّق بنظرية الديناميكا الكهربائية لجيمس ماكسويل وهندرك لورنتز من قِبل هيرمان منكوفسكي. وبفترة قصيرة أصبح واضحًا أن مُوتّر الطاقة والزّخم يمكن أن يتعيّن لأنظمة فيزيائية أخرى غير المجالات الكهرومغناطيسية. أخذ الموتّر مركز الصدارة في ميكانيكا النسبية الجديدة المُقدَّمة في أول كتاب عن النسبية الخاصة، لِمؤلّفه ماكس فون لو، والذي نُشر سنة 1911. وفي 1912 حيث قام فريدريك كوتلر، الفيزيائي الفنلندي، بتعميم صياغة (فون لو) للزمكان المسطّح لتشمل الزمكان المنحني وفي أن الكون أحدب كما أوضح ستيفن هوكنغ أشد المغرمين بنسبية أينشتاين. وقد اعتمد آينشتاين وغروسمان على ذلك التعميم في تعديلهم على نظرية “الخطوط العريضة”، حتّى أنّ آينشتاين، أثناء محاضرة ألقاها في فيينا، طلب من كوتلر بأن يقف حتى يُعرّف الحاضرين بجهوده عرفاناً منه بالجميل.
وفي سياق الدور المغيب للعلماء المساندين لأينشتاين في نظريته النسبية (العامة والخاصة) يأتي دور المهندس الفذ بيسّو حيث لجأ إليه للتحقّق مِن قدرة نظريّة “الخطوط العريضة” على تفسير الثلاثة والأربعين ثانية قوسيّة المفقودة خلال حركة عطارد في حضيضه الشمسيّ. لسوء حظهما، وَجَدَا أنها تفسّر 18 ثانية قوسيّة فقط، أمّا نظرية نوردستروم، والتي تحقّق منها بيسّو في وقت لاحق، أعطت 7 ثوان قوسيّة في الاتجاه الخاطئ. هذه الحسابات مُسجّلة في “مخطوطة آينشتاين – بيسّو” للعام 1913.
وبناء على تحليل تاريخي لمخطوطات موجودة فقد ساهم بيسّو بشكل كبير في تلك الحسابات وطرح أسئلة مهمة فيما لو كانت معادلات المجال في “الخطوط العريضة” تمتلك حلًّا واضحًا يُحدّد بشكل متفرّد مجال جاذبية الشمس. وهو ما منح آينشتاين فكرة الحُجّة التي جعلته يتّسق مع “التغاير المُقيّد” لمعادلات “الخطوط العريضة”. وبدا له أنّ “برهان الثقب” يُظهر أن معادلات حقل التغاير لا تستطيع تحديد مجال الجاذبية بشكل متفرّد بصورة عامّة، وبالتالي فهي غير مقبولة.
وكان بيسّو قد حذّر آينشتاين بأنه في حالة تفسير قوى القصور الذاتي للدوران، كقوّة الطرد المركزيّ التي نشعر بها أثناء ركوبنا على أحصنة دّوارة على أنّها قوى جذبيّة فإن النظرية لم تجتز الاختبار خلافاً لما كان يعتقد به أينشتاين.
ولكن في محاضرته في فيينا، في أيلول من عام 1913، ختم آينشتاين مقارنته ما بين النظريّتين بطلبه تجربة يختبر فيها الموضوع لحسمه نهائياً.
وفي الحقيقة أن نظرية الخطوط العريضة تتوقع أنّ الجاذبية تثني الضوء، أما نظرية نوردستروم فلا تقول بهذا. إذْ سيتطلّب الأمر خمس سنوات أخرى لمعرفة ذلك.
