كنيسة القيامة : عقود من حراستها من قبل المسلمين – بقلم : وليد رباح \ رئيس التحرير

فلسطين ….
بقلم : وليد رباح – نيوجرسي ….
العنصرية الصهيونية تجاه الاديان غير اليهودية :
صفحات جمة كتبت عن قرار اسرائيل بفرض ضريبة على املاك المسيحيين في الاراضي الفلسطينية المحتلة وتراجعها بعد ذلك.. ولكن احدا ممن كتبوا لم يعودوا للتاريخ لكي تفصح اقلامهم عما في صدورهم ويكتبون عن كنيسة القيامة وتاريخها  وعن الاخوة الاسلامية المسيحية في مدينة القدس ومدن فلسطين كافة .. ولا يخفى على القارىء او المتابع ان سكان فلسطين لا تعرف المسيحي منهم او المسلم .. فالمسلمون يغلقون محلاتهم التجارية في الاعياد المسيحية .. والمسيحيون ايضا كذلك .. ويختلط عليك الامر فلا تدري هذا محل لمسيحي او لمسلم .. ولسنا هنا لتبيان ذلك .. فهو معروف للقاصي والداني في كل انحاء العالم .. ولكن تجاهله يعني ان العنصرية الصهيونية قد نجحت في الكثير من اعلامها بالتفريق بينهما .. اذ هناك الكثير من القراء او المتابعين او غيرهم لا يعرفون تاريخ كنيسة القيامة التي امتد تاريخها ايام عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. والمطران صفرونيوس الذي كان حاكما للقدس وكبير الرؤوس المسيحية في المدينة ..
هذا التاريخ الذي حفرته الايام في عقل الفلسطيني بكل مكوناته .. يجعل المسيحيين يشاركون في الهبة التي ارادت الاستيلاء على مسجد الاقصى .. ويجعل المسلمين يشاركون ايضا في الهبة التي حدثت ضد القرار الاسرائيلي الذي يريد لكنيسة القيامة وللاملاك المسيحية في المدينة ان يبتلعها (الفم الصهيوني) الذي دأب منذ احتلال فلسطين على سياسة التآكل للمقدسات المسيحية والاسلامية سواء في مدينة القدس او غيرها .

نبذة عن كنيسة القيامة :
كنيسة القيام بنيت داخل اسوار البلدة القديمة في القدس .. فوق الجلجلة او الجلجثة وهي مكان الصخرة التي يعتقد ان المسيح صلب عليها وتعتبر اقدس الكنائس المسيحية والاكثر اهمية في العالم المسيحي وتحتوي الكنيسة وفق معتقدات المسيحيين على المكان الذي دفن فيه السيد المسيح واسمه القبر المقدس .
سميت كنيسة القيامة بهذا الاسلام نسبة الى قيامة يسوع من بين الاموات في اليوم الثالث من الاحداث التي ادت الى موته على الصليب بحسب العقيدة المسيحية .. وتتقاسم الكنيسة الارثوذكسية الشرقية والكاثوليكية الارثوذكسية المشرقية والفئات المسيحية الاخرى تلك الكنيسة .

عود الى التاريخ : المطران صفرونيوس :
تدل الآثار والوثائق التاريخية، بان العرب قد امتلكوا مدينة القدس، منذ أزمنة طويلة، وأن الوجود اليهودى فيها، إنما كان بمثابة سطر هامشى في التاريخ العربي للمدينة، الذي لم يعترضه طوال (12 ألف عام) سوى سنوات قليلة لليهود والفرنجة، لم تغير واقع السكان فيها. وقد ازدهرت مدينة القدس وكنيسة القيامة زمن حكم المطران صفرونيوس .. الذي اقام علاقات حميمة مع المسلمين في بداية عهد الدولة الاسلامة ..
وبعد الفتح العربي الإسلامي للقدس، أصبحت عربية دمًا ولحمًا، أو قل: عادت إلى عروبتها الكاملة، فقد ساعدت كثيرًا من الروابط العرب المسلمين على سرعة فتح البلاد، التي كانوا مشتركين مع سكانها بنسب جنسى قرب أو بعد، والاتفاقية التي عقدت بين الطرفين، لم تعقد بين عمر العربي المسلم، وصفرونيوس العربي المسيحي، وكلنا يعرف من هو عمر، فمن هو صفرونيوس؟!
ولد صفرونيوس في دمشق حوالي عام 658م، ويبدو أن دراسته الأدبية كانت دمشقية أيضًا، فمنذ حداثته عُنى والداه بتربيته تربية صالحة، ولم يلبث أن نال لقب «حكيم»، فبدأ حياته العلمية في تعليم الفصاحة والبيان لشبان عديدين، تألبوا حوله يرتشفون من غزير مناهله ثقافة متينة… لكن وفاة والديه حملته على ترك الدنيا وهو في ريعان الشباب، ووهب حياته لخدمة الدين.
إن أول ما فكر فيه صفرونيوس السفر إلى فلسطين، حيث كانت الأديرة زاخرة بألوان الرهبان والنساك، واختار دير «القديس ثيودوسيوس» شرق بيت لحم،
وفي تلك الأيام حدث أن قام الفرس بغزو فلسطين، مما دفع السائحين إلى النزوح إلى مصر، وأتيا الإسكندرية في عهد البطريرك القديس «يوحنا الرحيم» واتصل صفرونيوس بفلاسفتها ونساكها والتيارات الفكرية فيها، ولما هدد الفرس الإسكندرية، سافر صفرونيوس مع صديقه قاصدًا روما،
ثم عاد صفرونيوس الى القدس ثانية وانتخب بطريركا وحاكما لها ..

