ثرثرة في الحب – ألتغاضب الأنيق – بقلم : د . سمير محمد ايوب

فن وثقافة ….
بقلم : د. سمير محمد ايوب – الاردن …
عشوائيات فكرية للتأمل
ونحن نغادر بوابة المطعم ، قبل أن نصعد في السيارات ، إنشغل صديقي بالرد على هاتفه . ما أن إنتهت مكالمته ، بان عليه فرح طفولي بَيِّنٌ , إثرها ، تمنى علينا وعيناه تومض بريقا قوَّالاً ، أن نرافقه في سيارته ، ألسيدة وولداها وأنا . لنذهب سوية إلى بيته . فهناك كما قال ، تنتظرنا مفاجأة جميلة . في الطريق أخبرتني السيدة أنها كانت لأكثر من عام ، تلميذتي في الجامعة . وصلنا بعد نصف ساعة دارة مضيفنا . كان المدخل ألأنيق مُشرَعاً لنا . يؤطِّرُ زرافةً بارعةَ الجمال ، بكامل أنوثتها وأناقتها ، طازجةً في ليلة زفافها ، في انتظارنا هاشة باشة مرحبة ، بصوت عذب رخيم : أهلا بضيوفنا ، زوجي وأنا . سرعان ما تعارفنا وتضاحكنا وتآلفنا . ومع أول فنجال قهوة ، وقبل أن نفيق من الدهشة أو نسأل ، داهم عَيْنا مضيفتنا جدية جميله ، وإكتست صفحات وجهها بإبتسامة عذبة وهي تستأذن قائلة :
لا أعرف وصف شعوري . لا أحسن الدفاع عن نفسي . فشلت أنوثتي في أن تهدي زواجنا ، أبوة وأمومة طالما تمنيتها وزوجي . وعملنا بصبر على تحقيقها . وفي لُجج الفشل والحزن ، نسيتُ أن الله يدبر كل شئ . يئستُ وإزداد قلقي أكثر مما ينبغي . أيقظ الفشل الأنثى الأخرى في داخلي . وسرعان ما إغتالت وساوس تلك الشريرة شيئا من زواجنا . وإعتقلت حبنا واخفته في غياهب الشك والظنون . فتخلّيْت وهَجَرْتُ ومن ثم هاجرت .
هَجْري وهِجْرَتي ، كانا تعبيرين غير دقيقين ولا صحيحين ، عن تلك اللحظه ألتي ظننت فيها ، أنني أقف على آخر خطوة للحميمية مع زوجي ، وأول خطوة في طريق موت المشترك بيننا . وأن المحصلة في نهاية الأمر بيننا ، لن تساوي إلا صفرا .
علَّمَني طفليَ الفقيد ، معنى الرحيل الأحول . وأن حزن الرحيل كالحنين ، ضيف لا يحترم المواعيد . ولطالما هزني حنين حزين إلى حبيبي وزوجي وبيتي . فقررت أن أصنع لنفسي واقعا جميلا ، لا يستسقي جماله من وهم . فأنا ممن يدركون أن من يؤمن بنفسه لن يُهزَم ، وأن حب الذات ليس أنانية بل أهمية . وعندما ترتضي بما منحك الله ، يصبح تحقق حلم أو تأخر آخر أو حتى غيابه من حياتك ، لا يضر .
من جمال الحياة أنَّ الله ، بين الحين والآخر ، يبعث في طريقك ما يوقظك أو من يوقظك . وأنت الذي تظن أنك بثقافة المعرفة ، مستيقظٌ دائما . تابعتُ عن قربٍ ثرثراتكم ، منذ أولى عتباتها . وبِتُّ أترقبها بإهتمام بالغ . فأدركت أن جُلَّ حزني نابع من عوالم بعيدة عن الواقع . فندمت على أني هَجرتُ . آلمت زوجي وهو لا يستحق إلا كلَّ خير. كم تمنيتُ من يُصلح ما بيننا . غيابه من حياتنا ليس كبقاءه فيها . هناك فرق شاسع .
لأنهض من جديد ، عليَّ أن أتوقف عن البكاء وندب حظي لما حدث ، عليَّ أن أتخطى أوهام حلم لم يتحقق وقد لا يتحقق . عوَّدتُ نفسي على خسارة أمل تَنكَّر لزوجي ولي . أرْهَقْتُ الحياةَ صبراً ، ولم لأعتَدِ الوحدة . صادقتُ نفسي فلم أنجح . شعرتُ بالضيق . فأدركت أن وقت الدعاء قد حان . فلجأتُ إلى رفيق من لا رفيقَ له . ناجيته : يا سريعَ الرِّضا ، إسقِ قلبيَ فَرَحاً ، ولا تُؤجِّل أفراحي . خُذْ بِيَدي وآتِنا من فضلك ، فنحن إلى فضلك راغبون .
ربي ، إني موقنة ، بأنك قد جعلت لكل شئ سببا . لِذا فلن أتوقف عن حلمي ، وإن إبتعد كل يوم إلى المستحيل . أصِرُّ على التفاؤل . قد تتأخر عطاياك ، ويضيق صدري ، وينسحب شئ من سعادتي . لكن ، رحمتك آتية لا محالة . حتما ستأتي بألف طريقة وألف لون .
قبل ساعتين ، أمرني هاتفٌ أن أتصل بزوجي . فأتَّصَلْتُ ، وعلمت ترتيبكم . فرجوته أن تكونوا ضيوفنا الليلة هنا . أكرر ترحيبي بكم وأعلن فرحي معكم .
أمسك صديقي بيديِّ زوجته . نظرَ في عينيها مطوَّلا ، وهو يقول لها : وأنا ألاحق غيطانَ حنيني لك ، كان كبريائي يُرهقني وجعا صامتا ، فأبْعِدُ عينيَّ وأصابعي عن رقم جوالك . فأشعر أنني بحاجة إلى دفء يَدِك ، فتسارع يدي لِتُمْسِكَ بيدك . وتحتضنها على الفور .
فقاطَعْتُهُ وسألتَه فَرِحا بما أرى وبما أسمع : ألا تَخَفْ من الإرتباط بإمرأة قوية كهذه السيدة الجميلة الآنيقة ؟.
أجاب بمثلِ فَرَحي : مَنْ حَمَلَ غضبُها وحزنُها أخلاق ورضا حُبِّها . لا أخشى الخضوعَ لكلِّ ما يربطنا. ولا أخجل من الركوع والخشوع ، لنبيل مشاعرنا . في معارج الحياة ، هي جيشي الرئيس على اليابسة .
وأنا أمسك بيد تلميذتي لنغادر ، قلت لهما قبل أن نصل عتبة البيت ، ودون أن ندير وجوهنا عن أعينهما : على بركة الله ، ستعودان أفضل مما كنتما ، وسنلاحق بقلوبنا أخباركما .