” سليمان عوض “وأوجاع الحب الأول في رواية “أمنية ” بقلم : السيد الزرقاني

ابداعات عربية …..
بقلم /السيد الزرقاني  – مصر ….
”  رفعـت رأسـي لأرى أمـامي ِ فتـاة لیـست بالنحیلـة، دقیقـة الملامـح، بیـضاء البـشرة مـع صـفاء فیهـا، عیناهـا واسـعتان، وكأنهمـا اللؤلـؤ حـین تتحـرك، وابتـسامة كأنهـا تختصر كل جمال العالم.”هكذا يأخذنا الكاتب والروائي “سليمان عوض” في روايته “أمينة ” الصادرة عن دار سندباد  في 140 صفحة حيث يأخذنا في بداية روايته إلي إشكالية من الإشكاليات الاجتماعية  الواقعية وهي شغف الحب الأول في حياة الإنسان  ومدي تمسكه بهذا الحب والذي تغيرت معالمه في وقتنا الحاضر ما بين تعدد التجارب بالنسبة للشاب أو للفتاة في ظل المتغيرات الاجتماعية والثقافية  التي تهدم كل ما هو ثابت من قيم ومثل عليا في ظل عولمة جائرة لا ترحم أي معتقدات مثالية أو حتى أخلاقية  في زمن تحللت فيه الثوابت القيمية  علي أعتاب تلك المتغيرات الوافدة علي المجتمعات العربية وهنا  نتذكر علي الفور تلك الكلمات للكاتبة الروائية “سماح الجمال “( إلى كلِّ امرأة تحلمُ بالحبِّ في مجتمعٍ غير جديرٍ به وغير مؤهلِّ له، كوني قطعةَ شوكولاتة لذيذةً، طريةً، تذوبُ عشقًا، ولكن لا تخلو من حباتِ اللوز القاسي…كوني قويةً كوني أنتِ)ومن هنا نجد الكاتب قد برع في اختيار تلك العتبة الأولي للانطلاق نحو مسرح الحدث وهي اللقاء مابين البطل والبطلة من خلال هذا الوصف السردي الدقيق لديكور الحدث في مشهد سينمائي دقيق ليخلق حالة الانبهار العاطفي الذي تولد من تلك النظرة وتلك الكلمات وينطلق بنا الكاتب في خلق حالة من حالات الصراع الطبقي والفكري ما بين الشخصيات الرئيسية في روايته او الأبطال الرئيسية  من خلال استخدام أسلوب روائي بسيط ومشوق للمتابعة ،حيث خلق حالة من الجدلية مابين شخصيات غير متجانسة ثقافية  او اجتماعيا  ليمرر للقارئ التمسك بتلك الثوابت  الاجتماعية رغم الرفض الطبقي الذي سيطر علي الكثير من الأبطال وعند تناول الحوار الأول بين البطل والبطلة تطل علينا عبقرية الكاتب في الإمساك بالكلمات والحروف  ليرسم لنا لوحات حوارية دقيقة المعاني والدلالات من رسم جيد لمسرح الحدث وتجلت براعة الكاتب في تحريك الشخصيات في حوار  درامي وفلسفي بطريقة خاصة أظهرت براعته في تدفق الإحداث في ترابط  وتداخل دون الإخلال بالبناء الفني في الرواية ففي البداية تأخذنا الي تلك العادات والتقاليد المصرية في تناول درامي وصور حياتية من خلال تلك المفردات التي استخدمها حيث نجده في ص 12حيث الحوار التالي (بس؟ طیب.. أنت اسمك أیه یا دكتور. – سامي. – طیب یا دكتور سامي أنت عایز سكن الأطباء لیه؟ – قال لي عمى محمود استنى الأستاذ عبد السلام في سكن الأطباء – یخصى علیه محمود طیب مش یقولك استنى في الاستقبال! سـرح ذهنـي مـع هـذه الحوریـة التـي لـم أر مثلهـا مـن قبـل، وتـساءلت  فـي نفـسي  هل ولدت من رحم أم كأمهاتنا، أم أنها قـد هبطـت للتـو مـن الـسماء لتبـدد  وحـشتي في هذا المكان المقفر؛ من عساها تكون؟! – أیه یا دكتور أنت سرحت ف إیه؟ لعلمك ده هیكون مكانك علي طـول؛ كـل دكاترة الامتیاز ده المكان اللي بیبقوا فیه أغلب الأوقات. ثم غمزت بعین واحدة. – وده مكاني – إن شاء االله بس. – بس أیه یا دكتور  نت؟ – هوا إ – أنــا تلمیــذة بمدرســة التمــریض؛ وهنــا أتــدرب؛ هــوا أنــت مكــسوف ولا أیــه یــا دكتور سامي؟ الآن أنا أسمعها دكتور سامي ومن فم كأن كل بلابل الأرض ترددها. – یــا دكتــور ســامي أنــت الــدكتور وأنــا مــشروع ممرضــة! بكــره هتاخــد علینــا ً وتأمرنا؛ وتوبخنا أحیانا؛ بس وحیاتك تبقى حنین علیا . عاودت الغمز مرة أخرى وهي تقول: حنین علیا أنا بس)
– وتلك الرواية تتميز بتدفق الحدث حتي نصل الي قمة الإثارة الدرامية في هذا اللقاء الحميم مابين البطل والبطلة في منزل حسنيه  في الفصل الخامس في ص 81 حيث يقول “أبلغت أمنیة بسعادتي أن دمـى قـد اخـتلط بـدمها فـي عـروق المریـضة وقـد كـان ســببا لحیاتهــا، فقامــت بــضمي إلیهــا بعنــف وقبلتنــي ًــ تقبــیلا عنیف ا، لــم أدرى متــى تجردنـا مـن ملابــسنا وكیـف أخـذتنا النــشوة وكأننـا أبـدلنا بشخــصین آخـرین، حتــى وجدت دمها یبكى علي أفخاذي حتى قدمي. وكأن بكاء دمها قد استحث دموعي التي انهمرت من ندم علـي مـا حـدث، وقـد أفقدتها أغلي ما تملك في لحظة غیاب عن الوعي. بـدل أن تبكـى أمنیـة وكنـت أرى أنهـا أولـي بالبكـاء فـإذا بهـا تهـدئ مـن روعـي، وهي تفتعل الضحك، ثم انقلبت للهجة جادة عنـدما أخبرتهـا أنهـا خـسرت أغلـي مـا تملك ” ومن هنا تأخذ الرواية منحيات أخري مابين الشد والجذب بين الشخصيات الرئيسية والثانوية  وينتقل القارئ مابين الواقع والخيال في تناول الحدث الدرامي فيها إلا أننا من خلال تناول الدراسة لتلك الرواية  نجدها تدور هو عدة محاور أساسية هي :-
1- المحور البيئي
– حين نجح الكاتب في رسم بيئة الحدث رسما دقيقا من الوصف المرحلي  للمكان مستخدما تلك المفردات البسيطة في تناول الوصف ليخلق حالة من التصور الذهني عن تلك البيئة وكان محور الفصل الأول هو تناول مفردات تلك البيئة الحاضنة لإحداث الرواية في فصولها المختلفة  متخذا من عناصرها المكانية والبشرية عنوان لمجتمع بيئي متفاعل  بما يملك من ثقافات مختلفة وعناصر متابية  حيث نجده في الفصل الأول ص 7 يقول (. هنـا فـي هـذا المبنـى العتیـق سـأكون الـدكتور سـامي، ولـیس الأسـتاذ سـامي كمـا تعود أهل قریتنا علي مناداتى. فقـد كـان مـن عـادة أهـل القریـة أن ینـادوا مـن یلـبس البیجامـة بالأسـتاذ، تمییـزا عـن معظـم أهــل القریـة، الــذین یلبـسون الجلبـاب، فكــان الـزى الرســمي لمـن سـلك طریـــق المـــدارس أن یجـــوب البلـــدة لابـــسا بیجامـــة ، أمـــا القمــیص والبنطلــون فهـــو للمدرسة أو الجامعة فقط. 9 وقفـت أمـام البـاب الكبیـر وقـد وضـع أعـلاه لافتـة كبیـرة؛ ولكنهـا باهتـة بقـدر مـا مر علیها من زمن، لا تكاد تقرأ مكتوب فیها المستشفى العام. َ كانــت البوابــة الحدیدیــة الكبیــرة مثبتــة فــي سـور یكــاد لــم یبـق منـه غیـر هــذین العمـودین، المثبـت بهمــا البـاب وهـدم بــاقي الـسور، حتـى لــم یبـق للأبـواب أهمیــة َ تذكر، تستطیع أن تدخل من أي مكان في السور، ولكنى لابـد أن أدخـل مـن هـذا الباب، وتحت هذه اللافتة. حینها تمنیت لو كان معي صدیقي مجدي، بما یملك من آلة التصویر، لیلتقط  فـي الـصورة، والواقـع لي صورة تحت هذه اللافتة، ولكن اللافتة باهتة قـد لا تظهـر أن صــدیقي مجــدي لــیس معــي، فــلا داعـي للتمنــي، تقــدمت بخطــى خجولــة مــن خلال الباب أنظر یمینا ویسارا ماذا أنا فاعل؟ ! تقدمت إلي مبنى عتیق ذي أبواب خشبیة عالیة. ماذا عساي أن أفعل والي أین أذهب؟! إذن فلأدخل ولیكن ما یكون! بضع خطوات في دهلیز ضیق لم یكن یكفي لأن یسیر فیـه شخـصان ممتلئـان متجاوران. لا أحد هنا وقفت حائرا أنظر للحجرات المغلقة ! أخیرا وجدتها حجرة المدیر، نعم لابد أن یكون هو المقصد، فلا أحد هنـا ولكـن قد یكون المدیر بالداخل. تقدمت خائفا وجلا، وطرقت الباب عدة مرات، ولا من مجیب . تسمرت مكاني لمـدة لا أظنهـا بالقـصیرة، حتـى ظهـر أمـامي رجـل أسـود، یلـبس ً ً جلبابا متسخا، وكأنه جاء لتوه من حقله، أو من حظیـرة مواشـیه، فقـد كنـت معتـادا  علي هذا في قریتي. – فیه إیه یا أستاذ؛؟ أنت واقف عندك لیه؟ وقبـل أن أنطـق كـان قـد أردف، آسـف یـا دكتـور بـاین مـن البـالطو أنـك دكتـور)تلك هي الصورة التي صدرها لنا الكاتب معبرا عن مسرح الأحداث التالية في الرواية ساردا لنا العناصر البشرية ابتداء من عم محمود العامل إلي صف الممرضات وصولا إلي الأطباء كل بدورة وتفاعله في أحداث الرواية حتي منزل حسنية الذي شهد قمة الإثارة في الرواية تم توظيفه بشكل جيد لخدمة الحدث صعودا وهبوطا حتي نصل إلي النهايات المنطقية التي خدمت البناء الدرامي
2- المحور البشري
– برع الكاتب في خلق حالة من الجدلية والصراع داخل روايته من خلال تلك العناصر البشرية التي اختارها بعناية وتم تقسيم هذا المحور الي عدة شرائح اجتماعية وبشرية تحتفظ كل منها بعادات وثقافات مختلفة ونجح في الربط الدرامي بين تلك الاختلافات  والثقافات من خلال تفاعل دينامكي وسيكولوجي بين تلك العناصر فنجد حالة التفاعل المكاني بين “الأطباء والإدارة ” ” الأطباء والممرضات ” “الأطباء بعضهم البعض ” وصولا إلي الصراع المزعوم بين عائلة سامي وعائلة “أمينة التي تمثل المحور الرئيسي للرواية ابتدأ من الصفحات الأولي حتي السطر الأخير بما تحمله من ثقافات غيرت مجري الحدث الدرامي  وتنهي حالة من الصراع الطبقي الذي دعمه بعض العناصر البشرية الاخري من الأطباء من أصحاب الأفكار المتطرفة  وان كان الكاتب قد حمل تلك الشخصية الكثير من وقائع وأحداث الرواية  علي حساب شخصيات أخري بها حث نجده في ص 87 يقول (ردت أمـي وكأنهـا تـزیح صـخرة ثقیلـة مـن فـوق صـدرها: شـوف یـا بنـى إحنـا لا بتــوع حــب ولا كــلام فــارغ، ولا إحنــا قــد ولاد البنــدر، تیجــى بنــت بتلعــب بالبیــضة والحجر، تضحك علیك وتورطك في جوازة مش لك، تندم علیها طول العمر؟ – بنت أیه وجوازة أیه؟ – البنــت اللــي أنـــت ماشــى معاهــا الـــصایعة دى اللــي أهلهــا رد ســـجون؛ ولاد الحلال جولنا وقالولنا علي اللي أنت بتعمله، كتر خیرهم خایفین علیك. – طیب مین ولاد الحلال دول؟! – مش مهم مین؟!. – طیــب مــدام الموضــوع كــده، أنــا كــده كــده كنــت جــاي عــشان أفــاتحكم فــي الموضوع ده، لأنها بنت كویسة جدا، وأبوها مش رد سجون، أبوها مدرس محترم، وأمها ست محترمة جدا . – ملنـاش دعـوه؛ كفایـة أنهـا هتبقـى ممرضـة، یعنـى صـایعة، تقبـل إزاى علـي نفــسك تتجــوز ممرضــة؟ تــسیبك فــي البیــت وتنــام هیــا فــي المستــشفى، إحنــا مــا فرحنـاش بأنـك بقیـت دكتـور عـشان تـروح تجیـب لنـا ممرضـة؛ یـادى الخیبـة اللـي مش علي حد! – یا ستي عموما أنا مش هقابلهـا، ولا هـشوفها بـس یـا ریـت تـسألوا عنهـا وعـن أهلها، وأنا مش ممكن أزعلكم رد والدي: بس أنت لازم تسیب المستشفى. عبثــا حاولــت معرفــة مــن هــو أو هــي أو هــم، مــن أبلغهــم؟! وأوشــى لهــم هــذه الوشاية  )ونجح الكاتب في خلق حالة من التشابك الفكري والاجتماعي  سرد ادبي بديع  مع الحفاظ علي التطور الزمني والمكاني للرواية
3- المحور المهني
– كان الكاتب بحكم مهنته كا طبيب  حريص علي نقل تلك السرائر التي تسود تلك المهنة التي كانت لها قدسيتها في الماضي وكيف تدهورت علي ايد أصحابها رغم وجود بعض النماذج التي مازالت تحتفظ بتلك القيم المثالية لهذه المهنة وان عناك من يسيء لها من خلال استغلال أوجاع المرضي في تحقيق مكاسب مادية او من استغلال تلك المنشات الصحية خاصة في الأرياف والمناطق النائية في نشر الفكر المتطرف للجماعات الدينية   مما يهدد السلام والأمن الاجتماعي في تلك المناطق وان هناك صراع خفي بين أفراد تلك المهنة منها ما هو ايجابي ومنها ما هو سلبي وحرص الكاتب علي رصد هذا الواقع بكل تفاصيله من خلال نماذج ومواقف   متباينة ومردود تلك المواقف  علي الجماهير رغم المستوي الثقافي المتدني حيث رصد في ص  25(الدكتور شـكري ودودا، طیـب الخلـق ولكنـه كـان كـسولا، ع النقـیض مـن الدكتور سلام. كــان الــدكتور شــكري دائمــا  یوصــیني بحــسن الخلــق مــع المرضــى، وأن أحــس المهـم؛ لـم یكـن یغـادر سـكن الأطبـاء إلا للعملیـات صـباحا؛ لـم ألحـظ أن الـدكتور  شـكري مـسیحیا، إلا مـن زوبعـة أثارهـا الـدكتور عـ امر، حـین طلـب مـن عایـدة أن یكــون ســریره فــي حجــرة غیــر الحجــرة التــي ینــام فیهــا الــدكتور شــكري، وألا تقــدم الطعام له مع الدكتور شكري، فترد عایدة علیه: – إمتى هتمـشى مـن هنـا دانـت بتاكـل أكـل الـدكاترة كلهـم، وبتخبـي البـیض فـي دولابك لحد مـا یمـشش، انـزل یـا راجـل روح العملیـات، ولا الاسـتقبال، اتعلـم حاجـة أنت قارفني طول الیوم. لم تكن عایدة تنادیه إلا یا راجل أنت، ولم یكن ینادیها إلا یا ولیه. أمـا الــدمرداش فكــان لا یــأتي إلا قلــیلا، وكانــت وجباتــه الثلاثــة یــستحوذ علیهـا عامر. أما الدكتور سلام فكـان یكـاد أن لا یـستقر فـي الـسكن، وكـان یحـتفظ بمجموعـة من الكتب الدینیة ولا یفارقه مصحفه إن جاء أو راح. كنت أراه دائما ما یتدارس ما  في كتبه مع الكثیر، ولكن أكثر أوقاته كانـت مـع الممرضة ماجدة، ممرضة العملیات.)