إيرون فينلي فرويندليتش، فلكيّ شاب من برلين، كان آينشتاين على صلة به منذ أيامه في براغ، سافر إلى شبه جزيرة القرم من أجل كسوف شمس شهر آب عام 1914 ليحدّد إن كانت الجاذبية تثني الضوء، ولكن تمّ اعتقاله من قبل الروس إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى. أخيرًا، في عام 1919، صادق الفلكي الإنجليزي آرثر إيدينغتون على توقعات آينشتاين حول ثني الضوء من خلال ملاحظة انحراف النجوم البعيدة المرئية بالقرب من حافة الشمس أثناء كسوف آخر، جاعلاً من آينشتاين شخصية شهيرة.
بعد محاضرة فيينا، تعاون آينشتاين مع فيزيائيّ شابّ آخر، إدريان فوكر، وهو أحد تلامذة لورنتز، لإعادة صياغة نظرية نوردستروم باستخدام الرياضيات نفسها التي استخدمها آينشتاين وغروسمان لإعادة صياغة نظرية “الخطوط العريضة”. أثبت آينشتاين وفوكر أنّ في كِلتا النظريّتين هنالك إمكانيّة لإدراج مجال الجاذبية في بُنية الزمكان المنحني. إن هذا العمل أعطى آينشتاين صورة أوضح لبُنية نظرية “الخطوط العريضة”، الأمر الّذي ساعده هو وغروسمان في نشر ورقة مشتركة ثانية حول النظرية. وفي الوقت الذي نُشرتْ به في أيار 1914 كان آينشتاين قد غادر إلى برلين.
مع نهاية 1914، زادتْ ثقة آينشتاين بشكل كافٍ ليكتب عرضًا مطوّلًا للنظريّة، ولكن في صيف 1915 بعد سلسلة محاضرات له في غوتنغن التي أثارت اهتمام الرياضيّ العظيم ديفيد هيلبرت، بدأتْ تساور آينشتاين شكوك جادة. إذ تبيّن له بأنّ نظريّة “الخطوط العريضة” لا تجعل الحركة الدورانيّة نسبيّة كما تنبأ المهندس بيسّو الذي كان محقاً.
أدرك آينشتاين سريعًا أن مشكلة نظريّة “الخطوط العريضة” تكمن في معادلات المجال الخاصّة بها.
ولشدة قلق أينشتاين من إمكانية تغلّب منافسه اللدود هيلبرت عليه، هرع لنشر معادلات جديدة سريعًا في بدايات تشرين الثاني من عام 1915، مُعدّلا عليها في الأسبوع الذي تبع ذلك، ومرة أخرى بعد أسبوعين، بورقتين لاحقتين قدمهما للأكاديمية البروسيّة. وقد لوحظ بأن معادلات المجال لدة أينشتاين غدت، بشكل عام، متغايرة أخيرًا.
وفي سياق العرفان بالجميل، فقد حصب ما يوثق مساهمات بعض العلماء في تفاصيل نسبيته، ففي ورقة تشرين الثاني الأولى، كتب آينشتاين أن النظرية كانت “النصر الحقيقي” لرياضيات كارل غاوس وبيرنارد ريمان. وذكر في هذه الورقة أنه وغروسمان الذي لازمه في كل مراحل بناء النظرية المتفردة حيث قاما بأخذ هذه المعادلات، واقترحا أنهما لو سمحا لنفسيهما أن يتّبعا الرياضيات وحدها دون الفيزياء لما قبلا معادلات ذات تغاير محدود من الأساس، أي أنه سيكون للرياضيات دورها التحليلي والبياني التوضيحي لفهم كيف تعمل الفيزياء.