الفتح الاسلامي :
حدث خلاف بين المطران صفرونيوس وروما في ذلك الوقت بعد تسلم المطران وهددت روما باجتياح القدس .. وفي ذلك الوقت .. كانت الفتوحات الاسلامية تتجه الى بلاد العرب التي اغتصبت على ايدي الدول التي كانت تعتمد القوة في احتلالها لتلك البلاد ..
وفي زمن الخليفة العادل عمر بن الخطاب .. كانت القدس قد سقطت بايدي المسلمين ليعاد اليها تاريخها العربي الذي اغتصب قسرا .. وقابل المطران سيدنا عمر بن الخطاب عند زيارته للقدس وشرح له صفرونيوس ان روما تريد السيطرة على المدينة وتعتبرها ملكا لها كون سيدنا المسيح قد ادى رسالته فيها وان الطوائف المسيحية قد اختلفت فيمن يحكم القدس روما او ابقائها في عهدة صفرونيوس .. وكان الخلاف شديدا بحيث هددت كنيسة القيامة بانها سوف تقسم فعلا الى شذرات بحيث تستولي كل طائفة على جزء منها .. الا ان عمر بن الخطاب وصفرونيوس كتبا وثيقة ما تزال تتداول حتى يومنا هذا .. وهي ان تظل كنيسة القيامة في عهدة صفرونيوس تحت حماية المسلمين . وكان الخلاف ثانية بمن يمتلك مفاتيح الكنيسة .. فاقترح سيدنا عمر بان تسلم الابواب والمفاتيح للمسلمين لحراستها .. ووافق صفرونيوس على ذلك .. وكان ان اختيرت عائلة نسيبة الفلسطينية المسلمة لتسلم مفاتيح الكنيسة بحيث تفتح وتغلق بمعرفة تلك العائلة .. وكلنا يعرف ان وقت صلاة الظهر قد حانت اثناء تلك المحادثات بين صفرونيوس وعمر بن الخطاب .. فرأى صفرونيوس ان يصلي عمر بن الخطاب في الكنيسة .. ولكن الخليفة ابى مبررا انه اذا ما صلى فيها فان المسلمين مستقبلا سوف يطالبون بان تصبح الكنيسة ملكهم .. فقام بالصلاة في باحة الكنيسة حيث بني بعد ذلك مسجد عمر بن الخطاب خارج الكنيسة ولا يبعد عنها سوى خطوات ..

النتيجة :
لم تزل مفاتيح كنيسة القيام بايدي عائلة نسيبة المسلمة يتداولونها ابا عن جد .. ولم يحدث عبر التاريخ ان اعترضت احدى الطوائف المسيحية على ذلك .. ومن هنا .. فان وعد عمر بان تظل الكنيسة للمسيحيين وان تظل عائلة نسيبة هي التي تتحكم في اغلاقها وفتحها حتى اليوم .. انها عقود من الاخوة الاسلامية المسيحية .. في القدس وفي فلسطين .. ثم يأتينا الاحتلال الصهيوني هذه الايام لكي يحاول ان يفرض عقدته العنصرية لكي يفرض الضرائب والهيمنة على الكنيسة .. وهو الامر الذي تراجع عنه الصهاينة .. ولسوف تظل كنيسة القيامة كما العهدة التي كتبت بين عمر بن الخطاب وصفرونيوس مفاتيحها في ايدى المسلمين ولم تزل حتى اليوم .