– وفي زاوية أخري أشار الي بعض المواقف السلبية  التي يقوم بها بعض الأطباء خاصة  الذين تمرسوا علي الاستغلال كما جاء في ص64(الــدكتور عبـد العــال بترحــاب زائـد، ومــرح لـم أره منــه فــي المستشفى، وأصر علي أن أتناول معه الغداء. تعللت بأني فعلا قد تناولت الغداء في المستشفى. مستــشفي أیــه یـا واد هــوا أكــل عایــدة ده أكــل؟ أنــت هتاكــل معایــا أُمــال أنــا طلبتك لیه. بــرغم ازدحــام عیــادة الــدكتور عبــد العــال، كــان حریــصا  علــي التحــدث معــي، والتفكـه واسـتعراض الـذكریات، وشـقاوة فتـرة الامتیـاز، ومـن قـابلهم، ومـن صـاحبهم مـشغول دائمـا ً ًـ ذهنـي مـن الممرضـات، وأنـا أنـصت أحیانـا، وأضـحك أحیانا، ولكـن  بحوریتي التي أدمنت لقاءها والنظر إلیها وسماع صوتها الساحر، وحـین اسـتأذنته بالانصراف قال: عاوزك یكون مكانك هنا عندي بدل الجلوس في الاستقبال. هنا هتتعلم أكتر أنا شایف إنك ولد شاطر وعاوز تتعلم. ثم ضحك وقال: یا سیدي ولو هتوحشك البنت أمنیة، مفیش مانع إنـك تجیبهـا معاك. جرت الحرارة في وجهـي، ولـم أعـرف مـاذا أقـول؟! حتـى الـدكتور عبـد العـال قـد علـم بـشغفي بأمنیـة، شـكرته وأسـرعت الخطـى إلـي المستـشفى، علـي ألحـق بأمنیـة قبل أن تغادر. )
4- المحور السياسي
-حرص الكاتب علي ان  سرد بعض الوقائع السياسية التي سيطرت علي بعض طلاب الجامعة في تلك الفترة خاصة  انتشار أفكار الجماعات الإسلامية “الاخوانية او السلفية ” وتربعت تلك الأفكار الضالة مع هؤلاء الطلاب حتي في الوظائف التي تنصبوا فيها  وكانت تلك الجماعات المتطرفة حريصة كل الحرس علي نشر أفكارها بين طلاب كليات القمة بصفة عامة والطب بصفة خاصة لما لها من تأثير كبير في المجتمع مستقبلا وهذا ما رصده كاتبنا في أفكار الدكتور (” –  لـم أكـن أحـب رفقـة الـدكتور عـامر، حتـى ولـو كـان فـي الـصلاة، وذلـك منـذ أن طلبنـي بعـد صـلاة الفجـر، حـین كنـا نقـیم فـي المدینـة الجامعیـة، ووجدتـه یعـرض علي، طرد اثنین من طلبة كلیة الهندسة، شركائي بالغرفة لأنهم مسیحیین. – إحنا لازم نطردهم من الدور كله، ویا ریت من المدینة كلها. – لیه یا عامر! دول ناس كویسین، وطیبین، وعشرتهم ممتازة. رد عامر: إذن فلنفرض علیهم الجزیة. انسحبت من أمام عامر، وأصبحت أتخلف عن أي صلاة، یكون فیها عامر. أدار الدكتور عامر وجهه نحو الخارج.”) وكانت الصدمة ألكبري التي اكتشفها في نهاية الرواية انه سيطر علي أفكار عبد السلام الموظف بالمستشفي وتزوج ابنته الطفلة صغيرة السن وتنكر لها عندما حملت وخوف ذالك الموظف عن الإفصاح عن زوجها تلك الأفكار التي سيطرت علي عقول هؤلاء الأطباء في مجتمع كان ينظر الي هؤلاء بأنهم دعاة فكر مستنير وأصحاب رسالة
5- المحور الثقافي
-كان الكاتب حريص علي إبراز هذا الجانب الاجتماعي المهم وهو الثقافة العامة التي لا تعرف الدرجات العلمية او الشهادات الجامعية ويمكن لأي إنسان أن ينهل من منابعها كلما سنحت له الفرصة وكان علية أن يوظف تلك الفكرة توظيفا دقيقا ليحقق المنطقية في الحوار والسرد بين إبطال الرواية وكان عليه ان يمحوا بعض الأفكار الاجتماعية التي تنظر إلي فيئه الممرضات بأنهم مجرد أشخاص لا يعرفون أي شيء من مناحي الثقافة العامة وبالنظر الي هذا الحوار بين الدكتور سامي وحبيبته الممرضة أمينة نجدا أنها نالت قسط كبير من الثقافة من خلال تشجيع أبيها لها علي القراءة مما خلق حالة من حالات الإعجاب الذاتي والأيدلوجي بينهما وهو عامل القراءة والثقافة  ونري هذا الحوار بينهما في ص 30 بين البطل والبطلة :-