.لقد عرف آينشتاين بفضل التعديلات على نظريّة “الخطوط العريضة” من خلال مراسلاته ما بين 1913-1915 الّتي توصل إليها بمساعدة غروسمان وبيسّو ونوردستروم وفوكر – كيفية حل المشاكل التي واجهته من خلال التفسيرات الفيزيائية لهذه المعادلات الّتي أحبطته في السابق. هذه الأسماء الكبيرة في عالمي الفيزياء والرياضيات التي شاركت بنسب متفاوتة في النظرية النسبية وهو ما لم يعجب أولئك الذي يبحثون عن السوبرمان اليوهودي خلافاً لما عرف عنه أينشتاين الذي كان يرد الفضل إلى أهله وهذا من شيم العلماء الكبار عبر التاريخ.. وعليه فأينشتاين لم ينكر فضل أولئك في إقناعه بذكر برهان الثقب في ورقتيه الثانية والرابعة وخاصة بيسّو وإيرنفِست بعد أسابيع قليلة من نشر الورقة الأخيرة، المنشورة في الخامس والعشرين من تشرين الثاني، حيث وجد آينشتاين ضالته للتخلّص من ذلك المأزق عن طريق إدراك أن الأحداث المتوافقة في المكان فقط تمتلك معانٍ فيزيائية وليس إحداثيّاتها. وللتذكير فإن المهندس بيسّو كان قد اقترح مخرجًا مشابهًا من ذلك المأزق قبل عامين من ذلك، ولقربه من تداعيات بناء النظرية النسبية فإنه من المؤكد قيامه بمناقشة هذا المَخْرَجْ مع أينشتاين الذي كان يلجأ إلى أصدقائه العلماء كلما وقع في أزمة مع مشروعه العلمي ليستعيده مجدداً بعد أن كان قد رفضه حينما عرض عليه أول مرة بفظاظة، وبالفعل استعان به أخيراً لينقذ نظريته. وبمساعدة هذا الفريق من العلماء المشارك في بناء نظريته ولو بنسب متفاوتة فقد عاد آينشتاين لدراسة حركة عطارد في حضيضه الشمسيّ من جديد. خلال ورقته الثالثة، مدخلاً المعلومات الفلكية التي توفرت لدى فرويندليتش من قبل، في إطار الشكل الذي اشتقّه لنظريته الجديدة، حيث توصّل آينشتاين لقيمة 43 ثانية قوسيّة/قرن زمنيّ، واستطاع بذلك أن يبيّن الاختلاف ما بين نظرية نيوتن والمشاهدات الرصديّة بشكل كامل.
بقي آينشتاين متحفّظاً على إبداء السبب في قدرته على القيام بالحسابات الرياضية بسرعة مدهشة دون أن يصرح في أتون صراعه مع الفيزياء التقليدية القائمة على معادلات نيوتن في عالم إقليدي الأبعاد، بأن الفضل يعود للفريق العلمي المساند له وخاصة صديقه الفذ، غروسمان، عالم الرياضيات الذي شاركه في بناء نظريته رياضياً. والمهندس بيسّو الذي ساهم ببعض التعديلات الطفيفة؛ ربما جاء ذلك من باب السرية في العمل بهذا المشروع الذي واجه من خلاله منافسين أشداء رغم أنه كان يرد الفضل لأصحابه من خلال تقديم الشكر لهم مذيلاً في نهايات أوراقه العلمية الأربع، دون أن يحدد حجم إسهاماتهم.
ما ذكر آنفاً سيأخنا بلا ريب إلى فكرة أن أينشتاين أنجز مشروع النسبية بمشاركة بعض العلماء الذين أحاطوا به منذ البداية، أي منذ العام 1902.
ولكن ما يثير الاستهجان هو اتهام إلبرت أينشتاين بانتحال النسبية ونسبها لنفسه.. دعونا نتبين الأمر من خلال ما قال خصومه المعاصرين له حول علاقته بالنسبية فيما لو كانت من صميم فكره أم تم انتحالها من قبله، ولنبدأ بهاري بيتمان الذي قال:
“ان ظهور مقال الدكتور سلبرشتاين عن “النسبية العامة بلا فرضية المساواة” شجعني على التشديد ثانية على وجهات نظري الخاصة حول الموضوع. حيث اجدني ملزماً بقول ذلك لأن عملي حول موضوع النسبية العامة كان نشر قبل عمل آينشتاين وكوتلره ويبدو انه أُغفل عنه من جانب الكتاب الحاليين”.
