للمسيحيين الفلسطينيين والعرب : كل عام وأنتم بخير بقلم : د. كاظم ناصر

منوعات ….
بقلم د. كاظم ناصر – كاتب فلسطيني ..
التآخي الإسلامي المسيحي في فلسطين رعته وباركته وسقته بالحب تعاليم عيسى المسيح عليه السلام، وطهر ونقاء مريم العذراء التي ” فضّلها الله على نساء العالمين”، وعزّزته أخلاق وإنسانية عمر ابن الخطاب، وسيظلّ شامخا وصلبا كشموخ وصلابة شجرة الزيتون الفلسطينية بجذورها العتيقة العميقة.
على هذا الهدى الرباني والتعاون والاحترام المتبادل عاش الفلسطينيون معا، واحترموا اختلافاتهم الدينيّة، وتعلّموا الحب والسلام والتسامح من المسيح الذي يقول ” سمعتم أنه قيل: تحبّ قريبك وتبغض عدوّك أمّا أنا فأقول لكم أحبّوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم . أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم. ” وقال الله تعالى في القرآن الكريم ” ولنجدنّ أقربهم مودّة للذين آمنو الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسّيسين ورهبانا وإنهم لا يستكبرون.”
إن السيد المسيح كان رسول خير ومحبة وسلام للإنسانية جمعاء والله يقول ” لا نفرق بين أحد من رسله.” ولهذا يجب علينا ألا نفرّق في إحترامنا وتقديرنا لرسل الله ولما جاؤوا به من ربهم؛ وألا ننسى أن الديانة المسيحية تلتقي مع الإسلام في التوحيد، فهي دين … موحّد … يؤمن بالله الواحد الأحد، والذين يدّعون بأنها تؤمن بتعدّد الالهة يجانبون الحقيقة ولا يفهمونها.
الوطن لنا جميعا، والمواطنة الحقيقيّة لا تفرق بين مسيحي ومسلم، وتاريخ فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، ومصر، والدول العربية الأخرى شاهد على الإخاء الإسلامي المسيحي، ويثبت أن المواطنة المسيحيّة في العالم العربي سبقت المواطنة الإسلاميّة، وإن المسيحيين العرب كانت لهم دولهم المزدهرة، وبنوا حضارات عظيمة في منطقتنا ما تزال آثارها باقية كدليل على أصالتهم وإبداعهم وتضحياتهم ووفائهم لوطننا العربي.
والتاريخ العربي الحديث يشهد على أنهم  ساهوا مساهمة محورية في النهضة العربية الحديثة، وقدّموا خدمات جليلة لأمّتنا في السياسة، والإعلام، والأدب، والاقتصاد، والفن، والعلوم، والتعليم ولا يمكننا أن ننسى ما قدّمته لأمتنا شخصيات عربيّة مسيحيّة عريقة منها جبران خليل جبران، بطرس البستاني، فارس الخوري، نجيب الريحاني، مكرم عبيد، يوحنا الدمشقي، فليب حتّي، إدوارد سعيد، مي زياده، جورج حبش، والقديستان الفلسطينيّتان مريم بواردي، وماري الفونسين مؤسسة رهبانية الوردة المقدسة التي ساهمت في تعليم أجيال من الفلسطينيين والعرب الآخرين، والشهيد جول جمال والقائمة طويلة جدا.
التطرّف الديني الذي إنتشر في العالم العربي خلال الأربعين عاما الماضية ليس إلا إمتدادا لأفكار بن تيميّة مؤلف كتاب” درء تعارض العقل والنقل” المعروف بتشدّده وعدائه لغير المسلمين، والقائل بتحريف الإنجيل، وتلميذه ابن القيم الجوزي مؤلف كتاب “أحكام أهل الذمّة “، وخليفتهما في التشدّد ومحاربة العقل … أستاذ … الجهل والحقد والكراهية والتخلّف محمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية.
أتباع هؤلاء من المتعصبين الذين يعيشون بيننا في هذا القرن …  ويطلبون منا ألا نشارك المسيحيين الفلسطينيين والعرب فرحتهم ولا نهنّئهم بعيد الميلاد المجيد جهلة لا يدركون معنى المواطنة، ولا ينتمون لنا كشعب متحضّر، ولا يفهمون ديننا كدين تسامح، ويخالفون إرادة الرب الواحد، ويتجاهلون حقيقة أن الدين المسيحي دين حب إنساني، والإسلام دين تسامح وتعايش مشترك، وان” الدين لله والوطن للجميع.”
الأديان السماوية الثلاثة … موحّدة …، وموسى وعيسى ومحمد بعثهم الله لإصلاح حياة عباده، والدعوة إلى الحبّ والتعاون والسلام وليس إلى البغضاء والكراهية والحروب والقتل؛ ولهذا فإن مشاركتك لابن وطنك واخيك المسيحي أفراحه وأحزانه، واجب تفرضه عليك حقوق الجوار، وقيم المواطنة، وأخلاقك وإنسانيتك، واحترامك لديانات الله وأنبيائه ورسله أجمعين.
إننا نقول لإخواننا المسيحيين … كل عام وأنتم بخير …  وهنيئا لكم بعيد الميلاد المجيد، ونردّد معكم قول الله تعالى في إنجيله، ” المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرّة “، ونسأل المتأسلمين الجدد الذين يفتون بأن تهنئة المسيحيين حرام من أين جئتم بهذا التحريم؟ لقد أوصى الله بأهل الكتاب خيرا، وكرّم عيسى ومريم في قرأنه خير تكريم، ومجّدهما النبي محمد في أحاديثه، ولم يطلب لا الله ولا رسوله من المسلمين مقاطعة المسيحيين!
شعبنا الفلسطيني علّم العالم التسامح والعيش المشترك؛ لقد احترمنا كمسيحيين ومسلمين تعدديّتنا الدينيّة طيلة تاريخنا، وعشنا معا في مدننا وقرانا، وكنّا وما زلنا وسنظلّ أبناء فلسطين، ولا نفرق بين جورج وعبد الله، أو بين مريم وفاطمة، وإن معاناتنا واحدة، ومصيرنا واحد، وإننا نكافح ضد الاحتلال والظلم معا، ونسجن معا، ونستشهد معا، ونحزن معا، ونفرح ونغني ونرقص معا، وسنظل كذلك شعبا واحدا موحدا يحترم إرادة الله، ويجلّ أديانه، ويرفض الجهل والجهلة، ولو كره هذا المتزمتون الذين لا علاقة لهم بالعقل وبجوهر الدين.