ما بعد حل المجلس التشريعي الفلسطيني- بقلم : معين الطاهر

فلسطين /…..
بقلم : معين الطاهر – فلسطين المحتلة …
من المرجّح أن تكون المحكمة الدستورية الفلسطينية قد أنهت العمل الذي أُسست من أجله في عام 2016، وعقدت جلساتها التي انتهت بقرارها السياسي، ذي الصبغة القانونية، بحل المجلس التشريعي الفلسطيني، والذي قرّرت فيه الدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، بحجة تمكين الشعب الفلسطيني من إعادة انتخاب ممثلية. وبأنّ عدم مزاولة المجلس صلاحياته التشريعية المنصوص عليها في القانون الأساس، يجعل من دوره منتهيًا، من دون أن تشير، من قريب أو بعيد، إلى عدم دعوته من الرئيس محمود عباس إلى الانعقاد منذ الانقسام الفلسطيني، وهو حق للرئيس وحده. وألقت المحكمة باللوم كله على المجلس، لعدم قيامه بدوره التشريعي، أو في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية خلال الثلاثة عشر عامًا الماضية.

لا تحتاج الدعوة إلى الانتخابات قرارا من محكمة دستورية، فهي إجراء يقوم به الرئيس والسلطة التنفيذية، ولا تفترض حل المجلس القائم، حيث تنص المادة 47 مكرّر “تنتهي مدة المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية”. وهذه حكمة من المشرع، لتلافي الفراغ التشريعي. بل ويسجل للكتلة البرلمانية لحركة فتح أنّها، وفي زمن ياسر عرفات، رفضت اقتراحًا مقدمًا منه يقضي بمنح رئيس السلطة صلاحية حل المجلس، وأصرّت على أنّ المجلس سيد نفسه، وأنه يستمر في أداء عمله إلى حين انتخاب مجلس جديد، فبقاء المجلس لا يعيق إجراء الانتخابات، ولا علاقة له بقرارها المنوط بالسلطة التنفيذية.
تثير النقطة السابقة إشكالية أخرى، تتعلق بعزم السلطة الفعلي إجراء انتخاباتٍ خلال مدة الستة أشهر، وهي مسألة تحيط بها أسئلة متعدّدة وصعبة، منها: هل تقبل السلطة والرباعية الدولية والكيان الصهيوني نتائج الانتخابات مهما كانت، وقد لوحظ عدم قبول هذه الأطراف نتائج الانتخابات السابقة، ووضعها شروطًا سياسية للاعتراف بها؟ كذلك، هل سيسمح العدو
“عدم مزاولة المجلس صلاحياته التشريعية المنصوص عليها في القانون الأساس يجعل من دوره منتهيًا”
الصهيوني بإجراء الانتخابات ابتداءً؟ وإذا سمح بها في الضفة الغربية المحتلة، هل سيسمح بها في القدس؟ وهل يمكن إجراء انتخابات من دون القدس، أو عبر وضع صناديق خارج القدس لأهلها، ما يمثل تراجعًا خطرًا، واعترافًا ضمنيًا بسيادة الاحتلال على القدس؟ أما مسألة إجراء الانتخابات في غزة، فتبدو أمرًا محسومًا، إذ وضع الرئيس محمود عباس شرطًا لذلك، هو إنهاء الانقسام وتمكين السلطة، وهو الأمر الذي ازداد تعقيدًا بعد القرار الأخير.
يصعب إجراء انتخابات في الضفة وحدها، لما يحمله ذلك من عقباتٍ ومخاطر تعمق الانقسام، وتجعل من المجلس نصف مجلسٍ لجزء من الشعب، فبعد أن استثنى اتفاق أوسلو الشتات الفلسطيني والفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948، تأتي هذه الانتخابات المفترضة لتستثني جزءًا آخر من الشعب الفلسطيني، وتحيل الانقسام السياسي الحالي إلى انفصال جغرافي، في حال الإصرار على القيام بها.
ثمّة عوار آخر في قرار المحكمة الدستورية، وهو تجاهلها التام استمرار شرعية موقع الرئاسة، على الرغم من وضوح النص المتعلق بذلك، وهو يفيد بشغور الموقع في حال الوفاة أو الاستقالة أو مرور أربعة أعوام على انتخابه، وهو قد انتُخب قبل المجلس التشريعي بعام، وهذا يعني أنّ استمرار شرعية الرئاسة مقيدة بما سبق، في حين أنّ شرعية السلطة التشريعية ممتدة إلى حين انعقاد المجلس المنتخب، إلّا أنّ قرارها اقتصر على حل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات تشريعية، ولم يتطرّق إلى الدعوة إلى انتخابات رئاسية مترافقة معها أو تسبقها.