أما ج. هـ. كسواني فقد قال:
“في واقع الحال، اذاً، لم يكن بوانكاريه اول من اعلن عن النظرية النسبية فحسب، بل انه اكتشف ايضاً في عمل لورنتس القوانين الرياضية اللازمة للنظرية. وهذا كله حصل قبل ظهور رسالة آينشتاين العلمية”.
وقال جيمس ماكاي:
“ان تفسير آينشتاين تنكّر لا مثيل له للورنتس… وبالتالي ان نظرية آينشتاين ليست انكاراً او بديلاً لنظرية لورنتس. انها نسخة مطابقة لها وتنكّر لها… وأكد آينشتاين باستمرار ان نظرية لورنتس صحيحة، سوى انه يختلف معه في طريقة تفسيره. أليس واضحاً، بالتالي، ان نظرية آينشتاين، في هذه، كما هي الحال في حالات اخرى، هي مجرد تنكر لنظرية لورنتس، وهل ان الاختلاف الظاهري حول التفسير لا يعدو ان يكون اختلاف كلمات؟”.
في المحصلة فإنّ صاحب النسبية سواء قيل بأنه انتحلها أو صاحب ملكيتها الفكرية المكتشف لها، أو صاحب النظرية التي تشارك فيها مع آخرين، فإننا لا ننكر فضله في إدارة الفكرة من أصلها التي أدت إلى ولادة النظرية النسبية (العامة والخاصة) بالتعاون مع بعض العلماء، بالإضافة إلى جلده وصبره وتمسكه بفكرته الخلاقة.
وخلافاً لعجلة الدعاية التي حولت أينشتاين إلى سوبرمان كونه يهودياً فإننا لا نرى من باب الإنصاف تجريد هذا العالم الفذ من حقوق ملكيته الفكرية لهذا المنجز العلمي الأهم في تاريخ العلوم مع ضرورة إيراد أسماء المشاركين في إنجازها في سياق تاريخ هذه النظرية الفذة. وللإنصاف أيضاً فإن أينشتاين لم يكن بالسوبرمان بنسخته الصهيونية، بل على العكس من ذلك إذْ تمتعت شخصيته بالساطة والتواضع. لا بل أنه رفض من قبل عرضاً صهيونياً بتنصيبه رئيساً للكيان الإسرائيلي مبرراً رفضه بأنه خلق ليكون عالماً بالفيزياء التي حقق من خلالها المعجزات بمساعدة بعض معاصريه، وجعل النظرة إلى العالم ببعديه المادي والروحي مختلفة.. حيث أضاف بمساعدة الفريق العلمي المساند بعداً رابعاً للأبعاد الإقليدية وهو الزمن بما بات يعرف اصطلاحاً ب(الزمكان).. وأدخلنا في غياهب اللايقين للبحث عن محددات الذرة وصولاً إلى السيطرة عليها من خلال علوم النانو ميتر التي ساهم في تطويرها العالم الفلسطيني البروفسور منير نايفة حيث يعود الفضل إليه في تحريك الذرة وعزلها والتحكم بها بمساعدة آخرين.. بالإضافة لما أنجزه العالم المصري الفذ البروفسور أحمد زويل في علوم الليزر واكتشافه للفيمتو ثانية (مليون مليار كوادرليون جزء من الثانية). فالمجهود العلمي الإنساني ليس ملكاً لأحد.. وهو جهد متراكم وإنجازاته لم تكن لولا تظافر العلماء المؤمنين بأهمية العلم بمعزل عن الدعايات السياسية التي أدت إلى تهميش قامات علمية عظيمة ممن أثروا بعلمهم الفيزياء.. وأسهموا في بناء نسبية إلبرت أينشتان الذي يعد بدون منازع أبو الفيزياء الحديثة.
28 أبريل 2019