هل سيعيد سحب مشروع الضريبة الهدوء للأردن؟ بقلم : د. كاظم ناصر

آراء حرة ….
بقلم : د . كاظم ناصر – كاتب فلسطيني مقيم في الولايات المتحده الامريكية …
كان الحراك الذي شارك فيه المواطنون في جميع مدن المملكة الأردنية الهاشمية حضاريّا وجماهيريّا بامتياز وله مطالب محدّدة؛ فمن ناحية لم تتدخّل قوات الأمن إلا لحفظ النظام، ولم تستخدم العنف لفضّ المظاهرات ومواجهة المتظاهرين، ولم يقتل أو يجرح أي مواطن، وأطلق سراح الشباب الذين تم اعتقالهم؛ ومن الناحية الأخرى قاد الحراك شباب وشابات ومثقّفون حافظوا على سلميّة التظاهر، ولم يتسبّبوا في أضرار ماديّة للممتلكات، ولم ينتقدوا الملك والعائلة المالكة، ولم يطالبوا بتغييرات بنيوية في النظام السياسي، وكانت مطالبهم محدّدة وأهمها إرغام الدولة على الغاء مشروع قانون الضريبة الذي تحفّظت عليه الأغلبيّة الساحقة من الأردنيين.
المظاهرات الجماهيريّة لم تكن مفاجئة؛ الشعب الأردني عانى من البطالة والفساد والضريبة، ومن التصاعد السريع والمستمر في أسعار الغذاء والعقار والمواصلات والتعليم والعناية الطبية، لكن صبره نفذ عندما جاء دور مشروع الضريبة الجديد الذي قصم ظهر البعير ودفع الفقراء الذين يشكلون 30% من عدد السكان والعمال والمهنيين والمنتمين إلى الطبقة الوسطى المتآكلة للخروج إلى الشوارع ليقولوا للدولة كفى، لقد طفح الكيل ولا يمكننا السكوت عما يجري.
لقد نجحوا في تعطيل المشروع الضريبي، وأطاحوا بحكومة هاني المفتي؛ الملك عبد الله الثاني كلف وزير التربية والتعليم في الحكومة المقالة الدكتور عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة تكون مهمتها الأولى تنفيس الشارع، وإيقاف المظاهرات، وإعادة النظر في مشروع الضريبة. الرزاز أعلن أنه سيسحب مشروع قانون الضريبة رسميّا بعد تشكيل حكومته مباشرة، ونجح في إيقاف الحراك الشعبي حتى قبل ان يشكل حكومته الجديدة.
حكومة الرزاز ستضطرّ للتعامل مع مشاكل اردنية ملحّة من أهمّها البطالة والفساد والضرائب والإصلاحات السياسيّة، ومديونيّة الدولة التي وصلت 35 مليار دولارا أمريكيا، والتفاوض مع البنك الدولي والدول الدائنة، وإقناع دول الخليج النفطية بتقديم مساعدات عاجلة للأردن، والتعامل مع قضايا اللاجئين السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين، ومع الحروب الدائرة في بعض الدول العربية وخاصة الجارة سوريا.
توقف المظاهرات الجماهيرية لا يعني ان أسبابها قد عولجت وإنها لن تتكرّر؛ الحقيقة هي ان النار ما زالت تحت الرماد وإن تنفيس المشاكل وتأجيل حلها لن يخدم البلد؛ لقد نجح الأردن في التعامل مع تبعات واستحقاقات الحروب الدائرة حوله، وتمكن من المحافظة على أمنه استقراره؛ لكنه فشل في التعامل مع معظم مشاكله الداخلية وفي مقدمتها المشاكل الاقتصادية المستعصية والإصلاحات السياسية الديموقراطية؛ فهل سينجح الرزاز في ” إصلاح ما أتلفه الدهر؟ ” الشهور القادمة ستجيب على هذا السؤال!