ثرثراتٌ في الحب (2) بقلم : د . سمير محمد ايوب

فن وثقافة …..
د. سمير محمد أيوب – الاردن …
ما أن فرغنا من صلاة العصر، إنتبذنا المحرابَ إلى زاويةٍ قصيةٍ ظليلةٍ في صحن المسجد. جلسنا نستكمل حديث ما قبل الصلاة (موجود في الثرثرة – 1).
قلتُ لضيفيَ: لأقول لك سديداً، لا بد أن تُسْمِعَني المزيد. دَعْ عتبةَ حديثنا الآن، ما أمرنا به الإمام قبل أن يبدأ الصلاة: إستقيموا، إعتدلوا، تراصُّوا، سدّوا الفُرَجَ، لا تتركوا فراغاتٍ في الصفوف، تتسللُ عبرها شياطينُ الإنس وأبالسة الجن.
قال مستغربا: بلى ، ولكن ما شأن ما قال،  هُنا؟
قلت مبتسما ما بين الجد والهزل: لتُحدِّثَني عما تظن أنت، عن الفُرَجِ في علاقتكما، التي أهملتما معا إغلاقها. وأكملتُ لأيَسِّرَ عليه البوح: أعتقد أن زواجكما، قد إرتبط بِمُعطياتٍ عاطفيةٍ مُلْتَبِسَةٍ. أليسَ كذلك؟
طأطأ رأسه وسأل بحياء: أأقول بلا حَرَج؟
قلت ناصِحاً: ولكن، بلا تجاوز لمقتضيات الستر والحياء، وبلا فُحْشٍ في القول، أو إفتراءٍ في الوقائع. من حقك مقاربة تجربتكما، برفقة عقلٍ قادر تثق بأمانته. ومن حقها أن تفعل هي الأخرى الشئ نفسه. ألملاومة الذاتية في العادة، لا تَشي ولا تُنصت ، إلا لما تُحبُّ أن تسمع من تبريرات. فعسى مع مُنْصتٍ يتقن فن الإنصات، أن يتبدى بعض ما تُخفونَ في ثنايا تبادلِ التلاوم. ويجعل تبادل التفهم، معاودةَ التقاربِ أيسر عليكما.
قال: ما زالَتْ يا شيخنا في داخلي، وإن هجَرَت فِراشنا، وهاجَرَت من بيتنا وأمعنت. أكمل الدكتور، وأنا مبتسما مستحسنا ما قدم به لبوحه: أؤكد لك أن كل ما تداولناه من حوارات قبل زواجنا، كان قد إرتقى لمشاعر نبيله، وإحتضن رغبة عميقة صادقة، ألحَّت على عاشقين تقدم بهما السن، ممارسة الوالدية مهما كلف الأمر. تعاطف إستحق منهما التشجيع، والإسراع في تجسيده. بعيدا عن الكثير من التحسب، وفكفكة شيفرات المرحلة العمرية لهما، ألتي تصوغ تبعات حلمهما.
من أول ليلة لنا معا، تلصَّصْنا على أمومتها وعلى أبوَّتي، في ثنايا خصوصيات تلك الليلة. فهندسنا علاقتنا الحميمة وفقها. لا وفق مشاعرنا. فبدت علاقة باهتة. كثير الشغف ومواهبنا التي نعرف، عانت تلك الليلة وما تلاها، من الخجل فانطفأ. وبتنا نمارس الكثير من التفاصيل كواجب وضرورة، ومشاعرنا في الظل. فقد كنا أمام خيارين، فإمّا أن نشُقَّ طريقنا عاشقين مغامرين، أو أن نتراجع إلى معتقل الوالدية نتمترس خلفها.
وأضاف ضيفي قائلا: لعلّي أعترف هنا الآن لو قلت، أننا لم نُحسِنْ بما نعلم، رعاية حلمنا إلا بظلم أنفسنا. لا بالأصول العلمية للرعاية النوعية الصحيحة. بل قُلْ أننا لم نتقن تذوق الحلمين معا. فقد تسيَّدَت المشهد دون وعي منا، غرضيةٌ تسللت نسائمُها، وإرتبطت بهندسة الفسيولوجيا، لا بتضاريس جنون العاطفة.
بعد فشل الحمل، بتنا نعيش مرحلة أخطر. واجهنا الكثير من المصاعب، بالقمع المجنون، وكبت تفلتات السلوك. وتربصت بنا، بيئات حاضنة أخرى بديلة، صنعت منزلقاتٍ خطرة في آفاق علاقتنا الزوجية.
تتزاحم الآن في فضاءات وفراغات المشهد المشترك، كم هائل المخاوف. وغيمها الرمادي يحجب الرؤيا. نختلف حول كل شيء. نتلاوم بالمجان كثيرا. ونبالغ في استبدال ما هو أجمل في علاقتنا، بما هو أسهل فيها. إندفعنا نحو أبوابٍ كثيرة، لنخرج من الأنفاق المظلمة التي بتنا نعيش فيها. في ظل حبنا الأعمى للأطفال، وفي ظل فوضى المشاعر التي نعيش، وغياب مفهوم واضح صحيح للتصالح، وعانت فهجرت بهدوء. واعاني بصمت ممض.
يبقى السؤال الآن يا سيدي، هل ستستمر هذه الجفوة، طويلا؟
قلت وأنا أمسك بيده، هيا نجدد وضوءنا، ونبدد الكثير من القلق، بشئ من الأيمان في المحراب، قبل أن نصطف ثانية لصلاة المغرب. ومن ثم نكمل المشوار، فللحديث أكثر من بقية.