– (طیب أنت قریتي لمین؟ – كــل قــصص نجیــب محفــوظ، ویوســف إدریــس، والمنفلــوطي، ومحمــد عبــد الحلیم عبد االله، ویوسف جوهر، وقریت للمازني، والعقاد ومحمود تیمور. – قریتي شعر یا أمنیة؟ ً – طبعا ممكن أكون أحفظ الـشوقیات ومبهـورة، بإحـساس نـاجى، وممكـن أكـون ا أحفظ رباعیات الخیام من دیوان رمي. وأیه اللي عجبك أكتر با أمنیه؟ – فیه شاعر عراقي اسمه السیاب تعرفه؟ ً – طبعا ! – ایه اللي عجبك في السیاب؟ – ٕ جملته وإحساسه العالي مایتوصفش! – مین أكتر واحد عجبك؟ ً – هقولك طه حسین، وخصوصا كتابه في الشعر الجاهلي. – وبتقرى أیه آخر حاجة؟ – قصة اسمها رجال االله لكاتبة أمریكیة اسمها بیرل باك. – كم أنت رائعة یا أمنیه؟ أخاف أن أجادلك فتغلبیني. قطعت تفكیري. -عندي لك قصة یا ریت تقراها!)ونجح الكاتب في رسم صورة وجدانية عميقة لمشاعر الحب الاول حين وصف تلك اللحظة العاشقة بينهما حيث يقول ( حین سرقت منى یدي إرادتي، وتحركت لتلمس  ید أمنیة، سـرت فـي بـدني نـشوة لم أعهدها. لم تمانع أمنیة، وتركت یدها في یدي، أتحسسها وكأني أحصى كل خلایاها. لفنـــا الـــصمت طــویلا وأنـــا أتحـــسس أناملهــا الرقیقــة، واقتربـــت عینانــا، حتـــى أحســست بــدفء أنفاســها، وكــادت تــسرقني شــفتاي إلــي شــفتاها، حــین أطلــق فــي عیني ضوء كریه، من مسئول المقاعد في السینما وهو یقول: فیه إیه یا أستاذ؟! مـا أن انـصرف الرجـل، حتـى طلبـت منـى أمنیـة أن نكتفـي بهـذا القـدر،)
البناء الفني للرواية
– هذه الرواية تحتوي علي ما يميزها عن غيرها من الروايات من حيث الانتماءات الواقعية والاجتماعية والنفسية ، وتتميز بقوة بنائها الفني ونجح الكاتب “سليمان عوض” في الإمساء ببراعة بعناصرها الفنية سواء المكانية أو الرمانية ، واحتوت علي عنصر التشويق بشكل دائم ومستمر و ظهور الشخصيات بشكل مرحلي حافظ علي البناء الدرامي للرواية دون أخلال وان الكاتب سار علي نفس النهج الأدبي المتدرج والرابط بين عنصري الإبداع ألابتكاري في القصة العمق الفلسفي  ونجح “سليمان عوض “” في توظيف الشخصيات في خدمة الصراع الدرامي المتصاعد حيث عرض كل الأنماط البشرية بتوازن، مما أضاف متعة للقارئ من خلال تلك الجمل السردية السهلة والبسيطة وتلك العقد وتصاعدها وحلها في حالة من حالات الابتكار والإبداع الأدبي تلك الرواية  تحتوي على العديد من القصص كلها معزوفة على وتريات الرجل والمرأة في علاقات متعددة تختلف باختلاف الزمن ومرور العلاقة بينهما، وتطورها سواء بالشكل السلبي أو الإيجابي، إلا انه كان حريص كل الحرص على إظهار هذه العلاقات في شكلها المرضي لها ولثقافتها الدينية والقانونية، حيث يقر  بان اللذة والألم وجهان لعملة واحدة، تربط بينهما نهايات  لا تفرق بين هذا الشعور وذاك، حين يصل أيهما إلى ذلك العمق، فيمتزج الشعوران  ليصنعا معا تلك النشوة باللذة أو النشوة بالألم، ولذلك علينا ان نؤكد ان د سليمان عوض “يمتلك أدوات كتابته من هذا الموروث الثقافي والبناء الأيدلوجي له  ونجح في بناء حبكته الدرامية في تلك الرواية  رغم هذا التدفق الهائل للمشاعر الوجدانية والعاطفية إلا أننا مازلنا  ننتظر منه الكثير في مشواره الإبداعي.
*************
السيد الزرقاني
كاتب وناقد أدبي – مصر
– للتواصل zrkany.sa@gmail.com