سر قوة الكاتب – بقلم : وليد رباح

الجالية العربية ….
بقلم : وليد رباح
جنون ان تكتب في زمن تحول فيه الكاتب الى أداة … آلة … موظف في يد السلطة التي تتحكم في مسار حياته وتتدخل في اختيار مفرداته … وفي عواطفه .. وتحاول سرقة عقله او قتل بذرة الابداع فيه منذ اختلاجاتها الاولى.  وعندما يمد اصابعه الى القلم او الكيبورد فكأنما مد يده الى ماء يغلي فيعزف عن الكتابة ان كان هاويا .. اما ان كان محترفا فانه يضرب الارض بقدميه ويصرخ .. ثم يصرخ .. ويخرج الكلمات من تلافيف قلبه كي تعجب نفسه اولا .. ومن ثم تقرأ
الكتابة جنون، في زمن يحاصر فيه الكاتب، ويقيد قلمه بالسلاسل وتطارة حروف كلماته قبل ان تولد … وبعد … وبعد … وبعد … ومن مائة رقيب ورقيب … فأي مكان يصلح للكاتب غير رصيف الشارع.
هناك على رصيف الشارع، تتوفر اللحظة ويصرخ الكاتب ويمارس حبه للكتابة بجنون … حبه يمارسه وحده، ويحقق لحظة التوحد الكلي مع من يكتب لهم بلا قيود، وبلا عيون تفتش خلف السطور عن حرف قد يخدش راحة السلطان هذا ان كان كاتبا ( سلطانيا) اما ان كان كاتبا حرا فانه يلد الكلمات مثلما تولد المرأة طفلها .. يصرخ .. ويصرخ .. حتى تأتي كلماته وهجا من النار ..
لا مكان للكاتب، ولا زمان في الوطن الذي يسمونه عربيا ..  اما في البلاد التي يسمونها المتأسلمون كافرة .. ، تولد الفكرة وتتحول الى جسد، في الباص، على الرصيف، في الحمام، وايضا على أريكة، وكرسي  او امام الكمبيوتر … تولد الفكرة في الصباح او المساء … اثناء النوم … او مع خيوط الفجر الاولى … وتتحول الى جسد. وتكتب .. فكأنما روحك قد انتزعت منك .. لكن تسلسل الكلمات على الورقة تنبىء ان هناك كاتبا .. وليس كاتب عرائض امام المحاكم .. انها الولادة التي تؤلمك .. ولكنها تفرحك كما المرأة عندما تلد طفلها فانها تقاسي العذاب .. وعندما تلد طفللها .. ترتسم على محياها ابتسامة جميلة وتفرح فرحا لا يدانيه فرح .
الم اقل: الكتابة جنون، لها ساعة غير خاضعة لا للتقويم الشرقي ولا للغربي، ولا ارادة السلطان من اي نوع كان، وغير خاضعة للمكان، فهي ليست بحاجة الى قابلة قانونية او غير قانونية، ولا الى مستشفى….
حين تأتي لحظة الكتابة الحرة، هكذا فجأة, في اي مكان وزمان، لا اقاوم ولا اتمرد، وهي اللحظة الوحيدة التي اعترف فيها بعجزي وضعفي عن المقاومة وقربت من ان  ارفع رايتي البيضاء اسارع الى القلم والورقة.والكيبورد
واعترف انها لحظة خارج الوصف، كما هي خارج سياق حياتي العادية … هي اشبه بالكابوس، لافكاك منه الا الكتابة… فالكتابة جنون … تنقض علي لحظة  الكتابة دون استئذان قد اكون في حالة غضب، او فرح، او حزن … او … او …
وعندي الكتابة داء بلا دواء … فكثيرا ما سألت نفسي لماذا اكتب؟ لما لا اكسر القلم او الكيبورد، وامزق كل ورقة بيضاء اراها؟ … ولا جواب …!
الكتابة احتراق، وتمرد، وثورة، وخروج على المألوف، وليس كل من سود صفحة بيضاء بكاتب، فهذا زمن يفتقر للكتاب !!
ان كتاب السلطة – ايا كان نوع السلطة – هم اشباه كتاب، لأن الكاتب، لا يخضع لسلطة كما لا تخضع لحظة الكتابة لزمان او مكان …
والكاتب، محاصر، في زمن يسيطر فيه اشباه الكتاب على مقاليد السلطة، ويسدون كل المنافذ في وجهه، كي يختنق، وليس هذا غريب او مفاجىء في زمن عز فيه وجود ه …
ولكن الكتابة، تمرد والكاتب صعلوك ولا يمكن لأية قوة ان تؤدلجه او تقدر على وأده، مهما ملكت من وسائل الضغط والمحاربة.
في بلادنا العربية ان كنت كاتبا ستطارد .. سيمحى اسمك من الوجود عندما لا تكتب عن منافع السلطنة وممالك الملوك وهيمنات الرؤساء .. تمضي نهارك كأنما هو ليلك .. وتحلم احلاما مزعجة عندما يدق بابك .. فالعيود مفتوحة على ما تكتب .. وقيود السجن جاهزة لحملك على محفة لتزور السجون والمعتقلات ..
ويل لكاتب ان تمرد .. وويل له ان ضعف .. انها اللحظة الحاسمة التي تعطيك القوة لكي تقاوم .. وتقاوم .. حتى يظل الحرف العربي يعطينا أملا بان الفجر قادم ..
وتصبحون على المحبة ….