قرار المحكمة الدستورية سياسي بامتياز، لا علاقة للمحاكم به، والجانب القانوني الهش به هو المشجب الذي علّق عليه، أما الدافع إليه فهو، على الأغلب الأعم، ناجم عن الخوف من الإرباك الناجم عن تطبيق المادة 3 عند شغور موقع الرئاسة، أن “يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهمات رئيس السلطة الفلسطينية موقتًا”. وتحدّد المادة مدة رئاسته بما لا يزيد على 60 يومًا، تجري خلالها الانتخابات، وهو ما تم تطبيقه لدى وفاة ياسر عرفات، حين تسلّم رئيس المجلس في حينه، روحي فتوح، رئاسة السلطة فترة مؤقتة.
في الواقع السياسي الفلسطيني، هذه المخاوف، وفي ظل فقدان المؤسسات شرعيتها الدستورية كافة، لا مبرّر لها، ذلك أنّ قوانين الأمر الواقع والسلطات المتحكمة هي التي تفرض نفسها، أمّا الشرعيات الدستورية فقد انتهت منذ زمن، ولم تعد إلا سرابًا ووهمًا.
ويعد قرار المحكمة الدستورية خطرا، وعبثا كبيرا في البيت الفلسطيني، وكان من الأفضل إبقاء الحال على ما هو عليه في ظل افتقار المؤسسات الشرعية القانونية، بدلًا من تعميق الانقسام. إذ ثمة احتمال كبير يؤمل أن لا يتحقق، وهو أن يبادر المجلس التشريعي الذي تتمتع حركة حماس فيه بأغلبية كبيرة، خصوصًا إذا تحالفت مع ممثلي ما يُدعى التيار الإصلاحي في حركة فتح، أي المجموعة المؤيدة للمفصول من الحركة، محمد دحلان، إلى نزع الشرعية عن الرئيس، بل وربما تعود إلى تأليف حكومة موازية تتمتع بثقة المجلس التشريعي، وقد تحظى بتشجيع أطرافٍ إقليمية، وتساهم في مزيد من الإرباك في المشهد الفلسطيني. وهنا مطلوب من “حماس” والفصائل المعارضة (الجبهتان الشعبية والديمقراطية) أن تكتفي بمعارضة القرار، من دون اللجوء إلى إجراءات تصعيدية.
“وفق المادة 3 من الدستور يتولى رئيس المجلس التشريعي الرئاسة بما لا يزيد على 60 يومًا، تجري خلالها الانتخابات”
بحدّ ذاته، لا يقدم القرار أو يؤخر شيئًا في الساحة الفلسطينية، ما لم تعقبه إجراءاتٌ أخرى، وثمة نذر لا تبشر بالخير في هذا الاتجاه، وتحرف نضال الشعب الفلسطيني عن اتجاهه ضدّ الاحتلال. كما وثمّة تجاوز لجميع اتفاقات المصالحة التي لم يُكتب لها النجاح، وهنالك عبثٌ في مؤسساته، منذ أُخرج المجلس الوطني الفلسطيني من ثلاجة الموتى في اجتماعه أخيرا الذي استثنى مكونات مهمة من الشعب فيه. ومع ذلك، لم تنفذ قراراته على تواضعها، وأُحيلت صلاحياته إلى المجلس المركزي، في إشارة إلى عودته إلى غرفة الإنعاش. ولقي المجلس المركزي وقراراته مصيرًا مماثلًا، حين تم اختزاله بلجنة مصغرة، غلب على تشكيلها ممثلو أجهزة الأمن وكبار موظفي السلطة، فضلًا عن إهمال القرارات المتعلقة بتشكيل إطار قيادي موحد.
الأخطر هو ارتفاع النبرة التي تهاجم عمليات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وتصف منفذيها بالقتلة، وتفخر بأنها قد صادرت واستولت على أكثر من 90% من أسلحة المقاومة ومعداتها، وتتأسف لأنّ العشرة بالمئة الباقية قد نجحت في تنفيذ بعض العمليات ضد الاحتلال. بل ويذهب بعضهم إلى الإيهام بأنّ هذه العمليات تستهدف تقويض السلطة، والانقلاب عليها، وإحباط المشروع السياسي للرئيس! ويترافق ذلك مع زيادة التهديدات بمزيدٍ من العقوبات على قطاع غزة.
لن يؤدي هذا المناخ إلى رفض المشروع الأميركي المقبل، بل سيقود إلى الإذعان له، والقبول به. وثمة تصريحات لوزير الخارجية تقول إنّ الجانب الفلسطيني سيدرس مثل هذا المشروع عند عرضه. وتحتاج مواجهة هذا المشروع (صفقة القرن) مزيدا من التكاتف والوحدة بين الفلسطينيين، ومزيدا من تصعيد النضال، ودعم المقاومة بأشكالها كلها ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين، فقد آن الأوان لرفع الصوت عاليًا ضد الاحتلال، وضد كل من يحاول حرف المسيرة الفلسطينية عن مناهضة الاحتلال.